03-سبتمبر-2015

مشاكل مألوفة في انتظار طلبة تونس مع مستهل السنة الجامعية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

بدأت العطلة الصيفية تسدل ستارها وانطلقت الاستعدادات للعودة إلى مقاعد الجامعة في تونس. هذه الأيام، ينشغل الطلبة بآخر الترتيبات لعامهم الجديد، وأكثر المنشغلين هم الطلبة الجدد الناجحون في الثانوية العامّة، فهم بين شغف اكتشاف عالم جديد وحسرة الابتعاد عن العائلة إن كانت كلّيتهم بعيدة عن المدينة التي نشؤوا فيها. والعودة الجامعية دائمًا ما تعيد للسّطح نفس المشاكل للطلبة والتي ماتزال تنتظر حلولًا جذرية لتجاوزها.

يثقل موسم العودة الجامعية كاهل العائلات الفقيرة التي يجب عليها توفير نصيب أبنائها في كراء مسكن ونفقات ولوازم دراسية عديدة. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس مؤخرًا تقديم مساعدات مالية للعائلات المعوزة لتخفيف عبء الثقل المالي لعودة أبنائها لمقاعد الدراسة، خاصّة وأن العودة الجامعية تتصادف هذه السنة مع عيد الأضحى.

 يبقى العبء المالي مرهقًا لفئة واسعة من عائلات الطلبة

كما تقدّم وزارة التعليم العالي منحًا جامعية لشريحة من الطلبة، وجرت العادة أن يكون الترفيع فيها من أهم مطالب النقابات الطلابية. يؤكد محمد خلف الله، الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للطلبة، لـ"الترا صوت"، "أن منظمته النقابية ماتزال تطالب بالترفيع في هذه المنحة وتوسيع دائرة المنتفعين بها". وفي نفس الإطار، سبق وأن دعا وائل نوّار، أمين عام الاتحاد العام لطلبة تونس، إلى ضرورة الترفيع في المنحة السنوية لتصل لحوالي 500 دولار، مع تغيير شروط إسنادها لتشمل كل طالب دخله العائلي لا يتجاوز ضعف الحد الأدنى للأجور.

لكن رغم توفر هذه المساعدات يبقى العبء المالي مرهقًا لفئة واسعة من العائلات، خاصة مع ارتفاع أسعار المساكن الخاصة وأسعار مستلزمات المعيشة في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد. وشهدت أسعار كراء المساكن ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة في العاصمة تونس، مع تزايد الطّلب نتيجة وجود مئات الآلاف من الليبيين في تونس، هربًا من شبح الصراع العسكري في بلادهم. كما لا يفضّل العديد من أصحاب الشقق كراءها للطلبة، لتخوفات أكثر ما ترتبط بالصور النمطية عن الشباب الذين يسكنون دون عائلاتهم.

أما الطالب الذي تجاوز متاعب البحث عن شقة وعناء توفير نصيب كرائها عبر تمكّنه من تحصيل غرفة في السّكن الجامعي الحكومي، فحاله ليست أفضل من غيره. غالبًا ما يعاني السّكن الجامعي الحكومي من الاكتظاظ نتيجة التفاوت بين طاقة الاستيعاب والطلبة الوافدين، إضافة لتدهور البنية التحتية لعدد من المبيتات الجامعية.

وفي هذا السياق، أشار محمد خلف الله، الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للطلبة، بأن "الدولة لا تمنح السكن الجامعي الحكومي إلا سنة واحدة للفتيان وسنتين للفتيات". ودعا خلف الله في هذا الجانب إلى"ضرورة قيام الدولة ببناء العدد الكافي من الأحياء الجامعية لمواكبة تطوّر عدد الطلبة". من جانبه، دعا نوّار، عن الاتحاد العام لطلبة تونس، إلى "تمتيع طلبة مرحلة الإجازة بالحق في السّكن الجامعي طيلة سنوات دراستهم الثلاث".

ثم وإن حالف الحظّ الطالب الوافد وكانت جامعته قريبة من السّكن الجامعي، وهو ما يسمح له بتوفير مصاريف النقل، تبقى معضلة الوجبة الجامعية. حيث يشتكي الطلبة من رداءة هذه الوجبة وعدم استجابتها للمعايير الغذائية والصحيّة، وهو ما يفرض على عدد منهم البحث عن وجبة بأرخص الأسعار تجنبًا للوجبة الجامعية التي توفرها الجامعات مقابل مبلغ بسيط.

وكنتيجة لهذه المشاكل، ينقطع عدد من الطلبة عن مواصلة دراستهم الجامعية وعدم إتمام مرحلة الماجستير مثلاً، خاصة وأن جميع الطلبة، ذكورًا وإناثًا، لا يتمتّعون بحقّ السكن الجامعي الحكومي في هذه المرحلة. ولذلك قد ينتهي حلم البعض لضيق الحاجة. كما قد يضطرّ البعض الآخر للعمل في وظائف وقتية بأجور زهيدة لتخفيف العبء عن عائلاتهم وتوفير ما أمكن من موارد نفقاتهم.

وإن تجاوز الطّالب المطبّات اللوجيستية والمالية ومدى توفّر الظروف المناسبة للدّراسة، تلوح أحيانًا المشاكل المتعلّقة باندماج الطالب في المحيط الجامعي، إن كان وافدًا جديدًا، والبيئة الاجتماعية التي قد تختلف كثيرًا عن بلدته التي قدم منها.

يجد بعض الطلبة الجدد صعوبات جمّة في التأقلم مع الاختصاص الجامعي، وذلك نتيجة ضعف أو غياب التوجيه والمتابعة من الهياكل المختصّة للطلبة ومساعدتهم على حسن الاختيار. من جانب آخر، تعاني العديد من الكليات من ضعف في الموارد البشرية ذات الكفاءة إضافة إلى ضعف الموارد اللوجيستية في عدد من الكليات خاصة ذات الاختصاص التقني.

ويعود جزء من المشاكل الجامعية في تونس لتوزيع  جغرافي غير منصف للجامعات بين المحافظات التونسية، وهو ما يرجعه البعض لسياسة التهميش والإقصاء التي مارسها النظام السابق تجاه المناطق الداخلية. وعلى سبيل المثال، تتمركز كليات الطبّ الثلاث في تونس على الشريط الساحلي للبلاد، دون وجود كلية طب واحدة في المناطق الداخلية، وقد تم إثر الثورة اتخاذ قرار بإنشاء كليات طبّ بالداخل، وهو قرار ما يزال معلقًا دون تنفيذ. ويؤدي عدم التوزيع المتوازن في توزيع الكليات بين المحافظات إلى هجرة مفروضة على طلبة الداخل التونسي نحو الكليات التي يودّون الدراسة فيها، وهو ما يفاقم أزمة السكن والاكتظاظ.

يعود مع بداية كلّ سنة جامعية الحديث عن المشاكل التي يواجهها الطّلبة، بين أزمة السّكن ومطالب الترفيع في المنحة الجامعية وتحسين الوجبة الجامعية، بالتوازي مع المشاكل المتعلّقة بالجانب اللوجستي في عدد من المرافق الجامعية، وكذلك الإشكالات البيداغوجية المضمونية التي تنتظر إصلاحات جوهرية. وفي هذا الجانب، انطلق منذ نهاية السنة الجامعية المنقضية الحوار المجتمعي حول إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في ظلّ حالة إجماع لدى الفاعلين في الفضاء الجامعي على تردّي المستوى التعليمي وضرورة وضع برنامج شامل للإصلاح.