04-يونيو-2021

تأخر المصادقة على مشروع القانون في ظلّ تسجيل عديد قضايا الأخطاء الطبية (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

"سنة 2015 تعرّض ابني مرتضى (15 سنة) إلى قصور كلوي حاد ومضاعفات صحية خطرة بعد أن وصفت له طبيبة متربصة دواءً عن طريق الخطأ". تضيف حنان لـ"الترا تونس": "استوجبت حالته البقاء في العناية المركزة عدّة أيام إلى أن توفي. وقد أخبرني أحد الأطباء أنّ سبب ذلك هو الدواء الذي وصفته له الطبيبة. ولكن بعد أن رفعت قضية لم أجد من ينصفني أو يشهد معي شهادة حق. ولم تنته القضية إلى اليوم".

مرتضى ليس الحالة الأولى في تونس بل آلاف القضايا المنشورة اليوم في المحاكم بسبب الأخطاء الطبية التي أودت بحياة البعض أو تسببت للعديد من المرضى في مضاعفات خطرة في انتظار أن يُصادق على مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية الذي يناقش منذ سنة 2015. 

تمّ إرجاء النظر في مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية أكثر من مرّة، وهو أحد مشاريع القوانين الموروثة من المدّة النيابية الماضية

تمّ إرجاء النظر في مشروع القانون أكثر من مرّة، وهو أحد مشاريع القوانين الموروثة من المدّة النيابية الماضية، مما يعني تأخر المصادقة عليه في ظلّ تسجيل عديد قضايا الأخطاء الطبية.

أبرز فصول القانون

وقد أقر المشروع جملة من الفصول الجديدة بالاعتماد على القوانين المقارنة. وتم إقرار مبدأ التسوية الرضائية خاصة وذلك عبر تقديم طلب تسوية رضائية أمام اللجان الجهوية في الإدارات الصحية، لإقرار التعويض في أجل لا يتجاوز ستة أشهر. كما أقر المشروع ضرورة إحداث صندوق خاص بالتعويضات يمول من قبل الدولة والمؤسسات الصحية الخاصة ومهنيي الصحة.  

وقد عرّف مشروع القانون الخطأ الطبي بأنّه "كل إخلال غير قصدي من مهني الصحة بالتزامه ببذل العناية الواجبة طبقًا للأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها ووفقًا للوسائل المتاحة له في حدود وظيفته وتخصصه ومؤهلاته ينتج عنه إلحاق أضرار بالمريض". كما أقر "مسؤولية المؤسسات الصحية، سواءً العمومية أو الخاصة، عن الأخطاء الطبية المرتكبة من مهنيي الصحة الراجعين إليها بالنظر أو المباشرين بها، وكذلك مسؤوليتها عن الأضرار الناتجة عن التعفنات المرتبطة بالعلاج أو عن المواد والتجهيزات والمنتجات الصحية التي تستخدمها".

رفض النقابات الطبية

وقد لقي مشروع القانون منذ بداية صياغته رفضًا كبيرًا من قبل بعض النقابات الطبية على غرار نقابة طب الأسنان ونقابة القطاع الخاص مطالبين أكثر من مرة بإرجاعه إلى لجنة الصحة والتشاور من جديد حول بعض فصوله.

وترفض نقابة أطباء القطاع الخاص تركيبة اللّجان الجهوية للتسوية الرضائية والمكلفة بعملية التعويض مطالبة بأن تكون ممثلة صلبها خاصة وأنّ مشروع القانون لم يُحدد بالضبط تركيبة اللّجنة أو كيفية اختيارها وإنّما نصّ على أنّها ستُحدد بنص تطبيقي. كما يرفض أطباء القطاع الخاص تركيبة لجنة الخبراء، مطالبين بفتح الباب أكثر لتعيين خبراء من أطباء القطاع الخاص.

رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص لـ"الترا تونس": العديد من الفصول غير واضحة وغير دقيقة، والتخوف من أن يتحمل القطاع الخاص وحده عبء تمويل صندوق التعويض

كما طالبت نقابة أطباء القطاع الخاص بتحديد "نسبة ضرر دنيا لا يمكن دونها المطالبة بتعويض". وقد أشار رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص سمير شطورو لـ"الترا تونس" إلى أنّ النقابة تدعو إلى مزيد التشاور في مشروع القانون لا سيما وأنّ العديد من الفصول غير واضحة وغير دقيقة، على غرار مسألة تمويل صندوق التعويض، والتخوف من أن يتحمل القطاع الخاص وحده عبء تمويل صندوق التعويض. ورغم أنّ لجنة الصحة أدرجت الدّولة ضمن مصادر تمويل الصندوق، فإن النقابة تطالب بتحديد نسبة لتمويل الدولة. كما تطالب بضرورة أن تساهم شركات التأمين في تمويل الصندوق. 

بعض المتدخلين في القطاع الصحي سابقًا لم يخفوا استيائهم من تأجيل المصادقة على مشروع القانون أكثر من مرّة على غرار وزيرة الصحة بالنيابة سنية بالشيخ سابقًا، التي أكدت أنّ العمل على مشروع القانون انطلق منذ نوفمبر 2015، بطريقة تشاركية، والتأم بخصوصه أكثر من 80 اجتماعًا داخل الوزارة وخارجها، وناقشته لجنة الصحة بالبرلمان أكثر من مرّة. 

رئيس لجنة الصحة بالبرلمان لـ"الترا تونس": البرلمان هو القادر على إحداث تغييرات وتنقيحات في مشروع القانون لأنّه لم يعد من مشمولات الوزارة أو الجهات المبادرة

وقد أشار رئيس لجنة الصحة بالبرلمان العياشي الزمال لـ"الترا تونس" إلى أنّه كان من المُؤمل أن يمر مشروع القانون في جلسة عامة في شهر ماي/ آيار "ولكن مع الأسف ارتأت الحكومة ربما نظرًا للظرف الذي تمرّ به تونس في هذه الفترة طلب تأجيل النظر في القانون". مضيفًا أنّ "هذا القانون اشتغلت عليه وزارة الصحة منذ 2016 وكان التمشي تشاركيًا مع رجال القانون وكلّ المتدخلين في القطاع الطبي ومهنيي الصحة. وعملت عليه الوزارة في أكثر من 83 جلسة تقريبًا. وهناك جلسات تواصلت إلى أكثر من 8 ساعات. وفي البرلمان عقدت أكثر من 23 جلسة في لجنة الصحة. وطبعًا فيه العديد من الأطراف المتداخلة والقطاعات المتداخلة وهو ما يستوجب أخذ العديد من التوازنات بعين الاعتبار. ولهذا فصياغة القانون لم تكن متسرعة، بل أخذنا الوقت الكافي في الوزارة والبرلمان. وتعهد البرلمان بهذا القانون منذ سنة 2018. ومن يستطيع إحداث تغييرات وتنقيحات في هذا القانون هو البرلمان لأنّه لم يعد من مشمولات الوزارة أو الجهات المبادرة".

  • مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية.. قانون ثوري؟

كما أضاف الزمال: "أنا أعتبر أنّ هذا القانون هو قانون ثوري يحمي حقوق المرضى وكذلك يحمي مهنيي الصحة بكافة اختصاصتهم. لأنّه يجب النظر في الوضع الحالي في حال حصول ضرر طبي أو خطأ طبي.. فالمتضرر سيتوجه للقضاء المدني أو الجزائي وفي أغلب الحالات سيتوجه للقضاء الجزائي. وعملية التقاضي طويلة جدًا قد تصل إلى عشر سنوات. وهناك أعباء قضائية وتكاليف من أجرة المحاماة وحتى الاختبار يقع على عاتق المتضرر. بما يعني أن المتضرر سيواجه الأعباء المالية الكبيرة وطول فترة التقاضي، مما يولّد لدى بعضهم مشاكل نفسية كبيرة".

وعلى صعيد آخر أشار رئيس لجنة الصحة بالبرلمان إلى أنّ "الناس التي تعالج في المستشفيات العمومية تتوجه للتظلم لدى القضاء الإداري في حال حصول ضرر صحي. وفي حال المداواة في مصحة خاصة يتوجه المتضرر إلى القضاء العدلي. لذلك لا توجد مساواة لأنّ قانون القضاء العدلي مختلف عن قانون القضاء الإداري".

اقرأ/ي أيضًا: هل يضمن مشروع قانون المسؤولية الطبية حقوق المرضى؟

واعتبر الزمال أن مشروع القانون الجديد أخذ بعين الاعتبار كلّ هذه المشاكل، "عبر إحداث لجان صلحية في كلّ ولايات الجمهورية يعني على مستوى الإدارات الجهوية للصحة يترأسها قاض لديه خبرة أكثر من 15 سنة، وثلاثة أطباء للقيام بالاختبار، وهم استشفائي جامعي وطبيب مختصّ وطبيب شرعي. والوضع الحالي اليوم هو أن يختار القاضي في العادة خبيرًا واحدًا، وقد يقع اختيار أي خبير يمكن حتى أن يكون غير مختص في الضرر الذي يتظلم بخصوصه شخص ما. لذا فإن مشروع القانون الجديد فرض أن يكون أحد الخبراء في ملف ما أن يكون مختصًا في ذلك الضرر بالذات". 

وتابع الزمال: "الميزة الثانية، في حال التوجه  للمسار الصلحي إذا لم يوجد أي خطأ قصدي فإنّ الطبيب يبتعد عن أي إجراءات جزائية، أي الطبيب لا يسجن. وتعطي اللجنة التي تتعهد بالملف حكمها والإجراءات الصلحية وفق القانون في ظرف ستة أشهر، أي قيمة التعويض وقيمة الضرر. ولديها الحق أن تقوم بالتمديد لمدّة ثلاثة أشهر فقط. وبعد ثلاثة أشهر من الحكم يقوم الصندوق بدفع قيمة التعويض للمتضرر أو لورثة الضحية. لذا سيقع ربح الوقت، أي اختزال المسار الذي كان سيدوم عشر سنوات إلى ستة أشهر فقط. فضلًا عن الاختبارات التي ستكون أكثر دقة وحرفية، إضافة إلى ابتعاد الطبيب عن المسار الجزائي إذا تم المسار الصلحي".

  • الأضرار الطبية:

وفي علاقة بالأضرار الطبية أشار رئيس اللجنة إلى أنّ هناك ثلاثة أنواع من الأضرار الطبية، هناك:

  1. الخطأ الطبي أي الطبيب الذي لا يقوم بعمله كما ينبغي مثال شخص مريض بالكورونا ولا يقوم الطبيب بالفحوصات اللازمة ويخبره بأنه مريض بنزلة برد مثلًا. هذا يعتبر خطأ طبيًا.
  2. الحادث الطبي أن يسأل الطبيب المريض مثلًا هل لديه حساسية من البنسلين أم لا، والمريض ينفي الأمر ولكن الطبيب يواصل العلاج معتمدًا على أقوال المريض، وهذا يعتبر حادثًا طبيًا لا يتحمّل فيه الطبيب المسؤولية ولكن يقع صرف تعويض للمريض من قبل الصندوق. وهناك مثلًا التعفنات أي أن يقوم مثلًا مريض بعملية جراحية في قاعة غير معقمة، فهذا يعتبر حادثًا طبيًا لا يتحمّل فيه الطبيب أي مسؤولية.
  3. الإهمال الجسيم وفي هذه الحالة لجنة الاختبار إذا أقرت أنه إهمال جسيم، يتم التوجه عندها إلى المسار القضائي الجزائي. والإهمال الجسيم مثلًا هو غياب طبيب عن المداومة في أحد المستشفيات مع وجود حالة استعجالية، أو مثلًا أن يعمل الطبيب في حالة سكر. وإذا تمّ إثبات الإهمال الجسيم يقع توجيه الملف إلى وكيل الجمهورية". 

اقرأ/ي أيضًا: "تيك توك" ورقص بقاعة العمليات.. فيديو لطبيبة يلقى استنكارًا واسعًا  

  • التعويض:

وفيما يتعلّق بالتعويض بيّن العياشي الزمال أنّه "سيقع إحداث صندوق، والصناديق تحدث بقانون الميزانية. وستساهم الدولة والمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة وأعوان الصحة في الصندوق. مع الأخذ بعين الاعتبار أمرين وهما تكرار الأخطاء والاختصاص. فإذا كان الشخص يكرّر نفس الخطأ ستكون مساهمته أكثر من غيره. وبالنسبة إلى الاختصاص، يعني لن تكون مساهمة الطبيب الجراح هي نفس مساهمة الطبيب العمومي لأنّ درجة الخطر ودرجة المسؤولية ليست نفسها".

رئيس لجنة الصحة بالبرلمان لـ"الترا تونس": أغلب الأطباء اقتنعوا اليوم بالقانون، وهم يطالبون بإشراك شركات التأمين، لكن مؤسسات التأمين تراعي الجانب الربحي لها

من جهة أخرى أشار رئيس لجنة الصحة إلى أنّه يعتقد أنّ أغلب الأطباء اقتنعوا اليوم بالقانون، "تحدثنا معهم وحاولنا إقناعهم. وهم يطالبون بإشراك شركات التأمين، لكن شركات التأمين ترغب فقط في تغطية الأخطاء الطبية التي تمثل تقريبًا من 5 إلى 10% من مجموع الأضرار. لذا طالبنا منهم في حال رغبتهم في الدخول في عملية التعويض القيام بتغطية الأخطاء والأحداث الطبية. لأنّ التعويض في الأخطاء  الطبية تكون مبالغ صغيرة على عكس الحوادث الطبية التي تقتضي مبالغ كبيرة قد تصل إلى 100 ألف دينار أو 200 ألف دينار، يعني حسب الضرر. لكن مؤسسات التأمين تراعي الجانب الربحي لها، ونحن ننظر إلى ديمومة الصندوق. لذا هناك معادلة يجب تحقيقها". مضيفًا "بالقانون الحالي يمكن إعادة الثقة بين المريض والطبيب. كي يعمل الطبيب بأريحية بالقواعد الطبية المتعارف عليها ويشعر المريض بأمان أكثر". 

الدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية

وقد ظهرت العديد من المنظمات المدافعة عن ضحايا الأخطاء والحوادث الطبية ومساعدة الضحايا على التشكي لدى القضاء وفهم الإجراءات القانونية الواجب اتباعها. لا سيما وأنّ ظاهرة الأخطاء الطبية ظلت من أكثر الظواهر السلبية المسكوت عنها رغم تفاقمها.

رئيس الجمعية التونسية لإعانة ضحايا الأخطاء الطبية لـ"الترا تونس": العديد من المتدخلين في القطاع الطبي لا توجد لديهم إرادة فعلية لتمرير القانون والمصادقة عليه

ويقول عصام العامري رئيس الجمعية التونسية لإعانة ضحايا الأخطاء الطبية لـ"الترا تونس" إنّ "العديد من المتدخلين في القطاع الطبي لا توجد لديهم إرادة فعلية في تمرير القانون والمصادقة عليه. ولا يوجد أي تجاوب مع ما يقوم به المجتمع المدني بخصوص هذه المسألة. مشيرًا إلى إيقافه عن العمل من قبل عمادة الأطباء التونسيين سنة 2015 بسبب عمله الجمعياتي ودفاعه عن ضحايا الأخطاء الطبية. 

على صعيد آخر، أشار رئيس الجمعية إلى أنّه يتلقى بصفة أسبوعية العديد من التشكيات ممّن تعرضوا إلى أخطاء طبية أو من قبل من فقدوا أحد أقاربهم نتيجة خطأ طبي". مؤكدًا أن الجمعية لا تجزم فعلًا بحصول خطأ طبي ولكنّها تساعد المرضى على التشكي وفهم الإشكالية".  

وبين طرف برلماني يؤكد اقتناع الأطباء بمشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية، وبين نقابة تؤكد أنها تطالب بمراجعات وتنقيحات لهذا المشروع، مازال المريض ينتظر الإسراع بالمصادقة عليه لضمان حقه بعد أن تكررت الحوادث والتشكيات.. خاصة وسط ظرف صحي يعرف تحديات ومشاكل كبرى، أمعنت جائحة كورونا في إخراجها إلى النور.