مسلسل وادي الباي.. جدل التراث والهوية في الأعمال الدرامية
24 مارس 2025
مسلسل "وادي الباي" عمل درامي تونسي يجمع بين التاريخي والاجتماعي، أثار اهتمام المشاهدين منذ الإعلان عنه، وتدور أحداثه في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
أثار المسلسل حال عرضه في النصف الثاني من شهر رمضان، جدلاً واسعاً بين المشاهدين والنقاد، خاصةً فيما يتعلق بمدى دقة تصويره للتراث المحلي، واعتبره البعض "تشويهًا" لتاريخ جهة قفصة في الجنوب التونسي.
في هذا الإطار، انتقد ناجي القفصي وهو ناشط ثقافي مهتم بتوثيق التراث في جهة قفصة وناشط في المجال السينمائي والمسرحي والموسيقي وهو أحد أبناء الجهة، هذا العمل الدرامي، وبين في تصريح لـ"الترا تونس" أن "الأخطاء تعددت وفي مستويات مختلفة"، وانطلق في البداية من لباس الممثلين.
فأكد محدثنا أن لطيفة القفصي هي الممثلة الوحيدة التي ارتدت الملحفة القفصية وإن لم يكن ارتداؤها بالطريقة الصحيحة، على حد تقديره. أما بقية الممثلين فلباسهم لا يتماشى مع اللباس القفصي في تلك الفترة التاريخية بما في ذلك لباس عمال الداموس فلم يكن "الشربانطي" في تلك الفترة لباسهم لأن هذا الزي جاء بعد الحرب العالمية الثانية فقد كان العمال يلبسون لباسهم اليومي وهو "السروال العربي والسورية"، وفقه.
وتابع أن "القشابية ليست من اللباس التقليدي القفصي والبلوزة أيضًا ليست من تراث الجهة وحدهم "الجرابة" (متساكنو جزيرة جربة) يلبسونها".
أما من ناحية المنطوق فيعتبر أن "اللهجة ليست قفصية وإن كان البعض يتعلل بأن قفصة عرفت اختلاط اللهجات بسبب تجمع جهات عدة بما فيها المغرب والجزائر وليبيا إلا أن هذا المزيج من اللهجات كان حكرًا على الحوض المنجمي ابتداء بالمتلوي كأول منطقة تم اكتشاف الفسفاط فيها ثم المظيلة والرديف وأم العرائس".
ناشط ثقافي لـ"الترا تونس": مسلسل وادي الباي خيّب انتظارات جهة قفصة والأخطاء المتعددة والواضحة أساءت إليه كثيرًا
ويقول جمال القفصي لـ"الترا تونس": "قفصة المدينة وبالتحديد حومة الوادي منقسمة لعدد من "الحوم" (الأحياء) وهي مقسمة بدورها حسب العائلات ولهجتهم "القفصية"، فمثلاً نحن لا نقول "هذا" بل "هظا" ولا نقول "تمر" بل "طمر" ولهجتنا سريعة".
ويضيف محدثنا: "من الأخطاء التاريخية أيضًا أن المرأة القفصية من المستحيل أن تذهب إلى السوق في تلك الفترة، فمؤونتها في المنزل وإذا احتاجت أي شيء تبعث بصبي لكنها لا تغادر منزلها".

وأكد أن "المسلسل أظهرها في السوق وتلبس "بنوار" أي فستان وهو أمر مجانب للحقيقة لأن المرأة لا تخرج وتلبس الملحفة القفصية البيضاء إذا خرجت وتلتحف بها ولا تظهر إلا عيناها ويعود تاريخ هذه الملحفة للفترة النوميدية"، وفقه.
وتحدث عن مفهوم الزردة، وقال إنه "غير موجود في حومة الوادي في بداية القرن العشرين وهو عقلية موجودة في أرياف قفصة والمشهد الذي تم فيه ذبح الثور على اعتباره زردة غير صحيح، لأن ذبح هذا الحيوان له مرجعية تاريخية لفترة ما قبل الميلاد".
وبيّن أن "الرومان كانوا يذبحون الثور قربانًا لنبتون حتى يرعى الماء في الوادي وبقي المجتمع القفصي محافظًا على هذه العادة، ففي العهد البيزنطي أصبح قربانًا للعين، ثم في العهد الإسلامي بقيت العادة وأصبحت تسمى قسامية" ويذبح خلال الثور في شهر ماي/أيار كصدقة جارية من فلاحي جهة قفصة يوم "جهر الوادي" ويوزع اللحم على الفقراء والمحتجين.
ويتساءل محدثنا: "لماذا لم يتم استغلال هذا الأثر التاريخي لهذه العادة في المسلسل؟ وكان يمكن إخراجها بشكل جميل جدًا فنيًا".
كما تطرق إلى مشاهد صلاة الاستسقاء، قائلاً إن "متساكني قفصة لم يكونوا من مصلي صلاة الاستسقاء، لدينا 24 عين ماء جارية أضعفها تتدفق بحساب 800 لتر في الثانية ولهذا فهي غير موجودة في ثقافتنا"، على حد تعبيره.
ويؤكد أنه "في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، وبعد أن عرفت قفصة الجفاف، قدم إمام إلى جهة قفصة، لتعليم المصلين في الجهة صلاة الاستسقاء".
ويتابع ناجي القفصي الناشط الثقافي المهتم بتوثيق التراث في جهة قفصة: "الواحة القفصية التاريخية المدرجة عالميًا من قبل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" على أنها تراث عالمي إيكولوجي متعدد الوظائف مسجلة منذ سنة 2015 وموثقة وهي لا تزرع القمح" أو ما يعرف باللهجة العامة التونسية "النعمة".

ومن بين "الأخطاء" التي أشار إليها جمال القفصي ما ورد من شعر شعبي فالقصيدة التي كتبت في السجن، وهي "المسدس" التي تعد تراثًا خاصًا بالجنوب الشرقي وليبيا، فالشعر الشعبي في قفصة هو المثلث إلى جانب الشعر الملحون وكان الأجدر أن تكتب القصيدة على هذا الوزن لأنه من خصوصية الجهة، على حد قوله.
واعتبر الناشط المهتم بتوثيق التراث القفصي أن "الحديث عن جهل سائد في تلك الفترة ليس صحيحًا فقفصة في 1920 لديها المدرسة المرادية التي تأسست منذ سنة 1682 ومدرستين باللغتين العربية والفرنسية و130 زاوية وهي كتاتيب لتعليم القرآن فضلاً عن فرع زيتوني في قفصة منذ القرن العاشر ميلادي".
وأوضح أنه "إلى جانب تقديم القفاصة في حومة الوادي كلهم "قوادة" وهذا غير صحيح فقد أنجبت مناضلين كبار في فترة العشرينيات وهي بداية الكفاح السياسي فمكتب الحزب الدستوري الحر، تأسس في سيدي علي بن محرز خلال تلك الفترة، وأنجبت الجهة عديد المناضلين، على غرار كيلاني المطوي وحمد السهيلي وحسونة إسماعيل وفاطمة هلالة، وغيرهم.
ولفت إلى أن "مرض التيفوس الوبائي الذي ضرب سنة 1909 و1912 تونس لم يصل إلى جهة قفصة لأنه مرض يتكاثر في الأماكن الرطبة وقفصة مناخها جاف"، حسب قوله.
أما عن أغنية الجينيريك، فيقول محدثنا إنها "جميلة جدًا على كل المستويات لكنها لا تخدم العمل لأن الطبوع الموسيقي القفصي غير موجود بل هي بطابع الشمال الغربي مستمدة كلماتها من الجنوب الشرقي".
أستاذ تاريخ لـ"الترا تونس": الهجمة ضد مسلسل وادي الباي مبالغ فيها والعمل ليس تاريخيًا توثيقيًا بل هو عمل فني إبداعي
وختم محدثنا قوله بأن "العمل خيّب انتظارات "القفاصة" (متساكني جهة قفصة) فلم يجدوا أنفسهم فيه وهو ضعيف جدًا والأخطاء المتعددة والواضحة أساءت إليه كثيرًا، فكان الأجدر تعميق البحث قبل الانطلاق في تنفيذ الفكرة".
في المقابل اعتبر أستاذ التاريخ بجامعة قفصة الدكتور مسطاري بوكثير في تصريح لـ "الترا تونس" أن "الهجمة ضد المسلسل مبالغ فيها وأن أي عمل درامي تونسي محمود ويستحق التشجيع فالتلفزة الوطنية أنتجت مسلسلاً وهي صناعة صعبة وكلنا يعلم أنها مرتبطة فقط بشهر رمضان وعليه لابد من تشجيعها من حيث المبدأ".
وولفت إلى أن "مثل هذا الانتقاد اللاذع من شأنه أن يحبط فريق العمل كما أن العمل ليس تاريخيًا توثيقيًا بل هو عمل فني إبداعي، لا يسرد أحداثًا واقعية بالضرورة فالسينما والدراما لم تكن يومًا وثيقة تاريخية".
ويعتقد محدثنا أن العمل لو تحدث عن أي جهة من تونس فإنه سيواجه الانتقادات لأن تناول التاريخ المحلي فيه "نغرة" وكان سيحدث الأمر نفسه إذا تم تناول حي الدير مثلاً في "الكاف" فالتطرق إلى التاريخ الجهوي والقبلي ليس سهلاً، على حد قولة.
ويرى محدثنا أن بعض الأخطاء الواضحة في اللباس أو الديكور الداخلي أو الخارجي كان لابد أن يتم الانتباه لها لأنها ليست موجودة في تلك الفترة، فمثلاً أبواب الحارة كان لونها أزرق أو ترابي ولا يدهن بالأصفر، إذ يعتبر من الألوان القبيحة ولم يظهر إلا بعد تلك الفترات بسنوات، وعليه فإن التريث والبحث والاستئناس بأهل الاختصاص وبمتساكني الجهة مهم لتفادي هذه الأخطاء في اللباس واللهجة وأسماء الشخصيات، على حد تقديره.
الكلمات المفتاحية

المتاحف في تونس.. في البحث عن فضاءات أفضل لحفظ الذاكرة
يجب مراجعة إدارة المتاحف في تونس كليًا حتى ترتقي إلى مستوى عالمي مرموق، فالقطع الأثرية التونسية ذات قيمة حضارية إنسانية ثابتة لا تزال المخازن تعج بها وفي حاجة إلى أن ترى الصيانة والعرض في أبهى حلة

المهرجان الدولي لفيلم المرأة "بعيونهن".. احتفاء بمخرجات عربيات مبتدئات من 10 دول
زيادة على الإقامة الفنية التي ضمّت 14 مخرجة مشاركة من دول عربية عديدة، نظم المهرجان الدولي لفيلم المرأة "بعيونهن"، الذي تنظمه كل سنة الجامعة التونسية لنوادي السينما بمدينة نابل، مسابقة في الأفلام القصيرة العربية من إنتاج مخرجات نسائيات

معرض الرسام التونسي سامي بن عامر.. "الأرض الروحية" أو "زهرة الغريب"
أصحاب "اللوحة الفنية التونسية" صنفان: صنف يرى في الخامات تعليلاً لطرح الأسئلة الفكرية والفلسفية والوجودية المترعة بالجدل والتأمل والتصوّف، أو لتقديم إمكانات لأجوبة عصية، قصية تشبه الفتح الجديد، أو مقاربة للأشياء من زوايا مستحيلة فيها استنطاق للذات القلقة، الحائرة التي تستشعر عمق المعاني فتسرّبها عبر الألوان ثم تتراجع إلى الخلف لترى عين ما أنجزت

عرض "العروسة Quartet" في دريم سيتي.. نساء يتكلمن بأياديهن
في سجنان، تُشكّل النساء دمى طينية كأنهن ينسجن ذكرى مباشرة من الأرض بأيديهن، وفي عرض "العروسة Quartet" في دريم سيتي، تجسد الفنانات بحركاتهن وأياديهن، الحركات المتكررة للخزافات، حركات كادت تكون سيزيفيّة لولا أنها تُنتج تحفًا ترتقي إلى مرتبة الفن!

تونس توقّع اتفاق تمويل مع البنك الدولي بـ430 مليون دولار لدعم التحول الطاقي
البنك الدولي: يساعد المشروع على خفض تكاليف إمدادات الكهرباء بنسبة 23%، وتحسين نسبة استرداد تكاليف الشركة التونسية للكهرباء والغاز من 60 إلى 80%

أيام قرطاج المسرحية 2025.. يحيى الفخراني والفاضل الجعايبي في الافتتاح
تتضمن برمجة هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية، 12 عرضًا ضمن المسابقة الرسمية، و15 عرضًا في قسم "مسرح العالم"، و16 عرضًا تونسيًا، و6 عروض عربية وإفريقية

تعرّف على نصاب زكاة الزيتون والتمر في تونس للعام الهجري 1447
أعلن ديوان الإفتاء في تونس، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025 عن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار للموسم الفلاحي الحالي 1447هـ ـ 2025 م، وذلك مواكبة لانطلاق موسم جني الثمار، وفق بلاغ له

هيئة المحامين: إنشاء مرصد لمتابعة احترام معايير المحاكمة العادلة في تونس
عقدت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس جلسة عامة إخبارية في دار المحامي، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بدعوة من العميد بوبكر بالثابت، أكدت خلالها على ضرورة حضور جميع الجلسات والترافع لضمان حضور المتهمين شخصيًا في قاعات المحاكم، مع رفض المحاكمات عن بعد لما تفتقر إليه من شروط قانونية، وتعد انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة عبر حرمان المتهم من الدفاع دون مبرر قانوني
