21-أبريل-2018

ساهمت الرغبة في التشجيع على الاستثمار في تسريع إعداد مشروع القانون (getty)

انطلقت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالبرلمان في النظر في مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية، وهو مشروع تبدو منطلقات إعداده، أو على الأقل دوافع إعداده في وقت وجيز وذلك مقابل تعطل مشاريع قوانين عديد الهيئات الدستورية، منطلقات استثمارية أكثر مما هي تطبيقًا للموجبات الدستورية وتحديدًا الفصل 24 المتعلق بحماية الحياة الخاصة.

قامت الحكومة بالتسريع بإعداد مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية بسبب قرب سريان نفاذ اللائحة الأوروبية 

ولكن لماذا يظهر مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية، الذي يتعلّق بأحد مكوّنات الحياة الخاصة ألا وهي المعطيات الشخصية، قانون استثماري على النحو المذكور؟ الإجابة لا تخفيها الحكومة في مذكرة شرح الأسباب، وهي مصادقة تونس في ماي/آيار 2017 على الاتفاقية 108 للمجلس الأوروبي المتعلقة بحماية الأشخاص تجاه المعالجة الآلية للمعطيات الشخصية، وكذلك بروتوكولها الإضافي رقم 181.

هذا التوقيع الذي يظهر في إطار سنّة مصادقة تونس على الاتفاقيات المتعلقة بالحريات الخاصة والعامة وتعزيز التزاماتها الدولية يحمل في ثنياته التزامًا على الدولة التونسية بتحيين منظومتها القانونية الحمائية تجاه المعطيات الشخصية لتكون متوافقة مع التزاماتها الدولية. ولكن الأكثر تحديًا بالنسبة لتونس هو أن هذا التحيين ليس اختياريًا بل إجباريًا، والإجبارية ليس مردّها الاتفاقية ذاتها بل حاجة تونس لعدم خسارة المستثمرين الأوروبيين.

اقرأ/ي أيضًا: شوقي قداس: حجب الأعداد خرق للمعطيات الشخصية

إذ صدرت، قبل سنتين، اللائحة التنظيمية الأوروبية التي تفرض على الدول الأوروبية حماية عليا للمعطيات الشخصية وتدابير صارمة للغاية في نقل المعلومة بين أي دولة أوروبية ودولة أخرى، وستدخل هذه اللائحة حيّز النفاذ يوم 25 ماي/ آيار 2018 في المجال الأوروبي قاطبًا أي بعد نحو شهر، وتنفيذها المنتظر شديد الارتباط بتونس، باعتبار أن اللائحة تفرض عقوبات مالية على الشركات الأوروبية تبلغ 4 في المائة من رقم معاملاتها في صورة التعامل مع بلد لا يوفر الحماية اللازمة للمعطيات الشخصية.

عقوبات على الشركات الأوروبية انطلاقًا من ماي/آيار 2018 في صورة تعاملها مع دول لا توفر الحماية اللازمة للمعطيات الشخصية مثل تونس

ورغم أن تونس سنّت قانونًا لحماية المعطيات الشخصية منذ 2004، فهو قاصر على توفير الضمانات القصوى لحماية المعطيات الشخصية التي تراعي ما عرفه هذا الميدان من تطورات في السنوات الأخيرة، وعليه فتونس، على المستوى الدولي، لا تتوفر على مدوّنة قانونية حمائية بالشكل المطلوب، وبالتالي، ستصبح الشركات الأوروبية المستثمرة أو المتعاونة معها في وضعية حرجة.

ومن هذا المنطلق، عملت الحكومة الساعية لجلب الاستثمارات وتوفير بيئة أعمال جاذبة، على جعل سنّ قانون جديد لحماية المعطيات الشخصية واحدة من أهم أولوياتها، وهو ما تمت ترجمته بسرعة مرحلة إعداد مشروعه، والآن انطلاق البرلمان في مناقشته وسط سعي لإتمامه في أقرب وقت ممكن قبل دخول اللائحة الأوروبية حيز النفاذ، وهو ما يصعب تحققه بالنظر لكثرة المشاريع المعروضة على البرلمان وضيق الوقت المتبقي، خاصة وأن المشروع الذي انطلقت اللجنة البرلمانية المتخصصة في النظر فيه، يتضمّن 120 فصلًا.

 عملت الحكومة الساعية لجلب الاستثمارات وتوفير بيئة أعمال جاذبة على جعل سنّ قانون جديد لحماية المعطيات الشخصية واحدة من أهم أولوياتها

ومن أهم النقاط الواردة في مشروع حماية المعطيات الشخصية مقارنة بالقانون الحالي هو التخلي عن اشتراط الجنسية التونسية لممارسة نشاط معالجة المعطيات الشخصية لأن "من شأنه أن يفوّت على تونس الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع الواعد" كما ورد في مذكرة شرح الأسباب، ومن أهم نقاطه أيضًا إخضاع الأشخاص العموميين إلى نظام عام لحماية المعطيات الشخصية، إضافة لمنح الهيئة الجديدة لحماية المعطيات الشخصية صلاحيات قضائية. وسيمثّل القانون الجديد الإطار التشريعي كذلك لتركيز كامرات المراقبة التي دائمًا ما تثير الجدل حول خرقها للحق في الحياة الخاصة.

ومن المنتظر أن تثير عديد النقاط الواردة في المشروع الخلافات بين النواب، ومنها ما يتعلق بنطاق خصوصية معالجة المعطيات الشخصية المتعلق بالأمن العام والدفاع الوطني، إضافة لتركيبة هيئة المعطيات الشخصية التي ينصّ المشروع على تعيين أعضاء مجلسها بأمر حكومي.

 

اقرأي/ي أيضًا:

النفاذ إلى المعلومة: حق دستوري لم تهضمه الإدارة التونسية

إنترنت تونس زمن بن علي.. بوليسية إلكترونية أيضًا