10-نوفمبر-2020

تطور عدد المؤسسات الشبابية لا يعكس اهتمامًا بالشباب ولا بإطاراتهم (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

مقال رأي

 

راهنت البلاد التونسية منذ الاستقلال على الشباب وخصصت له مؤسسات لتأطيره وتكوينه، إذ بعثت أولى دور الشباب في تونس سنوات قليلة بعد الاستقلال وتحقيق السيادة الكاملة على التراب التونسي، وتحديدًا سنة 1963 وهي دار الشباب المغاربية برادس، ومنذ ذلك الحين ودور الشباب في تطور ملحوظ إذ بلغت سنة 1994، 252 مؤسسة، وبعد 16 سنة نجد أن عدد دور الشباب في تونس قد بلغ 352 مؤسسة، و10 في طور الإنجاز، حسب إحصائيات إدارة التخطيط والتقييم التابعة لوزارة الشباب والرياضة، جويلية 2020. ومؤسسات الشباب في تونس لا تقتصر على دور الشباب فهناك:

  • مركبات شبابية 32.
  • مراكز استقبال وسياحة عددها 73، و3  في طور الإنجاز.
  • 183 دار شباب متنقلة، و14 في طور الإنجاز.
  • 183 نادٍ ريفي قار، و11 في طور الإنجاز.
  • 30 وحدة متنقلة للتنشيط الشبابي.
  • 24 وحدة للرحلات والسياحة.

وبناء على المعطيات السابقة يبلغ عدد المؤسسات الشبابية بمختلف أنواعها 739، ستضاف إليها 38 مؤسسة، ليصبح العدد الجملي للمؤسسات 777، هو بالتأكيد أكبر من عدد أساتذة التنشيط المعطلين عن العمل، والذين لا يتجاوز عددهم 700 خريج، فيهم من وصلت مدة بطالته إلى 10 سنوات، وسنعود إلى ذلك لاحقًا.

تراجعت قيمة المؤسسات الشبابية، خاصة بعد الثورة، نظرًا لعدة عوامل أبرزها ضعف الميزانية المخصصة للقطاع بصفة عامة، وضعف الدعم المخصص لهذه المؤسسات

لا يعد تطور دور الشباب والمؤسسات الشبابية بصفة عامة دليلًا على اهتمام الحكومات المتعاقبة، خاصة بعد ما ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي، بقطاع الشباب. فعديد التقارير والتحقيقات الصحفية تشير إلى تراجع قيمة المؤسسات الشبابية. هذا التراجع يعود إلى جملة من العوامل لعل أهمها ضعف الميزانية المخصصة للقطاع بصفة عامة، إضافة إلى ضعف الدعم المخصص لهذه المؤسسات مما دفع عددًا منها إلى الغلق بسبب غياب تكاليف الصيانة، ففي تطاوين مثلًا تراجع عدد المؤسسات الشبابية من 7 سنة 2004، إلى 5 سنة 2020، في ولاية هي الأكبر من حيث المساحة. ونشير هنا إلى دور الشباب المغلقة حسب آخر إحصائيات وزارة الشباب والرياضة:

  • دار الشباب حي التحرير (تونس).
  • دار الشباب تستور (باجة).
  • دار الشباب المهدية.
  • دار الشباب السلطنية (صفاقس).
  • دار الشباب حاسي الفريد ودار الشباب فوسانة (القصرين).
  • دار الشباب الماي جربة ميدون.
  • دار الشباب نويل توزر.[1]

 وبناء على المعطيات أعلاه، هناك مدن ليس بها دور شباب، ومدن أخرى دور الشباب فيها بصدد إعادة البناء مثل دار الشباب عين جلولة (القيروان)، ودار الشباب الزريبة (زغوان) الخ... هذه المعطيات إن دلت على شيء فهي تدل على ضعف اهتمام الدولة عامة ووزارة الإشراف خاصة بهذه المؤسسات. كيف لا وعدد من معتمديات الجمهورية ليس بها دور شباب، وأخرى دور الشباب فيها في وضعية كارثية من الفضاء والبنية.

من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى النقص الفادح في عدد الإطارات بمؤسسات الشباب، على غرار دور شباب الشبيكة، والشراردة وبئر الوصفان التي تعاني من نقص في أساتذة التنشيط الشبابي، قد يصل في بعض المؤسسات إلى 3 أو 4. كيف لا ووزارة الإشراف جمدت الانتدابات لمدة 6 سنوات كما تشير إلى ذلك صحيفة الصريح "مما جعل الوزارة غير قادرة على تغطية حاجياتها أو افتتاح مؤسسات شبابية جديدة".

هناك مدن ليس بها دور شباب، ومدن أخرى دور الشباب فيها بصدد إعادة البناء مثل دار الشباب عين جلولة (القيروان)، ودار الشباب الزريبة (زغوان) الخ... وذلك إن دل على شيء فهو يدل على ضعف اهتمام الدولة عامة ووزارة الإشراف خاصة بهذه المؤسسات

في مقابل هذا يخوض خريجو المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي منذ سنة 2011 تحركات احتجاجية مستمرة للمطالبة بالتشغيل، تحركات تطورت منذ نهاية سنة 2017، حين خفض الخريجون من مطالبهم فبعد أن طالبوا لمدة سنوات بالانتداب المباشر، وأمام تعنت وزارة الإشراف وعدم مبالاتها بمطالبهم المشروعة والمشروعة جدًا، طالبوا بالعمل بصيغة التعاقد. مطلب حظي بالموافقة المبدئية من قبل وزيرة الشباب الرياضة آنذاك "ماجدولين الشارني"، إذ وقع إمضاء اتفاقية في شكل محضر جلسة بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تقضي بانتداب خرّيجي التنشيط الشبابي المعطّلين عن العمل في صيغة عقود مع وزارة الشباب والرياضة والجمعية الوطنية للسلامة المرورية.

وفي صائفة السنة ذاتها تم تنظيم دورة تكوينية في السلامة المرورية، استفاد منها خريجو التنشيط الشبابي، على أمل إمضاء عقود عمل، لكن صرفت أموال طائلة على تلك الدورة ولم تمضى العقود.

وعرفت سنة 2020، نسقًا جديدًا من احتجاجات أساتذة التنشيط الشبابي، فبعد انتخاب تنسيقية جديدة، دخل الخريجون في اعتصام مفتوح في جويلية/يوليو الماضي، وبعد أيام دخلت مجموعة منهم في اعتصام جوع بمقر الاتحاد العام لطلبة تونس. علق الإضراب أيامًا قليلة قبل عيد الأضحى، بعد اجتماع جمع أعضاء التنسيقية بوزير الإصلاح الإداري في حكومة إلياس الفخفاخ، والتي تم من خلالها الوعد بتمرير الملف للحكومة المقبلة. إلا أنه بعد تشكل حكومة هشام المشيشي، عادت التنسيقية الوطنية للتنشيط الشبابي إلى الاعتصامات، ودخلت مجموعة أخرى منهم في اعتصام جوع، ثم التحقت مجموعة ثانية وثالثة... وقد تجاوز عدد أيام اعتصام الجوع بالنسبة للمجموعة الأولى 30 يومًا... ولم تتوقف التنسيقية عند هذا الحد، إذ أعلن أحد المعتصمين جوعًا من الدفعة الأولى والذي كان من ضمن الفريق الذي أضرب عن الطعام في جويلية/يوليو الماضي دخوله في إضراب جوع وحشي، وانضم إليه الكاتب العام التنسيقية... وقد بلغ عدد أيام الإضراب 3 أيام... كل هذا ووزارة الإشراف لم تصل إلى حل يجعل المضربين يعلقون إضرابهم، هذا ما يجعلنا نقول أن وزارة الشباب والرياضة بعد أن قتلت طموحنا ومعنوياتنا طيلة السنوات العشرة الأخيرة تسعى جاهدة إلى قتلنا ماديًا.

دعنا نعود الآن إلى مطالب أساتذة التنشيط الشبابي المعطلين عن العمل، لكن قبل ذلك لا بد من التساؤل عن أسباب هذه الاحتجاجات المتكررة، والتي لم تعرفها مختلف تنسيقيات أصحاب الشهادات العليا الأخرى، فمعلوم أن نسبة بطالة أصحاب الشهادات العليا في تونس مرتفعة، لذلك تتكرر الحركات الاحتجاجية بصفة دورية، لكن تبقى احتجاجات خريجي المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي هي الأكثر، فما هي أسباب ذلك؟

نعبر بداية على مشروعية كل تحركات أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل ومساندتنا لها، لكن تكتسب تحركات قطاع الشباب مشروعية أكبر، أولًا لأن هناك معهد واحد في ذلك الاختصاص في كامل تراب الجمهورية، ثانيًا لأن خريجي هذا المعهد في متوسطه العام لا يتعدى 70 خريج سنويًا، إذ يبلغ عدد الخريجين منذ سنة 2011 إلى سنة 2020 حوالي 700 مجازًا.

اقرأ/ي أيضًا: الشباب التونسي.. قوة تتصاعد بين ماكينتيْن

ثالثًا والأهم عدد الشغورات الكبير في مؤسسات الشباب، والذي يشير عديد الملاحظين إلى أنه يتجاوز عدد الخريجين. ويمكن أن نضيف لكل ذلك سقف طموحات كل من توجه لدراسة التنشيط الشبابي، إذ أن هذه الشعبة تعتبر من أكثر الشعب المشغلة ولا تتجاوز فترة بطالة خريج المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي 4 سنوات كحد أقصى، كان هذا قبل سنة 2011، لكن بعدها بلغت سنوات البطالة ببعض الدفعات إلى 10 سنوات، وقد تم انتداب باقي دفعة 2010 السنة الفارطة، والبعض من دفعة 2011، في حين لايزال بقيتهم يعانون البطالة...  يشير الفضاء المدرك Perceived space إلى المحيط المادي أو الملموس في حين يشير الفضاء المتخيل Conceived space إلى المحيط الخطابي والتقاطع بين الإثنين هو المحيط المعيش Lived space أو المسيطر عليه.

وكما يقول كل من ديبورا مارتن  Deborah Martin وبايرون ميلر  Byron Miller"غالبًا ما تزداد احتمالية وقوع الاحتجاجات عندما يكون هناك انفصال بين الأنواع الثلاثة من الفضاءات. فالتناقضات السياسية والاجتماعية بين كل من الفضاء المدرك والمتخيل والمعيش  يؤدي إلى نشوء النزاعات والخلافات"[2] وبالتالي يمكن أن نقول أن الفضاء المدرك أو المتخيل أو بعبارة أخرى سقف طموحات كل من توجه لدراسة التنشيط الشبابي كان أعلى بكثير أو مختلف تمامًا عن الواقع الذي اصطدموا به، ولعل هذا يفسر النسق العالي والمتكرر من احتجاجاتهم، والتي وصلت إلى أعلى مراحل الإضرابات ألا وهو إضراب الجوع الوحشي.  

دعنا نعود أخيرًا لمطالب أساتذة التنشيط الشبابي، وماهي أسباب عدم استجابة وزارة الإشراف إليها رغم تكرر الاحتجاجات منذ سنوات؟

 تطور عدد مؤسسات الشباب، لا يعكس اهتمامًا بالشباب ولا بإطاراتهم، كيف لا وعديد من مؤسسات الشباب غير مؤهلة لاحتضان الأنشطة، فضلًا عن الشغورات الكبيرة التي تعاني منها، وعزوف وزارة الإشراف عن الانتداب وعلى إيجاد حلول لـ 700 مجاز في التنشيط الشبابي

كما أشرنا سابقًا بعد تعنت وزارة الشباب والرياضة ومماطلتها لأساتذة التنشيط الشبابي المعطلين عن العمل، خفض المحتجون من مطالبهم، فبعد أن طالبوا لسنوات بالانتداب المباشر، بدؤوا في مطالبة الوزارة بتشغيلهم بصيغة العقود، ويعود سبب هذا المطلب أيضًا إلى نجاح أساتذة التنشيط الثقافي في افتكاك حقهم في التشغيل من خلال نظام العقود، وهم ما يزالون يحتجون منذ سنوات أيضًا لتحسين وضعيتهم. إن اشتغال جميع دفعات التنشيط الثقافي وهم متخرجون من نفس المعهد العالي الذي تخرج منه أساتذة التنشيط الشبابي، يجعل من مطالب الآخرين أكثر من مشروعة.

يمكن أن نختصر مطالب المجازين في التنشيط الشبابي بالانتداب الرسمي لبعض الدفعات، وانتداب البقية بصيغة العقود، وهي مطالب كما أشرنا سابقًا أكثر من مشروعة خاصة وأن عددهم 700 مجاز، وهو أقل من عدد مؤسسات الشباب، التي تعاني من شغورات كثيرة تتجاوز عدد المعطلين عن العمل. فما هي أسباب تعنت الوزارة في الاستجابة لهذه المطالب، رغم بساطتها؟

إن وزارة الشباب والرياضة هي المعنية بتشغيل المجازين في التنشيط الشبابي، وهي قادرة على ذلك. لكنها هي المسؤولة أيضًا على تشغيل المجازين في التربية البدنية، وهنا يكمن المشكل، فعدد المتخرجين من المعاهد العليا للرياضة يتجاوز 9000، وقد دأبت الوزارة المعنية على الانتداب حسب نظام الدفعات من خريجي المعاهد العليا للرياضة وخريجي المعهد العالي للتنشيط، وهكذا ارتبط مصير 700 خريج بمصير 9000. من هنا يطالب أساتذة التنشيط الشبابي المعطلين عن العمل بالعدل بدل المساواة وضرورة النظر في قانون جديد للانتدابات.

أخيرًا يمكن أن نقول أن تطور عدد مؤسسات الشباب، لا يعكس اهتمامًا بالشباب ولا بإطاراتهم، كيف لا وعديد من مؤسسات الشباب غير مؤهلة لاحتضان الأنشطة، أضف إلى ذلك الشغورات الكبيرة التي تعاني منها هذه المؤسسات، وعزوف وزارة الإشراف على الانتداب وعلى إيجاد حلول لـ 700 مجاز في التنشيط الشبابي، هم أقل حتى من عدد الشغورات في مؤسسات الشباب.  

 

[1]  أنظر إحصائيات إدارة التخطيط والتقييم التابعة لوزارة الشباب والرياضة، جويلية/يوليو 2020.

[2]  أنظر روكسان فارمان وآخرون، الإعلام في مراحل الانتقال السياسي الحالة التونسية نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، قطر، لبنان، ط1، 2015، ص 269.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشباب التونسي.. بين المشاركة والبقاء على الهامش

شباب راديوهات الواب في تونس.. إرادة تتحدّى الكورونا