للنجاة من شبح الروتين.. ستيني تونسي يركب دراجته لاكتشاف العالم

"حين اقترب موعد تقاعدي المبكّر من عملي الذي قضّيت فيه ما يقارب ثلاثة عقود، وجدت نفسي غارقًا في التفكير المفرط، أبحث عن فكرة غير مألوفة تنقذني من براثن الروتين والفراغ، فاخترت أن أكون رحّالة"، بهذه الكلمات تحدّث الستيني سمير بن يعقوب عن مغامرات ما بعد التقاعد.

ينظر كثيرون إلى سنوات التقاعد كأنها سجن قاتل يحاصر الإنسان بين سندان الروتين ومطرقة الفراغ، لكن بن يعقوب اختار أن يجعلها أجمل سنوات عمره؛ إذ يجوب العالم الآن على دراجته الهوائية.

• الترحال حول العالم.. فرصة لتعيش من جديد 

بينما كان في طريقه من موريتانيا إلى السينغال، تحدث بن يعقوب (62 عامًا)، أصيل جزيرة جربة، عن تجربته مع السفر والترحال لـ"الترا تونس" قائلاً: "اخترت أن لا أمضي سنوات التقاعد الطويلة والمملّة بين جدران المقاهي يحاصرني شبح الروتين ويخنقني الفراغ، فكانت وجهتي مختلفة قليلاً وممتعة كثيرًا". 

سمير بن يعقوب لـ"الترا تونس": حين اقترب موعد تقاعدي المبكّر من عملي الذي قضّيت فيه ما يقارب ثلاثة عقود، وجدت نفسي غارقًا في التفكير المفرط، أبحث عن فكرة غير مألوفة تنقذني من براثن الروتين والفراغ، فاخترت أن أكون رحّالة

يضيف سمير بن يعقوب في تصريحه لـ"الترا تونس": "منذ صغري كنت أعشق التخييم واكتشاف الأماكن البعيدة، لكنني انشغلت بالعمل لسنوات طويلة، واليوم، بعد أن أنهيت واجبي المهني، حان الوقت لأحقق حلمي بالترحال حول العالم لاكتشاف حضارات وثقافات جديدة والتعرّف على أصدقاء من مختلف الدول، إنها فرصة ذهبية لأعيش من جديد".

اقرأ/ي أيضًا: مجتمع الدراجات الهوائية في تونس.. بين التعلق والشغف وإكراهات الحياة

في رحلته حول العالم، اختار بن يعقوب الدراجة الهوائية لتكون رفيقته في هذه المغامرة الفريدة باعتبارها صديقة للبيئة، مؤكدًا، أنّ آخر مرة ركِب فيها الدراجة كان يبلغ من العمر 10 سنوات، لكنه عاد إليها في كبره لتكون جزءًا من حكايته وشاهدًا على مغامراته الشائقة.

واختار الرحالة التونسي أن تكون أولى جولاته داخل جزيرة الأحلام جربة أين كبر وترعرع ليكتشف أسرارها المخفية وقصصها التي لم تُروَ له، ثم برمج جولة على متن الدراجة شملت كامل ولايات تونس واختار أن تكون للتوعية بمرض التوحّد ومعاناة المصابين به، وفقه.

ولم يكن بن يعقوب يتوقع أن يزور عشرات الدول في سنوات قليلة؛ فبينما كان يطمح لاكتشاف أسرار جزيرة جربة، اتسعت أحلامه تدريجيًا لاكتشاف خفايا قارات العالم، حيث زار إلى حد اللحظة 14 دولة وما تزال رحلته متواصلة.

• سمير بن يعقوب.. شيخ الرحّالة التونسيين

من تونس، انطلق بن يعقوب نحو الجارة الجزائر، حيث زار جسورها المعلقة واستنشق هواء غاباتها، واكتشف أسرار حضارتها، ثم واصل رحلته إلى المغرب، فزار الصحراء وجبال الأطلس وتذوّق الأطباق المغربية الأصيلة، قبل أن يتوجه إلى الأردن، ومنه إلى بلد الفراعنة مصر، في رحلة ثرية استغرقت نحو 45 يومًا، وفق حديثه.

يحلم سمير بن يعقوب (62 عامًا) بزيارة القارات الخمس، كما يخطط مستقبلاً لزيارة أوروبا وأميركا الجنوبية ودول وسط آسيا للتعرف على عادات وتقاليد سكانها عن قرب والتعريف بثقافة تونس وحضارتها

لم تتوقف مغامرة بن يعقوب عند هذا الحد، فبعد تحرر العالم من قيود السفر التي فرضها فيروس كورونا قبل سنوات، اختار وجهة جديدة نحو آسيا، فبدأ رحلته من تركيا ثم إيران، حيث يقول إن جولته هناك كسرت كثيرًا من المفاهيم المتداولة عنها، فقد وجد شعبًا منفتحًا ومثقفًا، وبلدًا جميلاً ومتطورًا.

اقرأ/ي أيضًا: في رحلة محفوفة بالمخاطر والاكتشافات.. التونسي مهدي بالحاج يجوب القارة السمراء

بعد ذلك زار بن يعقوب باكستان ثم الهند، قبل أن يشدّ رحاله لاكتشاف ست دول في شرق آسيا وهم: إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وكمبوديا ولاوس، وفيتنام، في رحلة استمرت 3 أشهر، قطع خلالها أكثر من 5 آلاف كيلومتر على دراجته.

ويخوض بن يعقوب حاليًا مغامرة جديدة بدأها من موريتانيا، في رحلة يهدف من خلالها إلى اكتشاف أسرار القارة الإفريقية والتعرّف على عادات وثقافات شعوبها بمختلف توجهاتهم وأعراقهم الدينية، ويوثّق كل لحظاته ليشاركها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يروي سمير خلال ترحاله من دولة إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى طرائف وقصصًا إنسانية تعترضه في الطريق، ويشارك تفاصيل يومياته مع متابعيه الذين يصفونه بشيخ الرحالة التونسيين، كما يخصّ بعض منشوراته لتكريم أشخاص صادفهم فآووه وأكرموه وأحسنوا ضيافته.

سمير بن يعقوب لـ"الترا تونس": لم أكن أتوقع أن أزور عشرات الدول في سنوات قليلة، فبينما كنت أطمح لاكتشاف أسرار جزيرة جربة، اتسعت أحلامي تدريجيًا لاكتشاف خفايا قارات العالم

يتذكر بن يعقوب جيدًا كل الوجوه التي ضحكت له ورحبت به وكل يدٍ امتدت لتساعده أو تدله على الطريق أو فتحت له بابها للمبيت وأخذ قسط من الراحة، ويؤكد أن أكثر اللحظات الإنسانية التي تؤثر فيه حين يبقى دون مال في بعض الأحيان فلا يجد سوى الدعم والترحيب من أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه. 

اقرأ/ي أيضًا: متقاعدو تونس يواجهون الغلاء والتهميش.. وضعية مخجلة بعد عقود من العمل

وكما عاش مواقف إنسانية لا تُنسى، يروي بن يعقوب لـ"الترا تونس" بعض الطرائف التي صادفته في رحلاته، ومن أبرزها حادثة ما تزال عالقة في ذاكرته حين دخل منزلًا في الهند ظنًا منه أن أصحابه يقيمون حفل زفاف، وبعد أن شاركهم الأكل والضحك اكتشف في النهاية أنها أربعينية والدتهم وليست عرسًا.

ويؤكد بن يعقوب أنّ كل الطرائف والمواقف الإنسانية التي عاشها من خلال سفره وترحاله حول العالم لا تزال محفورة في ذاكرته، مؤكدًا أنّ زيارة دول جديدة والتعرف على أناس جدد يجعلك تشعر بسعادة أبدية.

• سمير بن يعقوب: أحلم باكتشاف القارات الخمس

ويسعى ابن جزيرة جربة في كل رحلاته إلى التعريف بتونس، حيث يقوم بالتوجه إلى المدارس والروضات والمعاهد لتقديم معلومات عن علم البلاد وموقعها الجغرافي وأبرز مواقعها السياحية وموروثها الثقافي.

ويؤكد بن يعقوب أنه تعلم الكثير من الرحلات التي خاضها عبر العالم، حيث يعتبرها تجارب فريدة فتحت له الباب للتعرف على ثقافات جديدة وتكوين صداقات عابرة للقارات يفخر بها.

سمير بن يعقوب لـ"الترا تونس": أفكر في توثيق رحلتي والصور التي ألتقطها في البلدان والقرى التي أمرّ بها، في كتاب يكشف الكثير من الأسرار عن حضارات وثقافات مختلفة ومتنوعة

ويحلم بن يعقوب بزيارة القارات الخمس، كما يخطط مستقبلاً لزيارة أوروبا وأميركا الجنوبية ودول وسط آسيا للتعرف على عادات وتقاليد سكانها عن قرب واكتشاف طرق عيشهم، والتعريف بثقافة تونس وحضارتها.

ولم يكن الرحالة التونسي ليتمكن من تحقيق حلمه دون دعم عائلته، خصوصًا ابنه الذي يساعده دائمًا في البحث عن وجهاته والتخطيط لكل رحلاته، حيث يؤكد أن زوجته وابنه يدعمانه في مسيرته ويشجعانه على المضيّ لتحقيق حلمه.

ويفكر محدّث "الترا تونس" في توثيق رحلته والصور التي يلتقطها في البلدان والقرى التي يمرّ بها، في كتاب يكشف الكثير من الأسرار عن حضارات وثقافات مختلفة ومتنوعة.