12-يوليو-2018

تواصل إهانة الجسد الأنثوي (getty)

من الضّروري أن تنطلق المنتجعات والفنادق في إجراء عملية قيس للعضو الذكريّ للرجال قبل السّماح لهم بالنفاذ إلى حوض السّباحة أو الشاطئ، إذ أنّ المنطق يتطلّب وجود مقاس معيّن "أمثل" للقضيب يتماشى مع المقاس المعيّن "الأمثل" لصدور النساء الحريفات.

ليس هذا قولي ولا رأيي، إنّه ما يمكن لأيّ صاحب عقل أن يصدح به عندما يرى إعلانًا لمطعم-حانة يشترط تمتّع النساء بمقاس صدر XXL ليتمكّنّ من المشاركة في إحدى الحفلات الشاطئية. "لا صدر عارم... لا خربق" هكذا يقول الإعلان دون أن يلحق شرطه بمقاس مناسب للرّجال المصاحبين للحريفات. تخيّلوا مثلًا أنّ رجلًا يرغب في المشاركة لكنّ صديقته أو زوجته تمتلك صدرًا بمقاس متوسّط أو صغير، سيكون مضطرًا لخيانتها مع أخرى للحضور أو يحرم من "خربقة" العمر.

 لا أحد يجد عيبًا في الحكم على أجساد النساء وتصنيفها وإخضاعها للوزن والقياس بالعين المجرّدة والماسح الضّوئي والأشعة الحمراء وفوق البنفسجية

ينتهك هذا الإعلان عددا من الحقوق والمبادئ الأساسية (هذا جدّي) أهمّها "النّفاذ إلى المعلومة" (هذا ساخر). فإذا كانت الصورة المصاحبة للإعلان تظهر بوضوح وجوب بروز صدر المرأة من الجزء العلوي للباس البحر، بما ييسّر لمنظّمي الحفلة التأكّد من توافقه مع المقاس المطلوب، فإنّها تغيّب إمكانية النّفاذ إلى "مقاس" العضو الذكري للرجل المرافق في ظلّ عدم اشتراط ارتدائه شورت سباحة شفّافا مثلًا.

اقرأ/ي أيضًا: "بنتك راجل".. وجه آخر للمجتمع الذكوري

هل يبدو كلامي هذا وقحًا؟ جارحًا لبعض المشاعر ربّما؟ آسفة، لكنّني لا أفعل سوى قلب الخطاب السّائد. لا أحد يجد عيبًا في الحكم على أجساد النساء وتصنيفها وإخضاعها للوزن والقياس بالعين المجرّدة والماسح الضّوئي والأشعة الحمراء وفوق البنفسجية. فما المانع في أن تصبح "مفاتن" الرجل عرضة للقيس بدورها؟ يجدر هنا التنويه إلى أنّ التساؤل الأخير يتوجّه فقط إلى الأشخاص الطبيعيين الّذين يؤمنون بأنّ النساء ينجذبن أيضًا، بشكل طبيعي وفطري إلى أجساد الرجال، ولا يعني مطلقًا من يعتبرون أنّ المرأة لا تنجذب إلاّ إلى "محفظة النقود".

في الشارع، كما في البحر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يمارس الرّجال بكلّ ثقة وتفان رياضة الـ"بادي شيمنغ" (body shaming) دون أي شعور بالحرج أو الذنب أو النّدم. يزنون صدور النساء ومؤخّراتهنّ ويطلقن في مديحها أو شتمها أوصافًا مخزية. لا أحد منهم يهتمّ لنفسية المرأة التي يبلّغونها بطريقة "مؤدبة" و"لطيفة" جدًا أنّها لا تتوافق مع "فانتازماتهم" عن أجساد النساء. لا داعي طبعا لطرح السؤال: ولم يجب أن يبلّغونهنّ بذلك أصلا؟ من كلّفهم بذلك؟

لا أحد منهم يهتمّ لنفسية المرأة التي يبلّغونها بطريقة "مؤدبة" و"لطيفة" جدًا أنّها لا تتوافق مع "فانتازماتهم" عن أجساد النساء

أذكر أنّني ذهبت مرّة إلى محلّ خياطة قريب من البيت لتعديل طول بنطلون اقتنيته حديثًا. كان ذلك في بداية الصائفة قبل سنتين تقريبًا. التقيت هناك فتاة شابّة، تبدو دون العشرين ربيعًا، قدمت لتعديل لباس البحر المكوّن من قطعتين خاصّتها. كانت الفتاة تطلب من الخيّاطة "تدعيم" الجزء العلوي من البيكيني بحمّالة صدر أحضرتها خصّيصًا للغرض ليبدو صدرها أكثر امتلاء. كان لصاحبة المحلّ كثير من الأعمال العاجلة وأخبرتنا أنّ "قضية" كلّ منّا لن تجهز قبل يوم الغد. فما كان من الفتاة الشابّة إلاّ أن توسّلت إليها قائلة "أمان يا طاطا يفرّحك، ريقلهولي توّة. غدوة الصباح بكري نمشيو للبحر وكان ما نريقلوش ما نمشيش".

لا صدر إذن لا بحر. عاد إليّ ذلك المشهد فيما كنت أطالع بعين الدّهشة والصّدمة فحوى الإعلان المذكور سابقًا. صدمة ممزوجة بالخيبة وكثير من الغضب إزاء تواصل إهانة الجسد الأنثوي والوصاية عليه. نساء كثيرات فقدن الشهية ثمّ فارقن الحياة بعد معاناة طويلة مع الوصم بـ"الدبّة". نساء أخريات عانين الأمريّن في سبيل كسب الوزن في مناطق محدّدة من أجسادهنّ بعد معاناة طويلة مع الوصم بـ"المسلوتة". وبين هذه وتلك، فتيات يعانين الأمرّين أيضا للعثور على ثياب لا تظهرهنّ بشكل "جميل" بل بشكل "مناسب" لمقتضيات الفانتازمات الذكورية المريضة.

ماذا سيحدث لو أنّ امرأة "حملت جسدها كما هو"، مكشوفًا في بيكيني أو مغطّى ببوركيني، وذهبت إلى البحر دون أن ينقد أحد عريها أو حجابها؟

ماذا سيحدث لو أنّ امرأة "حملت جسدها كما هو"، مكشوفًا في بيكيني أو مغطّى ببوركيني، وذهبت إلى البحر دون أن ينقد أحد عريها أو حجابها؟ دون أن يقيس أحد حجم النهدين وطول غطاء الرّأس؟ ماذا سيحدث لو أنّ فتاة بوزن زائد نزلت إلى حوض السباحة؟ هل سيتراجع منسوب الكلور في الماء؟ هل سيختلّ نظام الكون بسبب الكيلوغرامات الزائدة عند خصرها وردفيها؟ وماذا سيحدث لو أنّ امرأة محجّبة اختارت النزول إلى حوض السباحة نفسه بالبوركيني؟ هل يا ترى، سيدخل "الموسم السياحي" في نوبة هستيرية ويقرّر إلقاء نفسه من فوق "منقالة" الحبيب بورقيبة؟

لم أسمع يومًا أنّ البحر أو حوض السّباحة "رفض" دخول سيدة بصدر مقاس "S" أو بحجاب كامل أو "بالغ في الترحيب" بسيدة ذات صدر مقاس "xxl" أو بيكيني "أحمر". البشر يفعلون ذلك، ولذلك "البحر غضبان ما بيضحكش، أصل الحكاية ما تضحكّش" يا "جماعة خربق" ويا "جامعة" النّزل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يسرا فراوس: يجب تحرير الجسد بتونس وهذا موقفنا من أحكام الشريعة الخاصة بالنساء

عن "فدوى" التي آمنت أن العضلات المفتولة ليست حكرًا على الرجال..