مجتمع

"لا أعرف القراءة والكتابة".. الأمية تطارد نساء تونس

18 يونيو 2025
الأمية تطارد نساء تونس
راضية الجربي (رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية) لـ"الترا تونس": أمية الإناث تهدد الأجيال القادمة (الترا تونس)
زينة البكري
زينة البكري صحفية من تونس

"لا أعرف القراءة والكتابة، أشعر بالخجل من قول هذا ولكنها الحقيقة"، بهذه الكلمات تحدثت صالحة عن قصتها مع الأمية بعد أن حُرمت من التعلّم بسبب بُعد منزل عائلتها عن المدرسة.

وصالحة هي واحد من مئات النساء التونسيات اللاتي يعانين من الأمية، لأنهن ولدن في عائلات هشة وفي مناطق ريفية بعيدة ونائية، ما جعلهن خارج دائرة التعليم ومحرومات من أبسط حقوقهن وهي القدرة على القراءة والكتابة.

الحرمان من التعليم.. جرح لا يندمل 

رغم تجاوزها الأربعين من عمرها، لا تزال صالحة، أصيلة ولاية القيروان، تحلم بتعلم القراءة والكتابة لتنجو من براثن الأمية التي أثرت على حياتها بشكل سلبي، وفق حديثها مع "الترا تونس". 

تضيف بقولها: "ولدت في منطقة ريفية نائية وكان منزلنا بعيدًا جدًا عن المدرسة والطريق إليها وعر ومحفوف بالمخاطر، فاختار والدي تعليم إخوتي الذكور فقط دون سواهم".

مئات النساء التونسيات يعانين من الأمية، تحدثت بعضهن لـ"الترا تونس" عن أسباب حرمانهن من التعلم، خاصة وأن معظمهن يعشن في ولايات تعاني من انتشار الفقر وغياب التنمية

وتواصل: "ربما كان والدي يحاول حمايتنا من خطر الطريق حينها، لكنه أوقعنا في خطر أكبر وأعمق وهو الأمية الأبدية التي ظلت تلازمني أنا وأختي طيلة حياتنا، وبقيت بمثابة الجرح الذي لن يندمل أبدًا". 

ولم تتمكن صالحة بعد ذلك من الانتفاع ببرنامج محو الأمية بسبب انشغالها بتربية أطفالها والاهتمام بعائلتها، لكنها أكدت لـ "الترا تونس"، أنها حرصت على تعليم أطفالها ودعمهم للتعلم لأن العلم نور، وفقها.

نساء خارج دائرة التعليم

وكشفت إحصائية صادمة نشرها المعهد الوطني للإحصاء منتصف شهر ماي/أيار الفائت، أنّ نسبة الأمية في تونس قُدرت بـ17.3% لدى الأفراد الذين يبلغ سنهم 10 سنوات فما فوق.

وتبلغ نسبة الأمية في صفوف الذكور 12%، بينما تبلغ 22.4% بين الإناث، وهي نسبة أثارت صدمة لدى الرأي العام خصوصًا وأن تونس كانت قد حققت تقدمًا لافتًا في مجالات التعليم وتمكين النساء.

وتوجد أكبر نسبة إناث لا تعرف القراءة والكتابة في ولاية جندوبة بـ 36.5%، تليها القيروان بـ36.2% ثم سيدي بوزيد بـ 34.9% والقصرين بنسبة 34.7%، وهي ولايات تعاني من انتشار الفقر وغياب التنمية.

 

نسبة الأمية في تونس قُدرت بـ17.3% لدى الأفراد الذين يبلغ سنهم 10 سنوات فما فوق وفق معهد الإحصاء (صورة توضيحية/مركز لتعليم الكبار)

 

راضية الجربي: أمية النساء تهدد الأجيال القادمة

وفي هذا الإطار، تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي، إن "الحديث عن انتشار الأمية في تونس وارتفاعها خصوصًا في صفوف الإناث صادم ومؤسف، باعتبار أنّ البلاد كرست إجبارية التعليم وراهنت على تعليم الجنسين دون تفرقة". 

وأشارت الجربي في حديثها مع "الترا تونس"، إلى أنّ "الجهود التي بذلتها دولة الاستقلال لمحاربة الأمية باتت مهددة وتراجعت بشكل لافت"، متوقعة في ذات السياق أن تكون نسبة الأمية في صفوف التونسيات أعلى بكثير من الأرقام المعلن عنها.

راضية الجربي (رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية) لـ"الترا تونس": انتشار الأمية في تونس وارتفاعها خصوصًا في صفوف الإناث صادم ومؤسف، باعتبار أن البلاد كرست إجبارية التعليم وراهنت على تعليم الجنسين دون تفرقة

وعبرت الجربي عن استغرابها من انتشار الأمية في صفوف النساء والفتيات اللاتي يبلغن من العمر 10 سنوات فما فوق، مؤكدة أنّ "أمية الإناث تهدد الأجيال القادمة".

وأكدت الجربي، أنّ الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راهن على ضرورة وضع برامج للحد من انتشار الأمية في تونس، حيث أطلق منذ سنة 2018 برنامج التعلم مدى الحياة وتعليم الكبار، إضافة إلى برنامج محو الأمية.

ووفق الجربي، فإنّ هذه البرامج تستهدف النساء اللاتي ينتمين للفئات الهشة على غرار النساء الريفيات والعاملات المنزليات والبرباشة وحاملات الإعاقة، حيث يتم تعليمهن وتمكينهن في 70 مركزًا موزعًا على كامل تراب الجمهورية.

وتولي هذه البرامج اهتمامًا لافتًا بكل الفئات العمرية دون استثناء، وتتركز أعمالها خصوصًا في ولايات القيروان وجندوبة وباجة ومدنين، لتعليم النساء الأميات ودعمهن للدخول في الدورة الاقتصادية والخروج من العزلة. 

وعام 2024، انتفعت نحو 300 امرأة ببرنامج محو الأمية، ويركز الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في السنوات الأخيرة على تعليم حاملات الإعاقة والمكفوفات، ووفق الجربي، فإن اتحاد المرأة لا يكتفي فقط بتعليم النساء الأميات، بل يعمل على دعمهن لدخول سوق العمل بتعليمهن براعات يدوية وصناعة عديد المنتوجات بهدف بيعها.

راضية الجربي (رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية) لـ"الترا تونس": أمية الإناث تهدد الأجيال القادمة، وتوقعات بأن تكون نسبة الأمية في صفوف التونسيات أعلى بكثير من الأرقام المعلن عنها

وسيتم قريبًا وفق الجربي، إطلاق منصة تحمل اسم "لمات تونسية"، حيث ستمكن النساء اللواتي نجون من براثن الأمية واخترن طريق العلم والتعلم من بيع منتوجاتهن للحرفاء بطريقة متطورة، تضمن لهن حياة كريمة.

وتؤكد الجربي أن الوقت قد حان لتظافر كل الجهود لمحاربة الأمية ومنعها من الانتشار خصوصًا في صفوف النساء، حتى لا يكن عرضة للعنف الاقتصادي والجسدي والإقصاء من الحياة اليومية والسياسية.

 

راضية الجربي لـ"الترا تونس": أمية الإناث تهدد الأجيال القادمة (فتحي الناصري/فرنس برس/Getty)

درة محفوظ: ارتداد الأمية يهدد الفتيات الصغيرات

من جهتها، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع درة محفوظ لـ "الترا تونس"، وجود نوعين من الأمية، يضم الأول النساء اللاتي تجاوزن سن الخمسين ولم تطأ أقدامهن المدرسة وتعانين من أمية مطلقة.

أما النوع الثاني، فيضم فتيات في سن صغيرة وعادة ما يكن قد تمكن بالفعل من دخول المدارس والتعلم لبضع سنوات ثم مغادرة مقاعد الدراسة، ما يجعلهن عرضة لما يعرف بـ "ارتداد الأمية"، ويعني عودتهن إلى حالة الأمية وفقدان المهارات التي اكتسبنها خلال فترة تعلمهن، حسب تصريحها لـ"الترا تونس".

ووفق الباحثة في علم الاجتماع درة محفوظ، فإنّ الفتيات اللاتي يعشن في مناطق ريفية مهمشة وينتمين لعائلات فقيرة يكن أكثر عرضة للانقطاع المبكر عن الدراسة، مشيرة إلى أنّ الأولياء يضطرون لإخراج بناتهم من المدارس بسبب بعد المدرسة عن المنزل وعدم توفر وسائل نقل آمنة لهن.

درة محفوظ (باحثة في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس: الفتيات اللاتي يعشن في مناطق ريفية مهمشة وينتمين لعائلات فقيرة يكن أكثر عرضة للانقطاع المبكر عن الدراسة، وبرامج محو الأمية لم تنجح في الحد من انتشار الأمية في تونس

وأكدت محفوظ في ذات السياق، أنّ برامج محو الأمية التي وضعت لم تنجح في الحد من انتشار الأمية في تونس ولا في إنقاذ النساء من براثن عدم التعلم، باعتبار أنّ المرأة الريفية لا تمتلك أوقات فراغ للانخراط في برامج التعليم.

ووصفت، انتشار الأمية في صفوف الإناث في تونس بـ"الفضيحة"، مؤكدة أنّ ذلك يؤثر بشكل سلبي على المجتمع والعائلة، داعية إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية للحد من هذه "المعضلة"، وفقها.

وترى محفوظ، أنّه لا بد من توفر إرادة سياسية للقضاء على الأمية في تونس من خلال توفير وسائل نقل آمنة في المناطق الريفية والولايات الداخلية، واعتماد مقاربة شاملة لإصلاح المنظومة التربوية وتوفير الدعم للعائلات الفقيرة.

وسبق أن أكد مدير عام المركز الوطني لتعليم الكبار هشام بن عبدة، أنّ مشكل الأمية في تونس هو قضية وطنية لا تقتصر فقط على دور وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية.

وقال بن عبدة في تصريح أدلى به للإذاعة التونسية، نهاية شهر ماي/آيار الفائت، إنّ وزارة الشؤون الاجتماعية بصدد العمل على وضع استراتيجية وطنية لمحو الأمية والتعلم في تونس مدى الحياة، وفقه.

وفي تعليقه بخصوص إحصائيات التعداد العام للسكان والسكنى حول الأمية في تونس، أوضح بن عبده أن نسبة الأمية تراجعت بنقطتين في السنوات العشر الأخيرة من 19.3% سنة 2014 إلى 17.3% سنة 2025، بمعدل 21 ألف محرر من الأمية في السنة، وفق تعبيره.

وبحسب بن عبدة، فإن أكبر نسبة أمية موجودة لدى الفئة العمرية من 59 سنة فما فوق وهي متمركزة في الشمال الغربي والوسط الغربي، معتبرًا أنه "رغم تراجع نسبة الأمية في هذه المناطق إلى غير أنها تبقى مرتفعة".

الكلمات المفتاحية

العمل الحر في تونس.. واقع يتوسع خارج المنظومة الرسمية وسط تحديات الاعتراف والإدماج

العمل المستقل في تونس.. حرية مهنية تواجه هشاشة قانونية وإدارية

شهدت السنوات الأخيرة في تونس توسعًا ملحوظًا في ظاهرة العمل المستقل أو ما يُعرف بـ"العمل الحر" (Freelance)، حيث اختار العديد من الشباب هذا النمط من الشغل بحثًا عن حرية مهنية واستقلال مادي خارج أطر الوظيفة التقليدية، إلا أن هذا التوجّه المستجد يثير إشكالات متعددة تتعلق بوضعية هؤلاء داخل المنظومة القانونية والإدارية والاجتماعية الوطنية


مقاهي نادل Getty Dominika Zarzycka NurPhoto

سرديات تُضيء مهنة النادل في تونس

في آلاف المقاهي المنتشرة على طول البلاد التونسية، هناك شريحة مهنية لا يُستهان بها تضم آلاف الندل.. ثمة شخصيات وهبتها الحياة ما لم توهبها المدارس، استثنائية وألمعية بحضورها الطاغي أثناء أدائها لعملها


الكفيف في تونس

الكفيف في تونس.. مسيرة مضنية بين عزلة رقمية وفجوة معرفية

"الترا تونس" نقل من خلال التقرير التالي تجارب تلاميذ وطلبة من ذوي الإعاقة البصرية في مسيرة التحصيل الدراسي


طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

طلاق بسبب البنات.. أو حين يُحاسب رحم الأم على جنس المولود

ثريا التيجاني (محامية) لـ"الترا تونس": هذه الظاهرة غير مرئية إحصائيًا لكنّها حاضرة في الواقع القضائي والمجتمعي خاصة في المناطق الداخلية والجنوب التونسي أين لا يزال يُعتبر الذكر حارسًا للإرث واسم العائلة

محتجون في قليبية يطالبون بغلق مصب وادي ليمام وفتح مركز تحويل النفايات
مجتمع

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب

انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة

إقرار مبدأ الإضراب في القطاع الخاص
مجتمع

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات

أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025


الاتحاد الأوروبي يسلم تونس 47 سيارة إسعاف ضمن برنامج "الصحة عزيزة"
مجتمع

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

بكالوريا تونس 2022 القايدي.jpg
مجتمع

بكالوريا 2026.. إجراءات لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية

أعلنت وزارة التربية، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، عن جملة من التدابير الاستثنائية التي سيتم اعتمادها خلال الاختبارات الكتابية والتطبيقية لامتحان البكالوريا 2026 لفائدة المترشحين من ذوي الإعاقة والاضطرابات الخصوصية في التعلم. وتأتي هذه الإجراءات بعد دراسة الملفات الطبية المعروضة على الإدارة العامة للامتحانات

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

تأجيل النظر في قضية "التآمر 1" إلى جلسة 27 نوفمبر 2025


3
سیاسة

تأجيل النظر في قضيتين ضدّ سهام بن سدرين إلى جلسة 5 جانفي 2026


4
مجتمع

نقابة متفقدي التعليم الثانوي: الوضع التربوي يتسم بالفوضى والوزارة عاجزة


5
مجتمع

تجدد الاحتجاجات جرّاء التلوث في قابس وأولياء يرفضون التحاق أبنائهم بالدراسة