02-أكتوبر-2021

في مقال بعنوان "الديمقراطية التونسية في مفترق الطرقات" (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

تنبّأ "شاران غرويل" في بداية سنة 2019 باستحواذ الرئيس التونسي قيس سعيّد على السلطة كنتيجة للانتخابات الرئاسية التونسية التي وقع تنظيمها في شهر سبتمبر/أيلول من نفس السنة، وذلك في مقال بعنوان "الديمقراطية التونسية في مفترق الطرقات". 

"شاران غرويل" هو ذلك الأمريكيّ الذي قلب بتغريدة واحدة على تويتر موازين القوى نهائيًّا لصالح المترشّح قيس سعيّد، ما بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية، عندما أشار إلى وجود عقد لوبيينغ يربط المترشّح نبيل القروي بشركة كندية يديرها ضابط سابق في الموساد. 

هو أستاذ مساعد في جامعة "ويليام أند ماري" الأمريكية، متحصلّ على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برنستون الأمريكية، ويختصّ منذ سنة 2011 في البحوث المتعلّق  بالتحول الديمقراطي والإسلام السياسي والدراسات الأمنية في العالم العربي، وخاصة تونس ومصر والجزائر. 


  •  خيبة أمل التونسيين من الديمقراطية

في مقاله المنشور في شهر فيفري/شباط 2019 تحت عنوان "الديمقراطية التونسية في مفترق الطرقات"، يشير شاران غرويل اعتمادًا على الأرقام، إلى أن التونسيين، بعد 8 سنوات من الثورة (آنذاك)، يعيشون خيبة أمل من الديمقراطية. ففي سنة 2013، كان 70% من التونسيين يعتبرون أن الديمقراطية أفضل أشكال الحكم. ولكن في 2017، انحدرت هذه النسبة إلى 46% فقط.

تنبّأ "شاران غرويل" في بداية سنة 2019 باستحواذ الرئيس سعيّد على السلطة كنتيجة للانتخابات الرئاسية التونسية التي وقع تنظيمها في شهر سبتمبر من نفس السنة، وذلك في مقال بعنوان "الديمقراطية التونسية في مفترق الطرقات"

يفسّر غرويل هذا التقهقر بأن الديمقراطية لم تقدّم شيئًا للتونسيين على المستوى الاقتصادي، في حين يجب أن نتذكّر أن الثورة لم تطالب فقط بالحرية، بل أيضًا بالخبز وبالعدالة الاجتماعية. ويضيف أنّه في ظلّ الديمقراطية، لم ير التونسيون بالأساس على المستوى السياسيّ، إلّا تطاحنًا وخلافًا دائمين.

واعتمادًا على مزيد من الأرقام البليغة المعنى، يوضّح الباحث الأمريكي أنه في سنة 2018، كانت نسبة التونسيين الموافقين على حكم عسكري 47% أي أكثر ب1% فقط من أولئك الذين يفضلون الديمقراطية. وبين سنتي 2015 و2018، ارتفعت نسبة التونسيين الموافقين على حكم الحزب الواحد، من 28% إلى 41%، في حين ارتفعت نسبة التونسيين الموافقين على حكم الرجل الواحد في نفس الفارق الزمني من 18% إلى 35%. 

  • فهل تنهار الديمقراطية في تونس؟

يتساءل غرويل عندئذ: هل يمكن لخيبة الأمل هذه أن تأخذ شكل انهيار ديمقراطيّ؟  يقدّم الكاتب رسمًا بيانيًّا مهمًا جدًّا، يبيّن أنه عادة إذا ما أبرزت استطلاعات الرأي أكثر من 20% من الانحياز لحكم عسكريّ، فإنّ انقلابًا عسكريًا في هذه الظروف يكون في الغالب ناجحًا. فيتساءل غرويل مجدّدًا: ماذا سيحصل إذا ما انهارت الديمقراطية في تونس؟ 

الإمكانية الأولى حسب الباحث الأمريكي هي الانقلاب العسكري، لكنه استبعد هذه الفرضية لأسباب حللها في مقاله، وهي مختلفة عن السرديّة الكلاسيكية بخصوص عدم تدخل الجيش التونسي في الأمور السياسيّة. 

  • إمكانية الاستحواذ على السلطة من قِبل من هو في سدّة الحكم

الإمكانية الثانية هي ما يسمّى بالإنجليزية Incumbent takeover، ويمكن ترجمة هذا المصطلح بالاستحواذ على السلطة من قبل من هو في سدّة الحكم. وقد رجّح غرويل في مقاله هذه الفرضية الثانية. لكنه استبعد أن يُقدِم الرئيس آنذاك الراحل الباجي القائد السبسي -والذي كان لا يزال على قيد الحياة عندئذ- على مثل هذه العملية نظرًا لتقدمه في العمر.

قدّر غرويل أن تفرز انتخابات 2019 رئيسًا قويًا يأتي على أساس شعبويّ، ويكون هو من يلجأ إلى عملية الاستحواذ على السلطة، فيفكّك الديمقراطية تدريجيًّا من خلال إعلام خاضع للرقابة ومحاكمات سياسية واستعمال القمع عند الضرورة

وقدّر غرويل أن تفرز انتخابات 2019 رئيسًا يمثّل رجلًا قويًا، يأتي على أساس شعبويّ، ويكون هو من يلجأ إلى عملية الاستحواذ على السلطة، فيفكّك الديمقراطية تدريجيًّا من خلال انتخابات مزورة وإعلام خاضع للرقابة ومحاكمات سياسية واستعمال القمع عند الضرورة. 

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. "قُتل" الدستور مع سبق الإصرار والترصّد

هذا الرجل القويّ حسب غرويل قد يسرّع في تطوّر نزعتين من أجل تثبيت سلطته: 

أوّلًا: الإكثار من استعمال المحاكم من أجل أغراض سياسيّة، وكان الكاتب قد أكّد في مقاله المنشور سنة 2019 على خطر استعمال المحاكم العسكرية، ذاكرًا مثال محاكمة الناشط السياسي والنائب ياسين العياري أمام القضاء العسكريّ سنة 2018.

ثانيًا: التعزيز المتواصل لسلطات الأجهزة الأمنية بحجّة استتباب الأمن.

ويمثّل تسارع نسق هاتين النزعتين، على كل حال حسب الكاتب الأمريكيّ، أحد مؤشرات نكوص الديمقراطية. ومن ميزات نكوص الديمقراطية أيضًا في مثل هذه الظروف، أنّه يحصل بتدرّج شديد، إلى درجة أنّه لن تتكوّن الشعلة التي قد تدفع إلى احتجاجات واسعة، وأن ذلك الرجل القوي سيكون في معظم الأوقات قادرًا على تبرير تراجع الديمقراطية، وبالتالي إلى تفتيت التصدي له.

رجح غرويل أن الرئيس قد يزعم أن الجمعيات في البلاد متكونة من متخابرين مع جهات أجنبية ليضغط عليها، وقد يقوم بحلّ حزب النهضة على أساس استعمالها لجهاز سرّي، ويوظّف قانون الطوارئ للحدّ من احتجاجات المعارضة

وأضاف غرويل أن ذلك الرئيس قد يزعم أن الجمعيات في البلاد متكونة من متخابرين مع جهات أجنبية ليضغط عليها، وقد يقوم بحلّ حزب النهضة على أساس استعمالها لجهاز سرّي، ويوظّف قانون الطوارئ للحدّ من احتجاجات المعارضة.  

  • الاقتصاد مفتاح الخروج من الأزمة السياسية

دعا شاران غرويل في خاتمة مقاله إلى توصيات لتفادي الاستحواذ على السلطة من قبل من هو في سدة الحكم، من بينها بعث المحكمة الدستورية، ومن أهمها على حسب قوله، معالجة أسباب خيبة أمل التونسيين من الديمقراطية، أي بالأساس، الإصلاح الاقتصادي. 

وفي مقال نشره الباحث الأمريكيّ بعد 25 جويلية/يوليو 2021  معلّقًا على الأحداث ، اعتبر أنّه "في ظل حالة الركود التي يمر بها الاقتصاد التونسي، فإن الدعم الخارجي والمساعدات قد يحسمان نتائج هذه الأزمة، بالإيجاب أو بالسلب".

لذلك، يبدو أنّه مرّة أخرى سيكون المال عصب الحرب. فهل سيكون لرأس المال التونسيّ والناتج المحلي الإجمالي نصيب في حلّ الأزمة، أم أنّه سيكون فقط رأس مال أجنبيّ نظرًا لتدهور الاقتصاد التونسي؟

 

المصادر:

[1] Sharan Grewal, “Tunisian Democracy at a crossroads”, Foreign Policy at Brookings, 02/2019, Tunisian democracy at a crossroads (brookings.edu)

[2] مصدره مثل الأرقام الأخرى، إحصائيات شبكة "أفروباروميتر"

[3] Sharan Grewal. “Kais Saied’s Power Grab in Tunisia.” Brookings Institution, July 26, 2021.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعليق دستور الثورة في تونس رسميًا.. وذاكرة المكان

سنوات الانتقال العشر في تونس: نظرة من الداخل