16-مارس-2020

أعلنت الحكومة غلق رياض ومحاضن الأطفال توقيًا من فيروس "كورونا" (Getty)

 

أثار قرار الحكومة بإغلاق كل المحاضن ورياض الأطفال إلى غاية يوم 28 مارس/ آذار الجاري مع إمكانية التمديد إلى ما بعد العطلة، ضمن حزمة الإجراءات الرامية الى الحد من انتشار فيروس "كورونا" المستجد، تباينات في مواقف العائلات التونسية بين ما من استحسنه حفاظًا على سلامة الأطفال والتزامًا بقواعد الوقاية، وبين من انتقده لأنه حصر الأسر العاملة في زاوية الاجتهادات الفردية فيما يتعلق بالتوفيق بين واجباتهم الوظيفية من جهة وبين واجبهم الاجتماعي في حماية أطفالهم وأطفال غيرهم من العدوى من جهة أخرى.

أثار قرار الحكومة بإغلاق كل المحاضن ورياض الأطفال ضمن حزمة الإجراءات الرامية الى الحد من انتشار فيروس "كورونا" المستجد تباينات في مواقف العائلات التونسية

وقال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في كلمته، في هذا الجانب: "نعوّل على التضامن العائلي وبين الجيران كي لا ينقطع الأولياء عن أعمالهم"، إذ تبدو المعادلة صعبة بالنسبة لمئات آلاف الأسر العاملة. وقد أوصدت رياض ومحاضن الأطفال أبوابها، الإثنين، وبدت الحركة الصباحية في عديد الشوارع هادئة على غير العادة. فكيف تفاعلت الأسر مع قرار غلق الرياض والمحاضن؟ وماهي الحلول التي التجأت إليها للعناية بأطفالها؟

اقرأ/ي أيضًا: كيف تفاعل التونسيون مع فيروس كورونا؟.. قراءة سوسيولوجية ونفسية

حلول استثنائية في وضع استثنائي

اختارت نائلة، عاملة بأحد المصانع بولاية بن عروس، أن تلازم بيتها قائلة لـ"ألترا تونس": "لن أهرب من قطرة العدوى لأعرّض حياة أبنائي الأربعة للخطر بتركهم في المنزل بمفردهم، أنا لا أفكر الآن في حجم الخسارة ولا في تبعات انقطاعي المفاجئ عن العمل. صحّة أبنائي هي فقط ما يهمني الآن"، هكذا اضطرت الأم للانقطاع عن عملها وهي التي خرجت مكرهة للعمل تحت وطأة عجز مرتب زوجها عن تغطية تكاليف الإيجار ومصاريف العائلة ولم تحصل على فرصتها للعمل إلا بشقّ الأنفس.

عائدة، وهي أم لطفلين في الخامسة والثالثة من العمر، أهدرت ساعتين من دوامها هذا الصباح لإيصال ابنيها لمنزل والدتها في منطقة حي "ابن سينا" في العاصمة، لم تجد هذه السيدة التي تعمل في مؤسسة للتنظيف بالعاصمة حلاّ بديلًا عن التنقل بأبنائها في وسائل النقل العمومي بين منطقة العمران و"ابن سينا" ذهابًا وإيابًا خاصّة وأن زوجها يعمل في احدى ولايات الوطن القبلي.

نائلة (عاملة): لا أفكر الآن في حجم الخسارة ولا في تبعات انقطاعي المفاجئ عن العمل. صحّة أبنائي هي فقط ما يهمني الآن

مازالت عائدة عالقة منذ ما يزيد عن نصف ساعة في محطة "برشلونة"، لم تخف توترها من ردّة فعل مشغّلها ومدى تفهّمه للوضع.

وإيداع الأبناء لدى الجدات هو حل اختارته أسر عديدة تحدّث إليها "ألترا تونس" حتى وان اقتضى الأمر التنقل خارج العاصمة وبين الولايات، وهو حل عزّزته تزامن الأزمة مع العطلة المدرسية. في المقابل، كانت دعوة مرافقة أطفال للمنزل هو الحلّ بالنسبة للبعض الاخر ممن يقدر على دفع تكاليفها المرتفعة.

وفي هذا الظّرف الاستثنائي، مازالت المربية والحاضنة التي تنتشر بالخصوص في الأحياء الشعبية تؤمن عملية الحضانة، حتى إن حياة (اسم مستعار) التي كانت تتكفل بحضانة 5 أطفال بأعمار مختلفة، رفضت طلبات متزايدة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد من أولياء تقطّعت بهم السبل بعد إجراء غلق الروضات والمحاضن المرخّصة.

اقرأ/ي أيضًا: فوبيا الإصابة بالمرض في زمن "الكورونا"

"الإشكال هو أن لديّ رضع لم تتجاوز أعمارهم 6 أشهر ولا أستطيع العناية بعدد أكبر من الأطفال"، هكذا حدثتنا حياة. وبيت محدثتنا مرتّب كالعادة ولكن كأن لا حياة لوباء يهدد في الأرجاء، إذ يلهو الأطفال في بهو المنزل ويتبادلون الألعاب، وتدخل في المساء كل أم لتصطحب ابنها. هل أن بيتها الذي يحتضن الأطفال آمن؟ وهل أن النقل العمومي الذي ارتادته كل أمّ آمن؟ هو سؤال لا تستطيع "حياة" الإجابة عنه.

في غضون ذلك، دعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن المندوبين الجهويين لشؤون المرأة والأسرة إلى تكثيف حملات التفقد على كافة مؤسسات الطفولة بالقطاعين العمومي والخاص للتأكد من التزامها بقرار الغلق الوقتي.

وطالبتهم بإشعار لجنة اليقظة والمتابعة المحدثة صلب الوزارة بصورة فورية عن كل التجاوزات والمخالفات الى جانب التنسيق مع المصالح المختصة بالبلديات لاستغلال فترة الغلق في تعقيم كافة مؤسسات الطفولة الفوضوية التي تستقبل الأطفال.

إجراء جيد ولكن مبتور؟

 أيّد رئيس لجنة الصحة في البرلمان خالد الكريشي إجراء غلق رياض ومحاضن الأطفال، ودعا في تصريح لـ"الترا تونس" إلى ضرورة الالتزام به مطالبًا هياكل الإشراف إلى الغلق الفوري لكل مؤسسة لا تحترم هذه القرارات.

وقال إن "الأزمة الحالية تستوجب التضحية ولا بدّ للأسرة من التضحية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية لحماية الأطفال من العدوى"، موضحًا في هذا السياق أن "الوعي أكذوبة كبرى والحلّ هو تطبيق القانون" وفق تعبيره. 

من جهته، قال المستشار في تربية الأبناء ونجاح العلاقة الأسرية إبراهيم الريحاني إن "القرار لا بدّ منه" لكنه دعا إلى استحداث آليات حتى لا تضطرّ الأم إلى وضع أبنائها في فضاءات عشوائية تكون بدورها مصدر تهديد لصحته.

إبراهيم الريحاني (مستشار في تربية الأبناء): أكدت الدراسات في عدد من الدول الموبوءة أن دور رياض الأطفال لعبت دورًا في انتشار "كورونا"

وأوضح أن هناك إمكانية لأن ينقل الطفل المرض من أسرته ويصيب بقية الأطفال بالعدوى الذين ينقلون الفيروس إلى أسرهم بدورهم، مؤكدًا على ضرورة الحرص على عدم تشتت الجهود والتنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة وهياكلها مدعمًا بقوى المجتمع المدني.

 ونبه الريحاني، في حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى المشكل المتمثّل في المؤسسات الخارجة على القانون داعيًا إلى ضرورة مراقبتها، مشيرًا إلى أن دراسات أكدت في عدد من الدول الموبوءة أن دور رياض الأطفال لعبت دورًا في انتشار فيروس "كورونا".

اقرأ/ي أيضًا: فتح بيته للحجر الصحي.. أحمد بن مسعود يتحدث لـ"ألترا تونس" عن هذه المبادرة

لكن ما يقلق الأولياء بحسب الريحاني هو عدم توفر البديل المطمئن، مطالبًا في هذا السياق بالتدرج في اتخاذ الإجراءات المساندة لهذا القرار كنظام الحصة الواحدة، وفتح رؤساء العمل المجال للعطل السنوية والاستثنائية، والتنسيق داخل موقع العمل بين الموظفين لضمان استمرار المكينة الاقتصادية مع توفير ظروف الحماية.

وقال إن هذا الظرف الاستثنائي يستوجب إنزال الجيش وفرض حظر التجوّل انطلاقًا من الساعة الرابعة مساءً على سبيل المثال من أجل أن يستشعر المواطن التونسي، الذي لم يبد وعيه حسب محدثنا، بحجم الأزمة.

وأكّد، أيضًا، على دور وسائل الإعلام في التوعية والتحسيس دون أن نسقط فيما أسماه "الفوبيا" التي تفقد التوازن في التعاطي مع إدارة هذه الأزمة مشدّدًا على أن تونس تعيش على غرار بقية الدول حربًا بيولوجية فيروسية، تستوجب ترتيب الأولويات معتبرا أن البقاء والصحة هي أوّلها.

منتدى الحقوق الاقتصادية يدعو إلى إجراءات مرافقة

عن منح التفرغ للأمهات أو العمل عن بعد، وعن ترك باب الاجتهاد للأسر عند اتخاذ قرار غلق الروضات والمحاضن التي يرتادها ما يزيد عن 150 ألف طفل، قال المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن حماية المجتمع من الفيروس لا تتطلّب قياس الكلفة الاقتصادية للإجراءات الاستباقية مؤكدًا أن كلفة انتشار هذا المرض ستكون باهظة إن وصل الفيروس مرحلة متقدمة أكثر.

رمضان بن عمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية): بالإمكان تسريح أحد الأبوين لتأمين الرعاية الآمنة للأبناء والإبقاء على الآخر للمحافظة على سير عجلة الإنتاج

وكان المنتدى دعا في بيان سابق له "للتعبئة المواطنية العامة في مواجهة هذا الفيروس والالتزام التام دون تهاون بكل النصائح والارشادات الصادرة عن الهياكل الدولية والانخراط في كل حملات التوعية والتضامن".

وقال بن عمر في تصريحه، لـ"ألترا تونس"، إن قرار غلق محاضن ورياض الأطفال "في محلّه" داعيًا، في المقابل، إلى إرفاقه بإجراءات أخرى لتفادي بحث الأولياء عن مكان آخر غير مراقب.

وأكد، في هذا الجانب، أنه بالإمكان تسريح أحد الأبوين لتأمين الرعاية الآمنة للأبناء والإبقاء على الآخر للمحافظة على سير عجلة الإنتاج.

هل توفر السلطات بدائل للأسر العاملة؟

في الأثناء، مرّت أيّام ثلاثة على قرار غلق رياض ومحاضن الأطفال في إطار الخطة الاستباقية لمواجهة فيروس "كورونا"، ولا يوجد تفاعل رسمي مع تبعات هذا القرار إلى حدّ اللّحظة وبالخصوص حول توفير البدائل للأسر العاملة على غرار العمل بنظام الحصة الواحدة أو تسهيل العمل عن بعد للأولياء أو منح عطلة لأحد الأبوين أو غيرها من الحلول الممكنة لضمان الرعاية اللازمة للأطفال بعيدًا عن الاضطرار لوضعهم في أماكن غير مهيئة صحيًا بما قد يزيد من فرص تفشي فيروس "كورونا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سوسيولوجيا النكتة".. عندما أضحى فيروس "كورونا" مادّة للنكات

السياحة في مهب رياح "الكورونا"..