25-أغسطس-2015

وينو البترول؟ (ياسين القايدي/الأناضول)

مقال رأي 

 

حظيت حملة "وينو البترول" والتي قادها في البداية شباب على مواقع التواصل الاجتماعي بجدل واسع فتصدرت حلقات الحوار في المقاهي وحصص البرامج التلفزيونية ولقاءات الأصدقاء.

من السذاجة الاعتقاد بأن ثرواتنا النفطية تضاهي ثروات دول الخليج مثلاً، ولكن من الحماقة أيضًا التزام الصمت مقابل الفساد الذي يشهده هذا القطاع. ورغم حساسية وتقنية الموضوع، إلا أن الأصوات التي تعالت مطالبة بكشف الحقيقة لم تكن من أهل الاختصاص.

في الحقيقة، لا يتعلق الأمر أساسًا بالمواد الطاقية، بل بترسيخ الشفافية وضمان حق النفاذ إلى المعلومة في مجال الطاقة وغيره. فكما بيّن البعض من أهل القطاع، لا يتجاوز إنتاج تونس من النفط الأرقام المصرح بها، لكن الفساد يكمن في عدم سيطرة الجانب التونسي على العقود المبرمة مع الشركات البترولية وعجزه عن فرض شروطه.

لا شيء سيثنينا عن المضي مطالبين بحقوق دفعت بلادنا من أجلها الأرواح

يكمن الفساد أيضًا في الشركات العالمية المستثمرة في تونس في هذا المجال وخدماته، والتي تسيطر عليها عصابات بعقود خيالية وتحت شعار الخبرة في المجال الطاقي.

نواجه في هذا الإطار إشكال غياب استراتيجية طاقية واضحة تتبعها البلاد. فقد انتقلنا من مرحلة مصدّر ينتج ضعف ما يستهلك، إلى مرحلة دولة عاجزة عن تغطية نصف حاجياتها، ورغم هذا التردي لم نغيّر شيئا في مخططنا الطاقي. ومن المبكي مثلًا أن الشركات الأجنبية المستثمرة في نفطنا، تتمتع بنظام الدعم كما يتمتع به أيضًا السائح الذي يصل دخله أضعاف دخل المواطن من الطبقة متوسطة الدخل في تونس.

الحق في المعلومة موجود في الدستور التونسي ويطبّق تلقائيًا، في دولة تحترم مؤسساتها ودستورها. ولكن رغم ذلك، نظمت وقفات احتجاجية من أجل المطالبة بفتح الملفات وتوضيح إشكاليات هذا القطاع، فكان الرد معاملة أمنية تذكر بسنوات القمع. ثم كان رد بعض الفاعلين في الموضوع متمثلًا في إجابات لم تخل من عبارات التضليل واللغة الخشبية والشيطنة الإعلامية والسياسية للحملة.

على الحكومات أن تعلم بأن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء والممارسات القمعية ليست ممكنة ولا حل أمام الجميع إلا طاولة الحوار

رفع البعض شعار "خلي الحكومة تخدم" وتواترت الأسئلة في إطار حرب التشكيك والتأويل، عن سبب عدم طرح هذا الموضوع مع الحكومات السابقة، لكن يبدو أن طارح الأسئلة نسي أن الحكومات السابقة بعد الثورة، كانت حكومات مؤقتة وأننا ارتأينا أن نطرح الموضوع على حكومة لها من الكفاءات ما يستطيع تسيير أربع دول، كما ورد على لسان قادة حزب نداء تونس الحاكم.

إن مطالبتنا بكشف الحقيقة في موضوع الموارد الطاقية للبلاد لا يعتبر تواكلًا وطمعًا كما فهمه البعض. ولا شيء سيثنينا عن المضي مطالبين كشباب بحقوق دفعت بلادنا من أجلها الأرواح. وعلى الحكومات أن تعلم بأن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء والممارسات القمعية ليست ممكنة ولا حل أمام الجميع إلا طاولة الحوار.

كما أن موضوع الفساد في قطاع الطاقة والمناجم ليس آخر مواضيع الفساد في تونس، فالفساد يقسم مفاصل هذه الدولة في قطاعات مختلفة وطرح كل هذه المواضيع لا يتطلب سوى عزم وشجاعة ونية صادقة لمعالجتها في قادم الأيام.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"