19-أغسطس-2019

يبقى ارتداء الحجاب أو نزعه قرارًا شخصيًا وفرديًا لا يحقّ لأحد التدخّل فيه (تيري ترونال/ Getty)

 

الحياة قرارات قد نأخذها مقتنعين أو متأثرين أو رغبة منا في إثبات شيء لأنفسنا أو المحيطين بنا، لكن قد نتراجع عن بعض القرارات مرغمين أو نادمين أو لتصحيح مسار رأينا أنّه لا يليق بنا. وتحمّل مسؤوليّة الاختيار قد يختلف من شخص لآخر فهناك من يحتاج دعمًا خارجيًا سواء من العائلة أو الأصدقاء وهناك من لا يعنيه سوى اقتناعًا داخليًا يتمسّك به حتى ولو كان العالم ضدّه.

وارتداء الحجاب أو نزعه هي من تلك القرارات المصيريّة التي قد تأخذها الفتاة في مرحلة معيّنة من حياتها. وتختلف الأسباب من واحدة لأخرى وتتعدّد وجهات النظر في هذا الموضوع ولكنّ المسألة تبقى شخصيّة وفرديّة، وقد يثير قرار التخلّي عن الحجاب جدلًا بالخصوص في البيئة التي تنتمي إليه المعنية بالأمر.

"ألترا تونس" التقى بعض الفتيات اللاتي قرّرن أو يفكّرن في نزع الحجاب ليحدثننا عن تجاربهن.


خولة بن قياس (صحفيّة تونسية): خلعه لم يشعرني بالندم

خولة بن قياس، صحفيّة تونسية، نزعت الحجاب بعد عشر سنوات من ارتدائه، وهي نشأت وسط عائلة محافظة لكن لم تكن متديّنة رفضت قرار تحجّبها إلّا أنّها أصرّت على قرارها. تحدّث خولة عن تجربتها قائلة: "لبست الحجاب في رمضان 2009 لم أكن مقتنعة في السابق أنه فرض وقد تحجّبت بعد حديثي مع بعض الصديقات ومع ابنة خالتي التي كانت أقرب شخص لي وهي محجبة، بالإضافة لمشاهدة فيديوهات عاليوتيوب".

وتضيف محدّثتنا أنها واصلت البحث في موضوع الدين من خلال متابعة بعض المشايخ والتمعّن في قراءة القرآن ومشاهدة مقاطع فيديو للفنانة المصريّة حنان ترك وهذا أقنعها بالتحجّب على حدّ تعبيرها.

كانت خولة مقتنعة بقرارها لفترة طويلة ولم يكن عائقًا لها في حياتها خاصّة أنّها اتّخذته بقناعة شخصيّة وارتدته بالتنوّع بعد عمليّة بحث عميقة على حدّ قولها. وتقول بن قياس: "اعتبرت حجابي هو أنا.. لا فرق بيننا وهو شيء صحيح كان علي اتّخاذه من فترة طويلة".

خولة بن قياس: لم أشعر بالغرابة ولا بشيء سيء وخلع الحجاب لم يشعرني بالندم بل إنها تجربة ويجب أن أواصل حياتي

واجهت الصحفية بن قياس عديد الانتقادات خاصّة في مجال عملها لكنّها واصلت إصرارها وأصبح الحجاب هويّتها تذهب به للندوات والاجتماعات وكان حرصها وإصرارها على التشبّث به يزداد يومًا بعد يوم خاصّة وأنّها أصبحت مصدر إلهام لعديد السيّدات والفتيات حسب ما روته لـ"ألترا تونس".

اقرأ/ي أيضًا: جسد المرأة بين "البوركيني" و"البيكيني".. حرية اللباس في مواجهة المجتمع

وبعد سفرة قامت بها للولايات المتحدة من ثمّ تركيا للالتحاق بمركز عملها الجديد، قرّرت محدثتنا نزع حجابها قائلة: "الإنسان يعيش هزات في حياته وتنهار أمامه قيم عديدة. قد يبتعد عن الله ولكن الله لا يبتعد عنه ماكنت أراه مثلًا فجأة أصبحت لا شيء. عشت الخذلان مع نفسي ومع الناس واكتشفت أن لا قيمة لأي شيء. عشت فترة وحدة سيئة جعلتني أشعر أنني إنسان ضعيف ولا قيمة لأي شيء حتى لما ألبسه وأحسست أني وحيدة وضعيفة".

عاشت خولة حربًا من الأفكار والمشاعر ودارت في ذهنها عديد الأسئلة، كما تقول، وفي ظرف يومين اتخذت القرار وانتظرت نهاية شهر رمضان 2019 لتخلع حجابها. وتحدّثت عن هذا الحدث قائلة: "لم أشعر بالغرابة ولا بشيء سيء وخلعه لم يشعرني بالندم بل إنها تجربة ويجب أن أواصل حياتي. عائلتي تقبلت الأمر وأخبروني أنهم يدعموني دائمًا. أصدقائي هناك من هنأني وهناك من لامني. هناك من اغتابني حسب ما ذكره لي أحد أصدقائي ولكنه أرسل لي رسالة يخبرني فيها كم أصبحت جميلة، أما أصدقائي الأجانب تقبلوني بشكل عادي .أنا لم أكن أنتظر ردة فعل الناس، أنا في رحلة مع نفسي أكتشف ما يناسبني وما يريحني بعيدًا عن آراء الناس".

أ.ق (مهندسة): لم أستطع نزع حجابي لأنّي أخاف اللّه

أ.ق تلبس الحجاب منذ 13 سنة وهي متردّدة في أخذ قرار نزعه، حدثتنا أن السبب الذي كان وراء ارتدائه هو مشاهدتها فيديو عن عذاب القبر جعلها تعيش حالة من الذعر والخوف من الآخرة منعتها حتى من النوم، كما تأثّرت ببنات خالاتها وبعض أصدقائها في فترة الجامعة على حدّ تعبيرها.

تقول محدثتنا إنها كانت محتشمة في لباسها وتكره أن يكشف جسدها، ولذلك كان هذا القرار نتاجًا عاديًا للتربية التي تلقتها بالإضافة إلى الصورة المميّزة للمرأة المحجّبة السائدة في تلك الفترة وفق حديثها.

وحدثتها قائلة: "تغيّرت نظرتي للحجاب وللدين عندما تعرّفت على رجل قصد الزواج صدمت بأخلاقه وتصرّفاته فانهارت أمامي عديد الصور التي كونتها عن التديّن واكتشفت أن الأولويّة للأخلاق وأن كل المظاهر الخارجيّة قد تكون مخادعة".

أ.ق: الحجاب يسترني لكنّه يجعلني أشعر بالحرّ وأظهر كبيرة في السنّ ممّا يحبطني وأشعر بتزعزع ثقتي بنفسي أمام زوجي الذي يبدو دائمًا أصغر مني في السن

وأضافت محدّثتنا أنّها أصبحت ترى الحجاب عبئًا اجتماعيًا ثقيلًا لا يمت لجوهر الدين بأية صلة على حدّ تعبيرها. وهكذا كانت بدايات تفكيرها في نزع الحجاب مؤكدة أنّه بعد زواجها تعرّفت على أشخاص جدد وأحسّت أن نظرتهم للمرأة المحجبة دونيّة ودائما ما كانت تحسّ بالنقص والضعف أمامهم على حدّ قولها.

بدأت نظرة أ.ق للحجاب تتغيّر وأصبحت تنزعج من لبسه خاصّة في المناسبات العائليّة بالإضافة إلى تأثرها بعديد المشاهير الذين اتخذوا قرار خلع الحجاب، لكنّها إلى الآن لم تتجرأ على هذه المسألة لأنّها "تخاف اللّه" على حدّ تعبيرها.

وختمت محدّثتنا الحوار قائلة: "حاليًا الحجاب شيء يسترني لكنّه يجعلني أشعر بالحرّ وأظهر كبيرة في السنّ ممّا يحبطني وأشعر بتزعزع ثقتي بنفسي أمام زوجي الذي يبدو دائمًا أصغر مني في السن".

هالة (مدرّبة رقص): تسرّعت في اتخاذ قرار لبس الحجاب

تختلف ردود الأفعال تجاه قرار بعض النساء خلع الحجاب، فنجد من يهاجم القرار بشراسة ونجد من يهنئ على الشجاعة ونجد من يتغزل بالجمال ويقارن بين الحالتين ونجد حتى الصامتات اللاتي قد تتزعزع قناعتهن بهذه الحوادث. وهذا ما عاشته هالة (اسم مستعار) عندما وضعت صورتها دون حجاب في حسابها الشخصي.

تعيش فتاة الـ23 سنة في وسط متحرّر تحدّت عائلتها وأصدقاءها ولبست الحجاب منذ ثلاث سنوات، وتغيّر نمط حياتها وتخلّت على كلّ الأنشطة التي كانت تقوم بها كتدريب الرقص والرياضة بسبب التزامها وهندامها الجديد.

تختلف ردود الأفعال تجاه قرار بعض النساء خلع الحجاب، فنجد من يهاجم القرار بشراسة ونجد من يهنئ على الشجاعة ونجد من يتغزل بالجمال ويقارن بين الحالتين 

اقرأ/ي أيضًا: مع بورقيبة وبن علي والطرابلسية...هل فقد "السفساري" هويّته الأصلية؟

كانت تبحث عن اختلاف في وسط وجدت أنّه لا يمثّلها ولا تجد راحة نفسية فيه لذلك وجدت في تجربتها مع الحجاب سلامًا داخليًا لم تصل إليه سابقًا، كما تقول. لكن كانت تتعرّض لعديد الانتقادات والعبارات العنصريّة في الوسط الذي نشأت فيه لكنّها كانت تجد متعة في تحدّي الجميع والتشبّث بقرارها وفق حديثها معنا.

"أحسست مع مرور الوقت أن خياري أصبح يعطّل مشواري المهني وطموحي وعرفت أني تسرّعت عندما لبسته دون البحث في مغزاه أو سبب فرضه لذلك قرّرت نزعه. كان قرارًا صعبًا بالنسبة لي خاصة أني كنت خائفة من ردّة فعل المجتمع"، هكذا تحدثت هالة عن سبب نزعها الحجاب وختمت حديثها قائلة أنّها قد تعود للبسه في يوم ما.

باحث في علم الاجتماع: ظاهرة الحجاب ارتداءً ونزعًا تطورت بعد الثورة

بتوجهنا للنبش عن هذه الظاهرة داخل علم الاجتماع، أفاد الباحث في هذا التخصص معاذ بن نصير أن ظاهرة الحجاب بلبسه أو نزعه تطورت بشكل رهيب بعد ثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011 "لذا وُجب دراسة وفحص وتحليل من أساليب ومناهج البحث الاجتماعي كظاهرة تستحق الوقوف أمامها بتونس على مر العشرية الأخيرة على وجه الخصوص".

ودعا إلى فحص دلالتها لما فيها من أهمية في تحول المجتمع التونسي سياقيًا ونمطيًا نظرًا إلى أن عودة الحجاب لم ترتبط فقط بدوافع دينية، بل أيضاً جانبها وجود تأثيرات اجتماعية في درجة أولى و دوافع سياسية أيديولوجية في درجة ثانية، وفق قوله.

وقال إنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود اتجاهين الأولى مرتبطة بمشروع سياسي - ديني متزامناً مع توسع القاعدة الاجتماعية للإسلاميين التي تنامت بتونس بعد 14 جانفي، وبالتالي كان ارتداؤه دليلًا على التزام سياسي جماعي حول مشروع سياسي ما، أما الاتجاه الثاني مرتبط بقرارات فردية وغير مرتبط ببرنامج سياسي، وهو بهذا المعنى حجاب غير سياسي ذو محتوى روحاني ونفسي".

معاذ بن نصير (باحث في علم الاجتماع): يجب فحص دلالات ظاهرة الحجاب لما فيها من أهمية في تحول المجتمع التونسي سياقيًا ونمطيًا نظرًا إلى أن عودة الحجاب في السنوات الأخيرة لم ترتبط فقط بدوافع دينية

وأضاف أن "هذا ما لوحظ في تونس ما بين 2011 إلى حدود 2014 أي خلال فترة صعود الإسلاميين إلى الحكم وهو جعل من موجة ارتداء الحجاب ترتفع هي الأخرى" وفق قوله، مستدركًا "لكن بتغير الخريطة السياسية فيما بعد غير العديد من الأفراد استراتيجياتهم نحو نوعية اللباس فنزعت العديدات من التونسيات حجاب الشعر".

ويؤكد بن نصير أن "هنالك من ارتدت الحجاب لأسباب اجتماعية بحتة كضغط العائلة خاصة في فترة المراهقة حينما تفتقد الفتاة لمقومات وأدوات التحليل الاجتماعي لذا تفرض العائلة إسقاطات نسقية عليها من نوعية اللباس والممارسة السلوكية". ويضيف قائلًا: "لكن بدخول الفتاة للعشرينات من العمر وبتشكل شخصيتها الناضجة ودخولها معترك الحياة الطلابية والجامعية قد تنزع بعض الفتيات حجاب الشعر كنوع من التمرد الاجتماعي وبروز شخصيتها المستقلة".

وأشار الباحث في علم الاجتماع إلى أن ارتداء الحجاب أو نزعه ارتبط كذلك بالجانب العلائقي الاجتماعي إما من أجل البحث عن زواج واعتماده كوسيلة لجذب العرسان أو في ناحية أخرى قد يفرض الشريك بالقوة على المرأة ارتدائه وبمجرد نهاية العلاقة بين الطرفين وكردة فعل عكسية ستعمل (المرأة) على نزعه، وفق قوله.

وأكد، في المقابل، أنه "لا يجب التغافل على الجانب الاقتصادي والوضعية الاجتماعية الهشة التي قد تلعب دورًا هامًا في ارتداء الحجاب كنسق مجتمعي مخصوص لفئة معينة، كما قد يتم نزعه بمجرد تغير الوضعية للاقتصادية".

قد تخلع المزيد من الفتيات الحجاب كما ستضعه الكثيرات من اللواتي لم تتوقعن لبسه يومًا وهذا ما يجعل الأمر مرتبطًا أساسًا بقناعات فردية

ومن بين النقاط الأخرى التي اعتبرها بن نصير جوهرية هي خروج بعض الفتيات من محل سكناهم العائلية نحو مدن اخرى إما للدراسة أو العمل، موضحًا أنه بمجرد غياب الرقابة والسلطة العائلية قد يعملن على نزع أو تغيير نمط لباسهم. فيما أوضح، أخيرًا، أن مسألة الحجاب سواء بوضعه أو عدمه تبقى لدى بعضهن مسألة نفسية شخصية قد ترتبط بقناعات الفرد الأيديولوجية وتأثره في كلتا الحالتين بمحيطه الاجتماعي والجغرافي.

وبالنهاية، قد تخلع المزيد من الفتيات الحجاب في السنوات القادمة كما ستضعه الكثيرات من اللواتي لم تتوقعن لبسه يومًا، وهذا ما يجعل الأمر مرتبطًا أساسًا بقناعات وقرارات فردية. لكن عدم التطابق بين ما نقرر وبين ما ينتظره منّا الآخرون يجعل صاحبه يعيش المعاناة ثمنًا للدفاع عن قناعاته وأفكاره، فالصراع الذي عانته اللاتي اخترن لبس الحجاب في أيام التضييق على الحريّات الفردية زمن الاستبداد تعانيه من اخترن التخلي عنه لسبب من الأسباب.

وإجمالًا سواء كان الحجاب فكرة دينية عند البعض أو عادة مجتمعية عند البعض الآخر، يبقى في نهاية المطاف قرارًا شخصيًا وفرديًا لا يحقّ لأحد التدخّل فيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصص عن "الزواج العرفي" في تونس..

شركات الزواج في تونس.. خطّابة العصر لزواج مسكوت عنه