10-أكتوبر-2022
أيام قرطاج السينمائية المسرح البلدي

مائة عام من السينما في تونس تحول من خلالها هذا الفن إلى هرم بارز على خارطة الثقافة التونسية (صورة من أيام قرطاج السينمائية سنة 2008/ فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

نعم إنها مائة عام من السينما في تونس. لقد كانت رحلة ضاجة وهادئة وعميقة في نفس الوقت تحول من خلالها هذا الفن إلى هرم ثقافي بارز على خارطة الثقافة التونسية وذلك نتيجة لعمليات التجريب وحتمية مفعولات التراكم، وأصبح له حضوره الرمزي الثابت في المجتمع رغم ما يبدو على ملامحه من غموض وما يفرزه من نقاشات فكرية متباينة حول القضايا التي يطرحها والزوايا الجمالية التي يتبناها. 

مع هذا الفن تتبدى أوجه الحقيقة تارة وتضمحل وتغيب تارة أخرى. إنها حقيقة الإنسان من منطلقات حضارية وسياسية وأيديولوجية وأنثروبولوجية تونسية وبأعين مخرجين وفاعلين سينمائيين تونسيين نهلوا من المدارس السينمائية العالمية وتأثروا بكبار المخرجين وتكونوا بأكاديميات عريقة بالشرق والغرب.

السينما في تونس وعلى مدى قرن من الزمن تحولت إلى سردية ثقافية مؤسسة للشخصية التونسية وساعدت التونسيين على المضي بعيدًا في الحوار الثقافي الكوني وتسرب الوعي الفني والسياسي والتشبث بقيم الحرية والديمقراطية.

تحولت السينما في تونس على مدى قرن من الزمن إلى سردية ثقافية مؤسسة للشخصية التونسية وساعدت التونسيين على المضي بعيدًا في الحوار الثقافي الكوني

السينما في تونس اتخذت لها شكلًا معجبًا له انسجامه المخصوص الذي يشبه معلقة الشعر. لقد بنت طيلة القرن الفائت بأدوات فنية مرهفة وشفافة ومترعة بالأوجاع الإنسانية الشاملة وحنين السنابل إلى البيادر. لقد كانت السينما التونسية تغريبة فنية تنهل من رحيق المجتمع، لا تشبه التغريبات العربية الأخرى بل تشبه نفسها فقط وليس لها من مثيل في العالم. 

  • تونس عرفت السينما قبل الولايات المتحدة الأمريكية

دخلت السينما  تونس قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدة بلدان أوروبية حيث قام الأخوان لوميير الفرنسيان مخترعا آلات التصوير السينمائي سنة 1886 بزيارة تونس من أجل تجريب الآلات الجديدة، فقاما بتصوير الحياة اليومية التونسية بالشوارع والأسواق والساحات مثل ساحة الحلفاوين وساحة فرنسا. كما صورا موكب الباي وحاشيته بقصر باردو وسافرا إلى مدينة سوسة وقاما بتصوير سوق الفحم كما تنقلا إلى محطة القطار بضاحية حمام الأنف. وهي أشرطة لا تتجاوز مدتها الدقيقة الواحدة وأغلبها مازال موجودًا إلى اليوم كشاهد على بدايات السينما في العالم.

صورة
دخلت السينما  تونس قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدة بلدان أوروبية عن طريق الأخوين لوميير

 

تلك الانبلاجة الأولى للسينما وما خلفته من دهشة في المجتمع التونسي ذي الملامح الزراعية، حدت بالبرجوازي اليهودي التونسي والمهتم بالثقافة والفنون  "ألبير شمامة شيكلي" خلال سنة 1897 إلى جلب عدد من أفلام الإخوة لوميير وعرضها بأحد الدكاكين بالعاصمة (بالشارع الأوروبي ــ شارع فرنسا حاليًا). بل وذهب شكلي بعيدًا بأن بعث سنة 1908  أول صالة لعرض الأفلام في تونس حملت اسم "أمنية باتي" ومن ثمة توجهه سنة 1922 نحو تصوير شريط سينمائي حمل عنوان  "زهرة"، وهو أول شريط تونسي يكتب له سيناريو وتبعه سنة 1924 بشريط "عين الغزال" وهو من النوع الروائي وساهم فيه ممثلون تونسيون. وفي 1937 قام شكلي بتصوير شريط جديد كان عنوانه "مجنون القيروان" ثم شريط "عين الغزال" الذي عرف رواجًا كبيرًا داخل تونس وخارجها.

دخلت السينما تونس قبل الولايات المتحدة إذ قام الأخوان لوميير مخترعا آلات التصوير السينمائي سنة 1886 بزيارة تونس من أجل تجريب الآلات الجديدة، فقاما بتصوير الحياة اليومية التونسية بالشوارع والأسواق

هذا الفتح الذي قام به "شمامة شيكلي" والذي ثمنه أحد أهم مؤرخي السينما في العالم  "جورج سادول" في كتابه "تاريخ السينما في العالم" عندما تعرض لمحاولات شيكلي معتبرًا إياها بداية ناجحة وموفقة لسينما مشبعة بالطابع المحلي التونسي. منح تونس تلك الأسبقية التاريخية في تواصلها مع السينما كفن حديث منفتح على كل الفنون السابقة بل هو خلاصة ما توصل إليه الإنسان المعاصر في مجال الإبداع.

صورة
البرجوازي اليهودي التونسي ألبير شمامة شيكلي منح تونس الأسبقية التاريخية في تواصلها مع السينما كفن حديث

 

لقد كان حضور السينما في تونس في النصف الأول من القرن العشرين نوعًا من الترف البرجوازي إذ كانت العروض حكرًا على المعمرين الفرنسيين وطبقة الأغنياء والميسورين من التونسيين. لم تكن الشاشة شعبية في تلك الأزمنة بالرغم من إصدار الباي مرسومًا يقضي بإنشاء "مركز سينماتوغرافي في تونس"، لكن المقيم العام الفرنسي آنذاك قام بتعطيله لأسباب سياسية.     

بعد الاستقلال تواصل الحضور الثقافي الفرنسي بتونس، ومن تجلياته أن قام المخرج الفرنسي "جاك باراتييه" سنة 1958 بتصوير شريطه الشهير "جحا" عن نص للشاعر اللبناني جورج شحادة  وقام ببطولته الممثل المصري عمر الشريف والتونسية من أصول إيطالية كلوديا كاردينال. هذا الشريط توج في مهرجان كان السينمائي وزاد من صيت تونس في الأوساط السينمائية العالمية كفضاء جميل يحلو فيه التصوير. كما منحت تونس في تلك الفترة إدارة بعض الأفلام الترويجية لسياحتها لمخرجين فرنسيين.    

كان حضور السينما في تونس في النصف الأول من القرن 20 نوعًا من الترف البرجوازي إذ كانت العروض حكرًا على المعمرين الفرنسيين وطبقة الأغنياء والميسورين من التونسيين

كل تلك الإرهاصات السينمائية التي سبقت وتلت لحظة الاستقلال عايشها المثقفون التونسيون فتفاعلوا معها وقاموا بتطويعها ضمن شعار رفع في تلك الفترة وهو "تونسة الثقافة".

ففي سنة 1962 ولدت "الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة" لكن نشاطها الفعلي بدأ سنة 1964 بإنتاج وعرض أفلام مقاس 16 مليمترًا من إخراج هواة السينما. لكن الجامعة عرفت نقلتها النوعية  عندما أنشأت في نفس السنة مهرجانًا دوليًا للسينمائيين الهواة (الفيفاك)  بمدينة قليبية من ولاية نابل، وفي سنة 1968 عندما زودتها وزارة الشؤون الثقافية بعشرين كاميرا ليتم توزيعها على نوادي الهواة من أجل تحفيزهم على الإنتاج والفعل السينمائي الجاد وهو ما تم فعلًا فأهم السينمائيين التونسيين المحترفين الذين طبعوا العشريات اللاّحقة مروا عبر هذه النوادي وعبر مهرجان قليبية. ومن الأسماء يمكن لنا أن نذكر كلًّا من رضا الباهي وأحمد الخشين صاحب رائعة "تحت مطر الخريف"، والمخرج عبد الوهاب بودن ومحمد دمق وفريد بوغدير وسلمى بكار. 

وقد اعتبر العديد من السينمائيين الشباب في تلك الفترة والمنتمين لنوادي الجامعة التونسية للسنمائيين الهواة أن ما قامت به الدولة من مساعدات هو نوع من الاحتواء والتدجين التدريجي  للمهرجان ومس من استقلاليته. واحتد الصراع بين الجامعة والسلطة سنة 1977 وصدرت بيانات عديدة ولم ينعقد المهرجان في تلك السنة لأن الوزارة لم تصرف المنحة المالية الخاصة. 

كما كانت  تلك الإرهاصات منطلقًا للناقد الطاهر شريعة لبعث جملة من نوادي السينما سنة 1964 التي تحولت فيما بعد إلى "الجامعة التونسية لنوادي السينما" والتي تواصل نشاطها بكل عتو إلى حدود سنوات التسعين. فعبرها تعرف الجمهور إلى أفلام صلاح أبو سيف وتوفيق صالح وهنري بركات ويوسف شاهين. كما يعود لها الفضل في نحت وعي سينمائي بخصوصية تونسية. 

صورة
الناقد الطاهر شريعة الذي بعث جملة من نوادي السينما في تونس سنة 1964

 

ومن الأسماء التونسية التي تخرجت من هذه النوادي نذكر: النوري بوزيد والطيب الوحيشي. كما أثمرت حركة نوادي السينما عددًا من النقاد الخلص للسينما ولنا أن نذكر: مصطفى نقبو وعبد الكريم قابوس ومحمد محفوظ والمنصف شرف الدين.

لم يقف شريعة عند ذاك الحد بل ذهب بعيدًا بأحلامه السينمائية فقام سنة 1966 رفقة بعض الشباب، مع المحافظة على استقلاليتهم عن السلطة، بالتواصل مع وزارة الثقافة التونسية التي كان على رأسها أحد المثقفين وهو الشاذلي القليبي وتم التوصل إلى بعث مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" ليعتبر بذلك أول تظاهرة سينمائية في الوطن العربي وبالقارة الإفريقية. وبالعودة للقانون الأساسي المؤسس للأيام نفهم أن آباء السينما التونسية لم يكن هاجسهم بعث سينما تجارية بل بعث سينما ثقافية وفكرية. لقد كانوا يحلمون بمجتمع تونسي واعٍ بهمومه ومشاغله، حالم بغد أفضل، ومثقف يمتلك مهارات الحوار مع الآخر. كل ذلك بواسطة فن السينما، فكانت أيام قرطاج السينمائية حدثًا للقاء والحوار بين صناع السينما العرب والأفارقة وفي العالم، يطرحون قضايا شعوبهم السياسية والاجتماعية ويتجادلون حولها ويطرحون حولها الحلول بواسطة الفن ومحفزاته على الخيال.

في نفس تلك السنة، أي سنة 1966، غامر الشاب التونسي "عمار الخليفي" بأن أسّس أولى شركات الإنتاج السينمائي وأخرج بنفسه شريط "الفجر" ذي النفس الملحمي وذلك إيمانًا منه بأن الشعب التونسي جدير بصناعة سردياته وتحويل الاضطهاد الذي تعرض له طيلة قرون إلى ملاحم ترويها الأجيال فيما بعد.

  • الانخراط في خط تحويل السينما إلى صناعة

ومن الخطوات الرئيسية المؤسسة لتاريخ السينما في تونس هو ما أقدمت عليه دولة الاستقلال سنة 1960 عندما حاولت الانخراط في خط تحويل السينما إلى صناعة بأن أنشأت الشركة التونسية للإنتاج والتعميم السينمائي "الساتباك" بجهة قمرت بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس ودامت عملية البناء والتطوير لأكثر من خمس سنوات وقد صنفت الشركة في تلك الفترة كواحدة من أهم شركات التصنيع السينمائي في القارة الإفريقية.

هذه المدينة السينمائية التي دشنها الرئيس الحبيب بورقيبة توجد بها مخابر عصرية ومتطورة للتحميض والطبع والمونتاج والتسجيل الصوتي والميكساج. من أبرز مهام الشركة كان إنتاج الأخبار المصورة لصالح التلفزة التونسية وإنتاج الأفلام القصيرة والطويلة التونسية ولصالح شركات الإنتاج السينمائي العربية والعالمية. 

من الخطوات الرئيسية المؤسسة لتاريخ السينما في تونس هو ما أقدمت عليه دولة الاستقلال سنة 1960 عندما حاولت الانخراط في خط تحويل السينما إلى صناعة بأن أنشأت الشركة التونسية للإنتاج والتعميم السينمائي

كما احتوت "الساتباك" أيضًا على أول مكتبة سينمائية (سينيماتاك) في تونس نقلت إليها حوالي 10 آلاف علبة  أشرطة يتضمن بعضها الكلاسيكيات السينمائية التونسية الأولى. ثم نقلت المكتبة السينمائية إلى مقرها الجديد بمقر وزارة الثقافة بالقصبة وأصبح لها قاعة عروض خاصة، لكن ذلك المقر لم يكن نهائيًا فقد تم نقلها في 2018 إلى مقرها الجديد بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس.

وبما أن السينما كانت مكلفة، فقد طالب صناع الأفلام الدولة التونسية بأن تقوم بدعم مادي مباشر للسينما وفتح نقاش عميق نهاية السبعينات حول مسألة الدعم فكان أن تخلت الدولة عن احتكارها استغلال وتوزيع الأشرطة بواسطة الشركة التونسية للتنمية السينمائية والإنتاج لفائدة موزعين خواص على أن توظف أداء خاصًا على الأفلام الأجنبية التي تعرض في تونس وأيضًا ضريبة على قاعات العرض بنسبة 6 بالمائة. ثم يجمع في صندوق ومنه يتم الدعم. هذه الأطروحة صدرت في قانون سارٍ إلى اليوم وهو الأمر عدد 81/ 823  المؤرخ في 23 ماي/أيار 1981 الخاص بطرق التصرف في "صندوق تنمية الإنتاج والصناعة السينمائية" وتشكلت لجنة فنية صلب وزارة الثقافة تسمى "لجنة المساعدة على الإنتاج السينمائي" وكانت تضم إلى جانب الرئيس 12 عضوًا يمثلون مختلف الهياكل والجهات المعنية بالإنتاج السينمائي والسمعي البصري من نقابات وجمعيات. وقد استطاع هذا الصندوق رغم المؤاخذات العديدة على لجان الإسناد المتتالية والدسائس التي تقوم بها أن يقدم خدمات جليلة للسينما التونسية فبفضله عرف الإنتاج السينمائي دفعة قوية نهاية الثمانينات وطيلة عشرية تسعينات القرن الماضي.   

  • فلسفة "سينما المؤلف"

وقد اعتبر مؤرخو الحركة السينمائية في تونس أن عشريتي الستينات والسبعينات كانتا مليئتين بقواعد التأسيس على مستوى نشر الوعي والقوانين والتشريعات والمؤسسات والجمعيات وفرص الدعم، وأن الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة والمتعلقة بمواضيع التحرر الوطني (الفجر، سجنان، الفلاقة، فاطمة 75) لم تحد عن سياق عام شهدته أغلب الدول المستقلة حديثًا عن مستعمرها، لكن يبقى أن نشير إلى أن كل ذلك أدى إلى خلق موجات من المخرجين وصناع السينما الذين لا يتشابهون في الرؤى والأفكار والأساليب السينمائية، لكنهم يشكلون بإنتاجهم الفني أرخبيلًا متناسقًا فاتنًا يجمع فيما بينه خيطًا رفيعًا وهو ما يعرف بـ"سينما المؤلف" أي تلك الكتابة بالكاميرا التي لا يعتمد فيها المخرج على نص روائي لأديب أو كاتب أو قاص، بل على مقدرته الشخصية ووعيه بالفكرة الأساسية المراد سردها عبر الشريط السينمائي.

اصطبغت السينما التونسية بفلسفة "سينما المؤلف" الباحثة عن الحقيقة والتي تحمل في تجاويفها الحلم بالتغيير وطرح البدائل وتناول عديد المخرجين مواضيع اجتماعية وأيديولوجية وسياسية لم يتعود عليها المتلقي التونسي

اصطباغ السينما التونسية بفلسفة "سينما المؤلف" الباحثة عن الحقيقة والتي تحمل في تجاويفها الحلم بالتغيير وطرح البدائل وتثقيف المجتمع وتوعيته، حمل العديد من المخرجين الذين قطعوا دربي "نوادي السينما"  و"السينمائيين الهواة" إلى تناول مواضيع اجتماعية وأيديولوجية وسياسية، لم يتعود عليها المتلقي التونسي الذي ألف إلى حد ما السينما التجارية المصرية والأمريكية. ومن أهم هذه الأفلام: "وغدًا…؟" للمخرج إبراهيم باباي الذي تناول قضية النزوح الريفي نحو المدن وانتقد السلطة في اختياراتها التنموية المختلة التي جعلت من أبناء الريف ينزحون نحو المدن من أجل لقمة العيش. وأيضًا شريط "شمس الضباع" للمخرج رضا الباهي الذي يطرح مسألة استيلاء السياحة الناشئة في تونس على أخصب الأراضي الفلاحيّة بالساحل التونسي. أما شريط "عزيزة" لعبد اللطيف بن عمار فيتناول قيمة العمل والحلم بالثروة من جهد. من جهته، المخرج الطيب الوحيشي يتحدث في شريطه "ظل الأرض" عن لهفة التونسيين للهجرة لأوروبا وما يخلفه ذلك من آثار نفسية واجتماعية.

المخرج النوري بوزيد كان هو الآخر رائدًا من رواد سينما المؤلف في منحاها النفسي الاجتماعي والسياسي، ويبرز ذلك في أغلب أشرطته ومنها نذكر "ريح السد" و"صفائح من ذهب" و"آخر فيلم". 

صورة
المخرج النوري بوزيد أحد رواد سينما المؤلف في تونس (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

إلى حدود بداية الألفية، كانت تونس تنتج معدل شريطين في السنة وهو يعتبر رقمًا ضئيلًا لكنه في الحقيقة يتسم بالنوعية والجودة فأغلب هذه الأفلام تسافر إلى أهم وأكبر وأعتى التظاهرات والمهرجانات السينمائية العالمية بالشرق والغرب ويقع تتويجها أو التنويه بطروحاتها وبأداء الممثلين أو بالقدرات الفنية. 

وحتى الموجات المتتالية من المخرجين الجدد الذين طبعوا عشرية الثورة ساروا على نفس الدروب التي تركتها الأجيال السينمائية المؤسسة فيما يتعلق بالإنتاج والكتابة السينمائية وورثوا نفس الصعوبات فيما يتعلق  بالتمويل والترويج. ومن الأسماء الجديدة التي تواصل النحت في صخرة فن السينما بتونس نجد العديد من الأسماء التي تؤمن برسالة السينما والثقافة عمومًا ومنها: عبد الحميد بوشناق وكوثر بن هنية وأنور لحوار وإلياس بكار وفتحي الدغري وأشرف عمار ومراد بالشيخ ورضا التليلي وعلاء الدين سليم ومهدي البرصاوي.

تونس تحتفل في الأيام القادمة بمائة عام من السينما وذلك رغم تراكم الأزمات وتخلي الدولة التونسية عن واجباتها تجاه هذا الفن والفاعلين في صلبه. مائة عام من الفعل السينمائي بكل ما تحمله ضمن صيرورتها من تلك الصدف التاريخية التي جعلت الأخوان لوميير يوقعان أولى تجاربهما بتونس، وأيضًا كل ذلك التنوع الابستيمي وتلك الجماليات الآسرة وتلك الأحلام الصادقة للآباء المؤسسين وكل الصعوبات والتتويجات المستحقة وتلك الابتهاجات التي دفعت بها السينما إلى أفئدة التونسيين عبر مئات الأفلام القصيرة والطويلة والوثائقية التي رسمت في النفوس والعقول ظلالًا للاهتداء،  تجعل من هذا الفن أصيلًا وسمة كالوشم من سمات الشخصية الثقافية التونسية. 

المراجع: 

  • "نظرة على السينما العالمية المعاصرة" لظافر هنري عازار ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ لبنان ـ ط 1 ت 1987.
  • "السينما في البلدان العربية" لجورج سادول ـ منشورات مركز التنسيق العربي للسينما والتلفزيون ــ وزارة الإعلام اللبنانية. 
  • "أيقونات: بحوث في سيميائيات الأنساق البصرية" لأحمد القاسمي ـ منشورات الدار التونسية للكتاب ـ 2019.