26-يونيو-2022
حملة إسقاط الاستفتاء سوسة احتجاجات

الشعارات العديدة من الطرفين جسدت واقع الانقسام والقطيعة لدى فئات من التونسيين (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

إثر دعوة خمسة أحزاب تونسية إلى وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بسوسة ضمن مبادرة سمّاها مطلقوها "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء"، مساء السبت 25 جوان/يونيو 2022، كان قد أعلن عنها حزب التكتل والحزب الجمهوري وحزب العمال والتيار الديمقراطي وحزب القطب، تحوّل المشهد من وقفة احتجاجية إلى مناوشات بينهم وبين مؤيدين للاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 جويلية/ يوليو القادم.

"الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" احتجت بسوسة رفضًا للاستفتاء وقرارات سعيّد قبل أن تجابه بداعمين للرئيس اعترضوهم ونعتوهم بالخيانة والعمالة ما أدى إلى حصول مناوشات

الوقفة الاحتجاجية الرافضة للاستفتاء انطلقت الرابعة والنصف مساء من أمام المسرح البلدي بسوسة بحضور العشرات من أنصار الأحزاب المنادية بذلك، وكانت بحضور حمة الهمامي أمين عام حزب العمال وغازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي ورياض بن فضل عن حزب القطب وعدد من إطارات الحزب الجهوية والمركزية.

غير أنه بعد دقائق من انطلاق الوقفة، تفاجأ الحضور بظهور مجموعات مناوئة لهم ومساندة للرئيس قيس سعيّد من إحدى الأنهج الفرعية رافعين لافتات تنعت الطرف المقابل بالخيانة والعمالة ومطالبين إياهم بالرحيل، وسرعان ما تطور الاحتجاج إلى ملاسنات توتر خلالها الوضع مما استدعى حضورًا أمنيًا مكثفًا حال بينهما.

 

5 أحزاب رافضة للاستفتاء تحتج بسوسة داعية لمقاطعته (صور ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

مشهد آخر يظهر اليوم في سوسة يعيد الذاكرة إلى مشاهد العنف السياسي في الشارع في حقبات متكررة خلال السنوات الفارطة. فقد سبق أن انتشرت مظاهر عنيفة منذ سنة 2011 بعد ظهور روابط حماية الثورة وصدامات سابقة تزامنت مع اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وصدامات مدنين التي راح ضحيتها لطفي نقض وأحداث أخرى ميّزت الصدام في الشارع التونسي.

مشهد آخر يظهر اليوم في سوسة يعيد الذاكرة إلى مشاهد العنف السياسي في الشارع في حقبات متكررة خلال السنوات الفارطة

شعارات عديدة تم رفعها من هذا الطرف أو ذاك، جسدت واقع الانقسام والقطيعة لدى فئات من التونسيين، قطيعة حادة من خلال تبادل الاتهامات المتواصلة لأكثر من ساعة ونصف تخللتها بعض مظاهر العنف بين الأشخاص تنبئ بتطور الصراع السياسي إلى مظاهر مخلّة بالأمن العام خاصّة بعد أن تم تشتيت المجهودات الأمنية في حفظ النظام.

 

رياض بن فضل (حزب القطب): الإساءة للمتظاهرين من قبل أنصار سعيّد ورشقنا بالحجارة يوحي بتأزم الوضع ورفض الرأي المغاير (صور ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

ويبدو أن العلامة البارزة في هذه الوقفة الاحتجاجية لمبادرة "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" التي تلتها مسيرة في اتجاه ساحة المدن المتوأمة ببوجعفر، أنها جوبهت بتهديد لحرية التظاهر، بعد أن اتضحت معالم "استظهار القوة" وتكريس مشاهد لا أخلاقية واستفزازية كانت قد ظهرت أيضًا خلال تظاهرات سياسية في شارع الحبيب بورقيبة سابقًا.

وقد صرّح القيادي في حزب القطب رياض بن فضل لـ"الترا تونس" إثر الوقفة الاحتجاجية قائلًا: "ما بدر من أنصار سعيّد ليس بالغريب ولكن الإساءة للمتظاهرين ونعتهم بالخيانة ثم رشقهم بالحجارة وقوارير المياه المملوءة بالرمل يوحي بتأزم الوضع ورفض الرأي المغاير".

رياض بن فضل (حزب القطب) لـ"الترا تونس": "ما بدر من أنصار سعيّد ليس بالغريب ولكن الإساءة للمتظاهرين ونعتهم بالخيانة ثم رشقهم بالحجارة وقوارير المياه المملوءة بالرمل يوحي بتأزم الوضع ورفض الرأي المغاير"

وأضاف بن فضل: "هؤلاء ميليشيات معلومون لدينا وكانوا مستغلين من النهضة وأرباب العمل الكبار في سوسة، واليوم يتجندون في منظومة ضد تظاهرة مسالمة تنادي بإسقاط الاستفتاء، ولا يمكن أن أبوح بالعبارات البذيئة التي صدرت منهم والحركات اللا أخلاقية غير المقبولة في أطر الديمقراطية المواطنية المدنية، وهؤلاء لا ينوون التراجع".

كما قال بن فضل: "نحن في تظاهراتنا القادمة سنكون لهم بالمرصاد، والخطوات القادمة هي النزول والتحرك في المدن الكبرى في تونس وتوزيع المطبوعات للتفسير للشعب التونسي مهزلة هذا الاستفتاء وسنقوم بتظاهرة كبرى قبل الاستفتاء بتونس".

 

حمة الهمامي لـ"الترا تونس": ضربنا بالقوارير وشتمنا بعبارات بذيئة تكشف حقيقة هؤلاء (صور ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

وتابع في تصريحه لـ"الترا تونس": "نحن نحو مقاطعة نشيطة لهذا الاستفتاء وبما أنه لا تتوفر عتبة انتخابية فسيمرّ الاستفتاء بهذه الطريقة، هذه مهزلة انتخابية فالسودان الجنوبي لما أراد الاستقلال، قررت الأمم المتحدة عتبة 60%، وفي فرنسا 40%، أما نحن في تونس فبضع أصوات يمر بها الدستور، هذا غير ديمقراطي وغير مقبول، وسنحشد قوتنا لإسقاط الاستفتاء. وهذه المنظومة لا تمثل مصالح الشعب التونسي وستقبل بإملاءات صندوق النقد الدولي وستفرض علينا التطبيع" وفقه.

وفي سياق متصل، قال أمين عام حزب العمال حمة الهمامي لـ"الترا تونس"، إنّ "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء المتكونة من 5 أحزاب تجمعت بسوسة ولكن فوجئنا بمجموعات من البلطجية تحت حماية البوليس تضربنا بالقوارير وتوجه إلينا عبارات بذيئة وإشارات غير أخلاقية تكشف عن حقيقة هؤلاء، ونحن إزاء مليشيات جديدة مختلفة عن ميليشيات النهضة وميليشيات أنصار الشريعة" حسب وصفه.

حمة الهمامي لـ"الترا تونس": ما صدر عن مجموعات قيس سعيّد يعطينا طبيعة النظام الفاشي الذي يريده وهي مليشيات محميّة من قوات الأمن

وأضاف حمة الهمامي: "ورغم ذلك تحدينا هذا الأمر وواصلنا المسيرة وسنواصل من أجل إسقاط الاستفتاء. وما صدر عن مجموعات قيس سعيّد يعطينا طبيعة النظام الذي يريده وهو نظام فاشي جمهوري جديد لا يختلف عن المنظومة، ونؤكد على أنها مليشيات محميّة من قوات الأمن" وفق قوله.

وقد شدّد المحامي والناشط السياسي سهيل مديمغ من جهته، في تصريحه لـ"الترا تونس": على أنّ هذا "احتجاج آخر من أجل إسقاط الاستفتاء قد فضح الأكذوبة الكبرى وهذا التعطل الكامل للديمقراطية في تونس، وقد اجتمعنا اليوم أمام المسرح البلدي بسوسة ولكن تفاجأنا بمليشيات مأجورة، وهذا ما يؤذن برجوع المليشيات التي تتغذى بسلطة النظام، ويبشر بالعنف ضد كل معارض ومعارضة من قبل هذه المليشيات".

حمزة (داعم لمسار 25 جويلية): "ننادي بطرد كل هؤلاء من الساحة فلا مكان لعبير موسي وحمة الهمامي وراشد الغنوشي هنا"

في المقابل، أفاد حمزة وهو أحد الناشطين الداعمين لمسار 25 جويلية/ يوليو أنهم "ينادون بطرد كل هؤلاء من الساحة وأن لا ولاء لهم إلا للوطن وأن تونس حزبهم والعلم رايتهم ولا مكان لعبير موسي وحمة الهمامي وراشد الغنوشي هنا" على حد تعبيره.

إن الشارع التونسي يبدو اليوم منقسمًا بين مؤيد للاستفتاء ورافض له، غير أن ارتفاع منسوب العنف اللفظي قد تجاوز ما وراء الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي لينتقل إلى أرض الواقع مما يؤذن بتدني المستوى الأخلاقي والفكري، بما لا يأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك.

 

سهيل مديمغ لـ"الترا تونس": عادت المليشيات المأجورة التي تتغذى بسلطة النظام (ماهر جعيدان/ الترا تونس)