10-مايو-2016

تتجه حركة النهضة في تونس إلى الفصل بين النشاط الدعوي والعمل السياسي)فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

بدأت كوعاء دعوي، ثمّ أضافت الحزبي، فجمعت بين النشاط الدعوي والعمل السياسي، ويبدو أنها حسمت في الفصل بينهما عبر التخصّص في الشأن السياسي. حيث تستعدّ حركة النهضة التونسية خلال مؤتمرها الذي سينعقد خلال الأيام القادمة للجزم فيما حسمته داخل هياكلها. هو مؤتمر وُصف بالمضموني لمقرّراته الجذرية المنتظرة داخل الحركة الإسلامية، في تحوّل تأسيسي لا ينعكس فقط على الساحة التونسية بل على الحركات الإسلامية في المجال العربي.

تتجه حركة النهضة في تونس إلى الفصل بين النشاط الدعوي والعمل السياسي

هذا الفصل الذي تؤطره قيادات النهضة تحت عنوان التخصّص الوظيفي، يطرح بحكم طبيعته مسألة هوية الحركة أو الحزب. في هذا الجانب وبعد انتهاء معركة التأسيس الدستوري لنظام الجمهورية الثانية والذي انتهى بصيغة توافقية بين الإسلاميين والعلمانيين في علاقة بهوية الدولة وعلاقتها بالدّين، خفتت الحاجة لاستدعاء العنصر الهووي، بما هو عنصر مؤسس للحركة الإسلامية في نشأتها، وهو ما استلزم المرور، مع تجربة الحكم، من مرحلة الدعوة من الأسفل إلى الإدارة من الأعلى.

اقرأ/ي أيضًا: عن حيرة "النهضة" قبل مؤتمرها العاشر

ثنائية الدعوي والسياسي تتوازى مع ثنائية المجتمع والدّولة بشكل كثيف داخل حركة النّهضة. ودليل هذه الكثافة تشديد قيادات النهضة على خيارهم في الإصلاح انطلاقًا من الدّولة، وهو ما يُعتبر خيارًا استراتيجيًا مؤسسًا في مجال الحركات الإسلامية التي لم تنشأ أصالة إلا من رحم خارج الدّولة، التي لم تسع في البداية إلى افتكاكها بقدر تقويضها. الانتقال من مجال الفاعل المهمّش داخل المجتمع إلى مجال الفاعل المحدّد من الدّولة، يمثّل خطوة أوليّة سبقت خيار تفعيل هذا الانتقال عبر الفصل بين الدعوي والسياسي، أو أكثر دقة الفصل بين الممارسة الدعوية دخل المجتمع وممارسة النشاط الحزبي بتمثّل إدارة الشأن العامّ كهدف طبيعي ملازم.

ولا يعني استفراد الوعاء بالوظيفة الحزبية التخلّي عن الممارسة الدعوية في المجتمع، وهي ممارسة لا تتخذ شكل أنشطة تقليدية وفق ما انطلقت في بداياتها، بل تنغمس ضمن مجال النشاط المدني، ليكون الدعوي التقليدي هو جزء بدوره في هذا الجانب. في مصر، اختار الإخوان المسلمون فصلًا هيكليًا بين الحركة والحزب ليتخصّص كلّ منهما في مجال وهي تجربة لم تتفاعل أمام الظرفية السياسية القائمة حينها ليكون الحكم غير مؤسس على تجربة انتهت قسرًا في فترة وجيزة. بيد أن هذه الثنائية الوظيفية التي تتبناها حاليًا حركة النهضة، غير متبوعة بثنائية هيكلية على غرار التجربة المصرية ليكون الدعوي في رحاب مفتوح داخل المجتمع المدني وليس في إطار هيكلي معنون.

لا يخفي قادة حركة النهضة خيارهم العمل من داخل الدّولة، وهو ما تمظهر عمليًا من خلال تحالفهم مع وجوه من رحم النظام القديم

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. الثعالبي جد النهضة والنداء؟

وعمومًا تطرح مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي أسئلة متتابعة منها مدى اجتذاب القواعد لخيار القادة، لكن ذلك قد لا يطرح حقيقة مشكلًا كبيرًا على المستوى القاعدي. ويعود ذلك لعامل أساسي مبناه أن الشأن الدعوي وإن كان هو منطلق الهيكلة قبل عقود، فقد تضاءل إبان فترة الاستبداد بحيث لم يكن لحركة النهضة نشاط دعوي فاعل في تونس، بل كانت الحركة وعاءً لنشاط سياسي نضالي تحوّل إلى نشاط سياسي تنافسي بعد الثورة.

وكلّما قيل إن مسألة الفصل قُتلت بحثًا حتى داخل الحركة نفسها فهي تظلّ عنوانًا مؤسسًا ستتلاحق آثاره في مرحلة ما بعد الحسم. لا يخفي قادة حركة النهضة خيارهم العمل من داخل الدّولة، وهو ما تمظهر عمليًا من خلال تحالفهم مع النظام القديم. ولا يتردّدون في التأكيد على تأطير الحزب ضمن المشهد السياسي كحزب محافظ متشبث بالثوابت الإسلامية. غير أنّ هذه الخيارات قد تعيقها طبيعة مرحلة الانتقال الديمقراطي وتواصل مهمّة التأسيس أو التّكريس على الأقل على مستوى التفعيل الدستوري، وهي مرحلة يتصارع فيها فرز بين عناوين الثورة وتحديدًا ما يتعلّق بالعدالة الاجتماعية وعناوين دولة لا تزال أعمدتها القديمة هي الفاعلة، حيث لا تزال الدولة العميقة باقية لم تكسرها الثّورة بعد في تونس، بل تسعى النهضة لاحتضانها تحت عناوين منها الإصلاح من الدّاخل والمصالحة الوطنية.

وبذلك تظلّ الخشية أن يكون الفصل بين السياسي والدعوي هو في الحقيقة فصل بين المنفعي والقيمي، ليكون رهان الحركة على الأقل في التأليف بين الثورة والدّولة، هو رهان تأباه الطبيعة أو تناقضه الممارسة السياسية بالنهاية.

اقرأ/ي أيضًا:

أسئلة الإسلام السياسي

تونس.. أي مشهد برلماني في الأفق؟