18-أغسطس-2022
وصول اندري ابراهام لأى مدينة أكودة

عرّف الطباخ الألماني أثناء رحلته بقرية الأطفال بأكودة ودورها الإنساني (جمعية أكودة زمان)

 

الطباخ الألماني "أندري براهام" البالغ من العمر 52 سنة، يقطع مسافة 1320 كلم على دراجته الهوائية في حرارة الصيف انطلاقًا من مدينته في ألمانيا وصولًا إلى مدينة سوسة الساحلية شرق تونس.

لم يكن أندري يبغي سياحة، وإنما كان يسعى من خلال المسافات التي قطعها انطلاقًا من ألمانيا عبورًا بفرنسا (1200 كلم) وصولًا إلى ميناء حلق الوادي ليستأنف من جديد رحلته قاطعًا 134 كلم نحو مدينة أكودة، إلى رسالة إنسانية لفائدة قرية SOS أكودة لرعاية الأطفال فاقدي السند.

الطباخ الألماني "أندري براهام" (52 سنة) يقطع مسافة 1320 كلم على دراجته الهوائية في حركة رمزية لجمع التبرعات لفائدة قرية SOS أكودة

أندري براهيم وصل في 12 أوت/ أغسطس إلى قرية الأطفال الذين كانوا في انتظاره والبسمة تعلو محياهم والأعين تتطلع إلى دراجته التي تحمل زاده، والأعلام الألمانية التونسية الفرنسية تزينها، وكانت إحدى أمهات القرية تستقبله بالأحضان عربون جميل كان قد قدّمه منذ عامين في زيارة سابقة قبل زمن كورونا.

كان الطباخ أندري يحمل "الحصالة العجيبة" التي امتلأت بالتبرعات النقدية، وكان قد أرادها حركة رمزية تتمثل في 1 أورو على كل كلم واحد يقطعه، كان يطوي المسافات متوقفًا عند كل مقهى ومطعم في ألمانيا وفرنسا ليعرّف بقرية الأطفال بأكودة ودورها الإنساني في حماية الطفولة حتى باتت القرية محط انشغال محطات إذاعية وتلفزيونية عالمية.

 

"أندري براهام" في طريقه إلى سوسة (صورة لجمعية أكودة زمان)

 

لما وصل أندري إلى ميناء حلق الوادي، كانت في استقباله الصديقة التونسية "رهيف" إحدى الناشطات في الجمعية الأهلية "أكودة زمان" التي احتضنت هذه التظاهرة ونسقت مع المواطن الألماني وإدارة قرية الأطفال والسلطات التونسية من أجل تثمين هذه الحركة الإنسانية النبيلة في حق الطفولة.

وقع الاحتفاء بهذه الحركة الإنسانية النبيلة من مواطن ألماني آثر إقحام البهجة على أطفال فاقدي السند، في وقت انغمس فيه العائدون إلى تراب الوطن من الخارج في السياحة والتمتع بأشعة الشمس وجمال البحر والتلذذ بما طاب من الأكلات والمشاوي.

"أندري براهام": راودتني فكرة هذه الرحلة وجمع 1 يورو عن مسافة كل كلم أقطعه منذ ثلاث سنوات، لكن منعتني جائحة كورونا

كانت الكلمات الوحيدة التي يرددها أندري باللغة العربية حال بلوغه التراب التونسي "حطّ فلوس" ويعني بها (تبرعوا بالنقود وضعوها في الحصالة)، حتى أنه توجه بالأمر إلى جميع من اعترضه، وهو ما كان مدعاة للمزاح والطرافة وإدخال البهجة على الأطفال الذين انتظروه كما انتظروا أطباقه الشهية التي يعتزم تقديمها لهم خلال إقامته بسوسة.

يقول أندري براهم في لقاء صحفي حال بلوغه قرية SOS أكودة: "كانت الفكرة من قطع هذه المسافة وجمع 1 يورو عن مسافة كل كلم أقطعه تراودني منذ ثلاث سنوات، غير أن جائحة كورونا قد منعتني من ذلك، وها أنا اليوم أحقق هذا الحلم وأنا مزهو جدًا بهذه الحركة الإنسانية التي قوبلت باستحسان شديد، كانت زوجتي هي صاحبة الفكرة، وأنا ممتن لصديقتنا التونسية رهيف التي عرفتنا بقرية الأطفال أكودة وساهمت في إنجاح هذا النشاط".

 

وصول "أندري براهام" إلى مدينة أكودة  (صورة لجمعية أكودة زمان)

 

يسري ضيف الله مدير مؤسسة قرية (S.O.S) أكودة خصّ "الترا تونس" بحوار حول هذه البادرة التي قام بها المواطن الألماني كما حدثنا عن القرية وأنشطتها.

يقول يسري ضيف الله: "كان بيننا الصديق الألماني أندري إبراهام في شهر رمضان الفارط خلال زيارة شتوية وقد أصرّ على الاطلاع على أنشطة القرية والظروف التي يقيم فيها الأطفال وهندسة المنازل وطريقة الإشراف على التسيير بحكم تواجد مثيل هذه القرية في بلدان أخرى، كما اقترح نشاطًا في الطبخ داخل إحدى منازل القرية، فتسوّق في إحدى الفضاءات التجارية الكبرى وأعدّ للأطفال أطباقًا أوروبية متنوعة، وكان يستعمل الفلفل الأسود بكثافة، وكانت البهارات مميّزة ما أثار إعجاب الأطفال، كما تذوّق أندري بعض الأكلات التونسية مثل الكسكسي، فكان يومًا جميلًا أدخل البسمة على الأطفال".

ويضيف يسري ضيف الله: "لقد صادف أن زار أندري منزلًا من منازل القرية يضم أطفالًا منخرطين في نادي الموسيقى، فكانت أمسية فنية رائعة امتزجت بنكهة المطبخ التونسي والألماني".

مدير SOS أكودة لـ"الترا تونس": أندري براهام رفع بهذه البادرة من مستوى التعريف بخدمات القرية خاصة مع الاستعداد للعودة المدرسية الجديدة

ويقول مدير القرية: "كنا قد تحدثنا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها القرية ونقص التمويل خاصة بعد تخلي الكونفدرالية العالمية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019 عن تبني القرية بالكامل، كما تحدثنا عن ابتكار طرق جديدة في التمويل لضمانة ديمومة هذه المؤسسة الإنسانية".

وتعرض يسري ضيف الله إلى قيمة مثل هذه الأنشطة في التعريف بقرية SOS أكودة حيث إن الناشط الألماني أندري براهام، بالتعاضد مع مكونات المجتمع المدني التونسي متمثلًا في جمعية "أكودة زمان"، قد رفع من مستوى التعريف بخدمات القرية وأدار الرقاب مجددًا لها خاصة مع الاستعداد للعودة المدرسية الجديدة التي تتطلب تكاتفًا وتآزرًا من أجل توفير حاجيات الأطفال المقيمين في القرية".

 

"أندري براهام": مسرور جدًا بهذه الحركة الإنسانية التي قوبلت باستحسان شديد

 

ويقول يسري ضيف الله: "إن مبلغ (3800 دينار) الذي جمعه أندري في حد ذاته رمزيّ ولكن ما صاحب هذه التظاهرة قيّم جدًا وقد فتح أملًا لتعاون مشترك بين إدارة القرية والجانب الألماني بعد أن اتصلت سفارة ألمانيا لتثمّن هذه المبادرة وتدعو إلى مقترحات في تمويل القرية من خلال توفير تجهيزات أو توفير مرافق، خاصة أننا في حاجة إلى تهيئة ملعب رياضي وبناء منزل جديد وتجهيز القرية بالفوتوفولتاييك من أجل توفير الكهرباء وغير ذلك من الحاجيات الضرورية".

وحول تمويلات القرية الحالي يقول يسري ضيف الله إنّ "قرية أطفال أكودة لا تضم فقط إيواء الأطفال بل تضم كذلك مبيتات تابعة لها لمن سنهم بين 16 سنة و18 سنة كما لدينا 24 طفلًا وجدنا عائلاتهم، وهم موزعون على 10 ولايات وتحت ولاية القرية، نراقبهم ونوجه لهم الإعانات بمعدل 200 دينارًا لكل طفل".

ويذكّر يسري ضيف الله أن "طاقة استيعاب القرية 122 طفلًا موزعين على 14 منزلًا، يضمّ كل منزل 8 أطفال، أما الآن فتضم القرية 86 طفلًا ولا تعني هذه الشغورات انعدام الملفات ولكن ليس لدينا ميزانية كافية لإعالة عدد إضافي من الأطفال" وفقه.

مدير SOS أكودة لـ"الترا تونس": جمع أندري 3800 دينار وهو مبلغ رمزيّ في حد ذاته، ولكن ما صاحب المبادرة قيّم جدًا وفتح أملًا لتعاون مشترك بين القرية والجانب الألماني

ومن ضمن برامج قرية أطفال (S.O.S) أكودة "برنامج الأسرة والوقاية من الإهمال وهو برنامج موازي لخدمات القرية ويتمثل في إعانة 480 طفلًا ضمن محيطهم العائلي الطبيعي وذلك باختيارهم على أساس قصور عائلاتهم ماديًا واحتوائها على معيل واحد وضم أسرهم أكثر من 5 أطفال، كما نقوم بالتكفل بمصاريف من يلتحقون برياض الأطفال وسنهم أقل من 6 سنوات وذلك لضمان استمرارهم في الدراسة".

بادرة الألماني "أندري براهام" أشعّت مجددًا على دور قرية أطفال (S.O.S) أكودة في حماية الطفولة في تونس وكسبت تعاطفًا واسعًا من أجل ضمان استمراريتها وتوفير التمويلات الكافية لأولئك الأطفال الذين تحتضنهم وترعاهم في زمن عجزت فيه الدولة عن تخصيص ميزانية إضافية فتضطلع بمهامها الأصلية في الحماية بالشراكة مع المجتمع المدني والمنظمات الدولية.

 

مدير قرية أطفال أكودة رفقة مراسل الترا تونس