22-أغسطس-2022
مهدي بالحاج رحالة تونسي إفريقيا

مهدي بالحاج: في المدن، أقضّي ليلتي في الجامع أو في الكنيسة أو في مركز الشرطة ومحطات البترول

 

اختلفت أحلامه وميولاته عن الشباب في سنه، لم يتبع التخطيط المستقبلي التقليدي: دراسة وعمل ثم زواج، بل قرر إرضاء فضوله واكتشاف الحياة من حوله.. حمل حقيبته على كتفيه وانطلق في رحلة محفوفة بالمخاطر والتشويق، لم يتزود فيها سوى بالشجاعة وحب المغامرة.

تمكن الرحالة التونسي مهدي بالحاج (32 سنة) بعد 3 سنوات، من زيارة 28 بلدًا و200 قبيلة، بعد أن قطع مسافة 45 ألف كيلومتر

من أقصى نقطة في شمال إفريقيا "رأس إنجلة" ببنزرت، توجه الرحالة مهدي بالحاج (32 سنة) نحو آخر نقطة بالقارة السمراء "راس الابر" ليتمكن بعد 3 سنوات من زيارة 28 بلدًا و200 قبيلة، قاطعًا مسافة 45 ألف كيلومتر. بلوغ الهدف لم يرو عطشه للاكتشاف والمغامرة، ولم يُرض فضوله في التعرف إلى بلدان وثقافات مغايرة، فقرر استكمال رحلته ليتمكن من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إلى حد الآن من زيارة 9 دول أخرى وهي "ليسوتو، سوازيلاندا، موزمبيق، مالاوي، تانزانيا، جزر القمر، مدغشقر".

  • سحر أسود واحتفال بالموت.. عادات غريبة

"أظن أن إفريقيا هي التي اختارتني.. عندما كنت في تونس كنت أحلم دائمًا بالسفر للتمتع بالمناظر الطبيعية والتعرف على شعوب أخرى، البداية كانت بالتعرف على بلادي ثم قررت الابتعاد قليلًا. الفكرة بدأت بعدما خرجت في رحلة برية قصيرة لجنوب الجزائر وتعرفت على شعب (الطوارق) وسافرت معهم إلى ليبيا والنيجر. إثر عودتي لتونس فكرت في التعرف على قارتنا الإفريقية خاصة وأنها على مسافة 500 كم من تونس. ظننت أن الرحلة ستتراوح بين 6 أشهر وسنة من تونس لجنوب إفريقيا، لكن في كل مرة أتنقل لبلد جديد، كان الحماس يكبر لزيارة البلد المجاورة لها لأني اكتشفت أن المتعة والمغامرة في الطريق أكبر من متعة الوصول للوجهة النهائية".

 

صورة من إنستغرام التونسي مهدي بالحاج لدى زيارته إلى زامبيا 

 

يقول بالحاج في حديثه لـ"الترا تونس" إن تنقله في معظم الأوقات يكون برًا وفي بعض الأحيان بحرًا مع سفن الشحن خاصة، لكنه اضطر لاستعمال الطائرة لزيارة بعض الأماكن وهي رحلة مهداة من طرف بعثة الأمم المتحدة في مالي عندما زار مدينة "تمبكتو"، كما تمتع مهدي برحلة مهداة من شركة مغربية عندما كان في "الغابون"، ورحلة أخرى إلى "مدغشقر" مهداة من طرف صديق تونسي لأن جزيرة مدغشقر كانت قد أغلقت حدودها البحرية بعد كورونا.

ويضيف مهدي بالحاج أن العادات المختلفة والغريبة على ثقافتنا في تونس كثيرة، ففي الكاميرون عند شعب "الباميليكي" يتم الاحتفال بالموت واقتلاع رأس الميت للاحتفاظ به في البيت، أما في "الطوغو" و"البنين" فقد زار مهرجانات السحر الأسود وشاهد أشياء غريبة جدًا، أما في مملكة "ليسوتو" فيتم إرسال الشباب من قبائل "البوسوتو" إلى الجبال لمدة ستة أشهر بدون موارد ليتم بعدها ختان الناجين منهم علاوة على شرب الدماء عند شعب "الماساي".

 

 

  • تمويل ذاتي

السعي وراء الحلم وممارسة هوايته المفضلة التي انتشلته من الحياة الرتيبة التي يعيشها أبناء جيله، دفعاه لخوض غمار التجربة دون الوقوف طويلًا على الجانب المادي، فمهدي بالحاج لم يحظ بتمويل من أي جهة وكان تمويله ذاتيًا. عندما بدأ بالتحضير للرحلة باع جميع ممتلكاته البسيطة وقرر الانطلاق بذلك المبلغ، لم يكن يفكر كثيرًا في فرضية نفاد النقود لأنه مقتنع بأن أي شخص يبدأ رحلة طويلة لن تكون نقوده كافية إذا ركّز فقط على الجانب المادي وستكون له عائقًا نفسيًا للانطلاق في الرحلة.

مهدي بالحاج لـ"الترا تونس": تخلّيت عن معظم وسائل الراحة باعتبار أنّ المشكلة اليومية هي كيفية التحكم في المبلغ الذي بحوزتي

يقول الرحّالة إن الصعوبات المادية هي المشكلة اليومية التي يجب التعامل معها والمهم في هذه المسألة هو كيفية التحكم في المبلغ الذي بحوزته وتحديد الميزانية لكل شيء تقريبًا وهو ما دفعه للتخلّي عن معظم وسائل الراحة.

"بالنسبة للتنقل، أفضل (الأوتوستوب) والمشي أو وسائل النقل العمومي عند الضرورة، أما بالنسبة للأكل أطهو بمفردي أو أتغذى على الأكلات المحليّة لكل بلد أزورها، والسكن دائمًا يكون في خيمتي عندما أكون في القرى وبالنسبة للمدن فإني أقضّي ليلتي في الجامع أو في الكنيسة أو في مركز الشرطة ومحطات البترول، وفي كثير من الأحيان، تستقبلني الجاليات التونسية والعربية" وفق قوله.

 

صورة من إنستغرام التونسي مهدي بالحاج لدى زيارته إلى غانا

 

يضيف مهدي بالحاج أن موارده المالية مصدرها العمل، فعندما تقترب نقوده من النفاد، يبدأ في البحث عن عمل، وقد اشتغل في العديد من البلدان التي زارها مثل بوركينا فاسو وغانا والكونغو الديمقراطية وغيرها، لافتًا إلى أن طبيعة العمل لا تعني له الكثير، حتى أنه اشتغل بلا مقابل مادي فقط مقابل الأكل والسكن، فقد كان مهتما بالتجربة الإنسانية. ويقول المتحدث إنه مثلما اشتغل صيادًا وفلاحًا وبناءً، فقد اشتغل كذلك مدير إنتاج وموظف في بنك ومدير علاقات عامة.

  • سجن واحتجاز وأوبئة

الترحال من بلد إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى في أدغال إفريقيا بقدر ما كان مليئًا بالاكتشافات والأسرار التي رسخت في ذهن مهدي بالحاج والتي وثقها ونقلها بكل أمانة لمتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها كانت محفوفة بالمخاطر التي لا تخلو منها أي مغامرة. تعرض الرحّالة إلى السجن، الاختطاف، المرض، السرقة، لكن اليأس لم يعرف لقلبه طريق.

مهدي بالحاج لـ"الترا تونس": أصعب الأوقات التي مررت بها كانت حين احتُجزت في الكونغو الديمقراطية وعندما سُجنت في نيجيريا وعندما مرضت بالملاريا للمرة الأولى

"أصبت بـ(الملاريا) مرات عديدة خاصة في إفريقيا الغربية وبـ(التيفويد) مرتين في نيجيريا والكونغو الديمقراطية وبـ(البلهاريسيا) عندما كنت في دولة مالاوي، وهي أمر عادي نظرًا لاختلاف المناخ والطقس والمناعة ضد الأمراض. في فترة الكورونا تعرضت للاحتجاز في الكونغو الديمقراطية، وعندما تم تحريري أغلقت الحدود، كانت فترة صعبة لكني تمكنت من إيجاد عمل واستقررت به حتى فتحت الحدود مرة أخرى بعد سنة كاملة وحينها تخليت عن العمل لأواصل رحلتي".

يقول مهدي بالحاج إن أصعب الأوقات التي مر بها كانت عندما احتُجز في الكونغو الديمقراطية وعندما سُجن في نيجيريا وعندما مرض بالملاريا للمرة الأولى وعندما تعرض لعملية نشل في غانا خسر فيها كل أمواله التي اصطحبها من تونس، مشيرًا إلى أنه لم يكن من الممكن استخراج بطاقة بنكية دولية لذلك كان يتنقل بأمواله نقدًا.

 

صورة من إنستغرام التونسي مهدي بالحاج لدى زيارته إلى السنغال 

 

  • احترام الديانات والتقاليد والتعايش

رغم اختلاف العادات والتقاليد تمكن بالحاج من التأقلم مع جميع الشعوب والقبائل، كما حظي باستقبال مكّنه من التعرّف على طقوس وعادات مختلفة عن التي عهدها في تونس كما تمكن الرحّالة من خلال الصور المبهجة التي التقطها من القطع مع الأفكار السائدة حول دول القارة السمراء والتي تتلخص في الحروب والأوبئة والفقر والمجاعة. 

وقد أكد الرحالة أن الشعوب الإفريقية من أطيب وأبسط الشعوب التي يمكن التعامل معها، فقط وجب الالتزام بثلاث قواعد أساسية أولها الاحترام، أي احترام جميع الديانات والتقاليد وتبادل المعلومات في إطار المعرفة لا غير، وكذلك التعايش وهو الذي يجعلك تتقرب من الشعوب والعادات والتقاليد الخاصة بها وذلك من منطلق المعرفة والاكتشاف، مع تجنب الأحكام المسبقة التي فيها الكثير من الأفكار الخاطئة، معتبرًا أن الاحتكاك والتقرب من هذه الشعوب هو الوحيد الذي يمكن أن يعطيك رؤية واضحة عنهم، كما أشار إلى أهمية المسؤولية وهي القدرة على السفر مع حفظ الكرامة وكرامة الناس الذين يصادفهم في الطريق.

مهدي بالحاج لـ"الترا تونس": لم تكن هناك أي تسهيلات، بل إنّ بعض السفارات كانت ترفض منحي التأشيرة بسبب كثرة الأختام على الحدود البرية

ولفت مهدي بالحاج إلى أن جواز السفر التونسي محترم جدًا في إفريقيا، أما بالنسبة للتأشيرات فلم يكن هناك أي معاملة خاصة أو تسهيلات، بالعكس، بعض السفارات كانت ترفض منحه التأشيرة بسبب كثرة الأختام على الحدود البرية.

  • "دروس يومية مجانية"

أسالت فوائد السفر حبرًا كثيرًا وقد كانت بعض الكتب والمقولات، الدافع الأساسي وراء سفر العديد من الأشخاص، لكن أهداف السفر تختلف من شخص إلى آخر، فالبعض يسافر للتعرف على دول أخرى والاستمتاع بأفخم الخدمات التي تقدمها الدول للسياح، لكن مهدي بالحاج له رؤية أخرى لمزايا السفر، حتى أنه اختار التعرف على القارة الإفريقية من شمالها إلى جنوبها في حين أن هذه الرحلة لا تعني الكثير لغيره وربما تكون الوجهة الأوروبية هي الأفضل لهم.

 

مهدي بالحاج لـ"الترا تونس": الرحلة الإفريقية علمتني أن قارتنا مظلومة جدًا في الإعلام

 

يقول الرحالة مهدي بالحاج إن الذكريات والصداقات هي أجمل ما في الرحلة، لذلك كان دائم الحرص على الحفاظ على هذه العلاقات، لكن أصعب الأوقات بالنسبة إليه هي عند مفارقة الأصدقاء الذين تعرف عليهم في أماكن نائية جدًا ومن الصعب جدًا العودة لرؤيتهم مرة أخرى.

وختم بالقول "هذه الرحلة هي عبارة عن دروس يومية مجانية في الحياة بإيجابياتها وسلبياتها.. بالنسبة إليّ يبقى السفر لتعلم الحكمة والعبر وليس للمقارنة بين من يسافر أكثر. الرحلة الإفريقية علمتني أن قارتنا مظلومة جدًا في الإعلام، ولا يظهر منها إلا الجزء السلبي فقط للمحافظة على الهيمنة الاستعمارية الغربية والتي هي من أسباب المشاكل العديدة التي تعاني منها إفريقيا، أما على الصعيد الشخصي فهذه الرحلة علمتني تقدير كل نعمة في الحياة والاستمتاع بكل لحظة فيها والتأمل في إبداعات وتفاصيل الخلق العجيبة وعلاقتها بالإنسان.. الترحال يستوجب التأمل لأن معرفة الحقيقة دائمًا مفتاحها التأمل" وفق حديثه لـ"الترا تونس".