فيلم "أغورا" لعلاء الدين سليم.. حين تكفر السلطة حقيقتها
2 مايو 2025
"غمّض عينيك"، أولى كلمتين في فيلم "أغورا" (أڨورا)يتوجه بهما المخرج إلى الجمهور وهي دعوة لكفر الحقائق (*) وطمسها والسماح بتزييفها، لنكتشف مشهدًا بعد آخر الغاية من وراء هاتين الكلمتين وأنهما يصلحان لأن يكونا عنوانًا آخر للفيلم.
قصة الفيلم كما جاءت في الملخص تتحدث عن عودة أشخاص ظن أهلهم أنهم ماتوا، فيثير ذلك الرهبة و"الربثة" في طريقة التعامل معهم، تصل تعزيزات من العاصمة لأن الأمر أشكل على قوى الأمن المحلية.
يتحدث فيلم "أغورا" عن عودة أشخاص ظن أهلهم أنهم ماتوا فتتحالف السلط البوليسية والدينية والعلمية لطمر الحقيقة والتخلص من أنصاف جثث لا هي بالحية فتروي قصصها ولا بالميتة فتدفن وينتهي أمرها
لم يركز الفيلم على سبب عودتهم ولا على ما حدث لهم أثناء غيابهم، بل ركّز على ردة فعل السلط هناك، بوليسية، دينية وعلمية.
تحالفت كلها من أجل طمر الحقيقة والتخلص من أنصاف جثث لا هي بالحية فتروي قصصها ولا بالميتة فتدفن وينتهي أمرها، ثلاث شخصيات، رجلان وامرأة، أحدهم يقطر منه الدم والأخرى تنضح ماءً من كل جسدها، في حين يغرق الثالث في الغبار.
في "أغورا" تشكل الحيوانات شخصيات أيضًا، فيعطي المخرج لكلبة زرقاء اللون وغراب أدوارًا مهمةً، إذ تجري على لسانيهما ما يمكن أن نطلق عليه نبوءةً، يحدثان بعضهما عما سيحدث لاحقًا، فيحدث.
يُعرّف المخرج فيلمه قائلًا: "إن "أغورا" هو حلم أو كابوس، كلبة زرقاء وغراب أسود يشهدان على انحطاط البشرية من خلال قصة ثلاثة أشخاص مفقودين يعودون في ظروف غير مفهومة، ويشيعون الفوضى في المدينة. إنه أيضًا نوع من اللّا مكان بين شخصيات الفيلم وفشل المشروع الإنساني المشترك. هم يستمرّون في ارتكاب الأخطاء نفسها، غير قادرين على حل مشاكل الماضي، المفقودون الثلاث هم وجهُ عجز الدولة عن حل مشاكلها".
تتوالى الأحداث فينقلب هدوء المنطقة إلى فوضى لا تبقي ولا تذر، فزيادةً على حالة الذعر التي بدأت تنتشر بين الناس، تحدث أشياء غريبة، سمك نافق، تفسد المحاصيل وينبئ ذلك بأمر خطير في أذهان الناس، بعد أيام قليلة لن يجدوا ما يأكلون، ولا أحد يجد تفسيرًا شافيًا أو يتدخل ليصلح عطب الطبيعة.
أمام كل هذا تقرر الكلبة والغراب الرحيل عن هذا المكان ليضمنا مكانًا أحسن لصغارهما.
في "أغورا" تشكل الحيوانات شخصيات أيضًا، فيعطي المخرج لكلبة زرقاء اللون وغراب أدوارًا مهمةً، إذ تجري على لسانيهما ما يمكن أن نطلق عليه نبوءةً ويشهدان على انحطاط البشرية
ما الذي فعله الإنسان ولا يزال، لتقرر الحيوانات الرحيل عن عالمه والابتعاد قدر المستطاع عما اقترفت يداه؟

مخرج لا يتكلم
"الفيلم الجيد هو الذى إن حذف شريط الصوت بالكامل يظل المشاهد مستمتعًا به"، يقول هيتشكوك، ويطبق علاء الدين سليم هذه المقولة فلا تكاد تسمع لأبطاله رِكزًا، إذ يجعل من الصمت شخصية قائمة بذاتها تسيطر على الحيّز الأكبر من أفلامه.
بالكاد تسمع حوارات أو أناس يتحدثون إلى بعضهم، حتى في فيلمه الأخير الذي يعرض حاليًا في القاعات لا يشذ عمومًا عن القاعدة رغم أنه أكثر الأفلام التي يحضر فيها الحوار ويشارك فيها عدد أكبر من الممثلين، فهو من الذين يحصرون الأدوار في عدد قليل جدًا من الشخصيات والأبطال، إذ يعتبر أنّ البطل ليس فقط من يمشي على رجلين، بل الأشجار والحيوانات وربما الجان أيضًا (لا أحد يدري ما يدور في رأسه)، شخصيات فاعلة وفعّالة تؤدي ما يروم المخرج إبلاغه في أفلامه وهو الأهم بغض النظر عن عددها وكُنهها.
علاء الدين سليم، لمن لا يعرفه، شخص وفير الصمت ليس ثرثارًا ولا مهذارًا، ربما يفضل تربية بنات أفكاره على مهل والحديث معها والاستغناء بها عمّن سواها.
يُسائل المخرج السلطة في هذا الفيلم عن وضعية النعامة التي تتخذها إزاء ما يطرأ من أحداث وعودة الغائبين الذي ظن الجميع ذهابهم، كأنهم جرح غطته ضمادات لا تداويه بل فقط تواريه إلى أن تنفجر التقرّحات
هو شخص يفضل لغة الصور عن غيرها، فهو فنان بصري فضلًا عن اشتغاله كمخرج سينمائي، له سلسلة مـن الفيديوهات: "يوميّات رجل مهم" (تمت برمجتها بمتحف پمپيدو بباريس سنة 2012)، كما أنجز منشأة فنّية "عن" (بالاشتراك مع مالك قناوي) تم تقديمها في "دريم سيتي" 2022 (تونس) وبينالي الشارقة 2023 (الإمارات).
كل هذا يصب في مصلحة المتفرج الذي يتكشّف له في كل مرة نمط سينمائي فريد وخط سردي متميز، سيكون على المتفرج الإنصات للصور وأن يؤوّل المشاهد دون مساعدة الحوار، ربما يعطي هذا للفيلم أكثر من تأويل ويكون للمتفرج حرية أكبر في تفسير وفهم المشاهد الصامتة.
يظل علاء مسكونًا بفكرة العلاقة مع السلطة ومسألة الذاكرة، يُسائل السلطة في هذا الفيلم عن وضعية النعامة التي تتخذها إزاء ما يطرأ من أحداث وعودة الغائبين الذي ظن الجميع ذهابهم، كأنهم جرح غطته ضمادات لا تداويه بل فقط تواريه إلى أن تنفجر التقرّحات والدمل.

هل المشكل الأساسي هو عودة الغائبين أم عجز السلطة عن التعامل الأمثل معهم فتذهب نحو التخلص منهم؟
ليس هذا بالسلوك الغريب، فَلِتحلّ مشكلة الكلاب السائبة مثلًا تسرع نحو قتلهم وحرقهم، وكفى الله السلطة شر التفكير وإيجاد الحلول.
طيّب، ما الذي يمكن أن يحدث وكيف سيكون تفاعل الحاكمين مع العائدين مما يسمى ببؤر التوتر مثلًا؟
الواقع في تونس، على السبيل الذكر، يقول إنّ احتمال عودة مقاتلين كانوا في سوريا وارد جدًا.
موضوع العائدين ليس جديدًا في الثقافة العربية الإسلامية، فأهل الكهف الذين يختلف الناس في عددهم قضوا سنوات طويلة بعيدًا عن العالم ثم عادوا بعد نوم طويل، وفي الفيلم إشارة لذلك عبر استحضار الآيات التي تتحدث عنهم في سورة الكهف، وحلم العودة لا يبارح عقول وقلوب كل مهاجر وكل مُهجّر.
الفيلم ليس تحقيقًا فـي ظاهرة خارقة للطبيعة، بل كيف يكون رجوع العائدين إشكالًا بالنسبة إلى المؤسسات، وكيف واجهت السلطة هذا الإشكال باللجوء إلى أساليب تعـوّم الحقيقة
الفيلم بحسب صاحبه ليس تحقيقًا فـي ظاهرة خارقة للطبيعة، بل كيف يكون رجوع العائدين إشكالًا بالنسبة إلى المؤسسات الممثّلة في الشخصيات الخمسة، وكيف واجهت السلطة هذا الإشكال باللجوء إلى أساليب تعـوّم الحقيقة؟ هذه هي المسائل التي يهتم علاء الدين سليم ببنائها.
تترسخ هذه الفكرة وهذا التساؤل خاصة عندما تكون السلطة معطوبةً ومريضةً، فمن يتصدّون للأجساد الغريبة الوافدة لكل واحد منهم مرض، فأمين الطبيب (بلال سلاطنية) يعاني من طنين في أذنيه، والشرطي (ناجي قنواتي) يستعمل البخاخة للتخفيف من نوبات الرّبو، والشرطي الآخر المنتمي إلى الفرقة 19 (مجد مستورة) على عينيه غشاوة تعيقه عن النظر بشكل جيد، فيما تعاني الدكتورة العيوني (سنية زرق عيونه) من السرطان.
كأن المخرج يريد أن يقول لنا إنّ هناك نوعًا جديدًا من العلاج يستمده هؤلاء من وضعياتهم الصحية، إنه العلاج بالإنكار، أنكر كل شيء وعوض أن تبحث عن دواء للسقم، أنكره وواصل هروبك إلى الأمام، كن كحصان السباق الذي يضعون على عينيه غِمامة تمنعه الرؤية من الجانبين أو إلى الخلف.

أفكار لا يعلم مصدرها إلا هو
لا أحد يعرف من أين يأتي المخرج علاء الدين سليم بأفكار أفلامه ومما أو ممن يأتيه الإلهام، متى وكيف؟ هل يحتفظ بمصباح سحري هنا أو هناك؟ أو أنه يعيش في عوالم أخرى ويخالط أشخاصًا آخرين يُسِرّون له وينفثون سحرًا في رأسه وينجبون بنات أفكار من طين آخر غير الذي خُلق منه الإنسان.
يتخذ هذا المخرج من الغرابة صديقًا لا ينفك عنه في كل أفلامه (الطويلة على الأقل)، فمنذ فيلمه الطويل الأول "آخر واحد فينا" ثم "طلامس" إلى "أغورا"، لا يمل سليم عن إدهاشنا كأنه يتوكّأ على عصا الدهشة (نقطة التعجب) ويتخذها دينًا وإيمانًا، دينًا يبشر به لدى كل المتفرجين داعيًا إياهم إلى عدم التطبيع مع ما حولهم، فالدهشة أم السؤال، والسؤال أبو المعارف وسبيلها.
يتخذ هذا المخرج من الغرابة صديقًا لا ينفك عنه في كل أفلامه، فمنذ فيلمه الطويل الأول "آخر واحد فينا" ثم "طلامس" إلى "أغورا"، لا يمل عن إدهاشنا كأنه يتوكّأ على عصا الدهشة ويتخذها دينًا وإيمانًا
هل عُلّم منطق الطير وكان مع فتية الكهف سنين عددًا ليفقه ما يقول الغراب وما تتحدث به الكلبة؟.. إنّه الخيال في أقصاه وهو كُنه أي عمل فني مغاير وفريد.
نالت أفلام "الفتى الطائش" عن صراط المخرجين السابقين أكثر من جائزة، على غرار جائزة أسد المستقبل في مهرجان البندقية السينمائي عن فيلم "آخر واحد فينا" (2016) واختير ضمن أسبوعي المخرجين في مهرجان كان السينمائي عن فيلم "طلامس" (2019)، وجائزة "Pardo Verde" في مهرجان لوكارنو السينمائي (2024) عن فيلم "أغورا".
(*): بمعنى الستر والتغطية، من ذلك قوله تعالى: "كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ" أي الزراع أو الفلاحون لأنهم يكفرون البذر: أي يغطونه بالتراب
الكلمات المفتاحية

"دريسينغ روم".. سطور من التجاعيد تروي ذكريات النساء
"دريسينغ روم" أو غرفة تبديل الملابس، هو عمل فني لا يتعلق بتغيير قطعة قماش تغطي جسدًا ما كما يبدو العنوان، بل يغوص نحو الأعمق، عن التغيير الجسدي الذي يحصل للمرأة عند وصولها لما يسمى "سن اليأس"

"كل حاجة حلوة" في دريم سيتي.. أن تصبح الطفلة طوق نجاة أمها
مسرحية "كل حاجة حلوة" وإن كانت من فئة الممثل الواحد، فقد شارك فيها الجمهور كله تقريبًا، ففريق العمل يوزع على الداخلين للفرجة، قصاصات كتبت عليها بعض الكلمات والجمل التي لا يفهم المغزى منها في البداية

"صوت هند رجب".. هل يكفي أن يكون الموضوع جيدًا لصنع فيلم جيد؟
"كانت المخرجة التونسية ذكية في التوجه لأعمال لها جمهور متابع لهذه القضايا محليًا أو دوليًا.. وفي المطلق لا يكفي أن يكون لك موضوع جيد لتنجز فيلمًا جيدًا"

طقس تونس.. أمطار في عدة مناطق وانخفاض طفيف في درجات الحرارة
معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 16 و21 درجة في الشمال والوسط، وتصل إلى 27 درجة في بقية المناطق

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب
انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات
أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي
أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

