20-أغسطس-2018

لصوت غالية بنعلي إيقاع منفرد يتماهى مع نغمات الكمان و"ضجيج" الإيقاع

"وبينما كان الآخرون يبكون بدأت بالرقص.. نعم الرقص.. وقال الآخرون عني لقد جُنَّ زوربا.. لو لم أكن رقصت لكنت متّ"، تتبادر إلى ذهنك مقولة زوربا اليوناني وأنت تشاهد "الغجرية" غالية بنعلي ترقص على ركح مسرح مهرجان الحمامات الدولي. يسافر شعرها الغجري المجنون بين الشغف والصبابة، تتمايل وتتأرجح وقد فتنتها الحرّية، تبدو لك وكأنّها لا تبالي بالعالم المادي من حولها، يهتز جسدها على وقع أنفاسها وتغمض عينها عن سواد العالم.

الفن وغالية بنعلي حالة إنسانية، حالة حب، لها طقوسها ونواميسها.. عالم متفرّد بإيقاع الخلخال الذي تزيّن به كعبها

اقرأ/ي أيضًا: "24 عطر".. أركيولوجيا موفقة في التراث الموسيقي والغنائي التونسي

هي واحدة من "أرواح لا تنقطع وصلها"، ذات امتزجت بالفن فراقصت أرواح المستمعين وداعبت أوتار قلوبهم، فكانت حركاتها على المسرح عزفًا لا ينقطع وصله، عزفًا شدّ جمهور مهرجان الحمامات إليه فلم تثنهم الأمطار الغزيرة عن الاعتكاف بالمدارج وانتظار "ابنة الريح".

"يا حبيبي يلا نعيش بعيون الليل، ونقول للشمس تعالي تعالي بعد سنة مش قبل سنة"، غنى الجمهور الذي غصّت به المدارج على إيقاع نغمات كمان العازف زياد الزواري، هو جمهور افترش المدارج المبتلة من قطرات المطر وتطلّع إلى عيون الليل، ينتظر إطلالة "الشمس" بعد ساعتين من الموعد المقرر للعرض، تأخير نجم عن حالة الطقس السيئة.

[[{"fid":"101125","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":500,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تتمايل غالية بنعلي على المسرح وتتأرجح وقد فتنتها الحرّية (الصفحة الرسمية لمهرجان الحمامات الدولي بالفيسبوك)

كفكفت السماء دموعها، وأصغى الأثير لصوت "ابنة الريح" وهي تغنّي لأم كلثوم  "ازاي ازاي أوصفلك ياحبيبي"، يتماهى جسدها مع ذبذبات الموسيقى، وتراود البحة في صوتها القلوب، إيقاعات كلماتها وخلاياها يحلّق بروحك إلى عوالم الطرب.

الفن وغالية بنعلي حالة إنسانية، حالة حب، لها طقوسها ونواميسها، عالم متفرّد بإيقاع الخلخال الذي تزيّن به كعبها، وعقد الفل في جيدها، وفستان كالدجى أسود تزينه نجوم بلون الذهب، فستان تجعل منه خطواتها وحركات يديها زيًّا للغجريات التواقات إلى الحرية أو رداء للدراويش الباحثين عن العشق الإلهي.

وهي تغنّي " حانة الأقدار"، شربت غالية بن علي من كأس الحياة وانتشت بالإيقاعات التي خلقها الموسيقي عماد العليبي من رحم آلاته الإيقاعية المختلفة، الموسيقي الذي كانت بداياته مع فرقة تقدّم موسيقى الروك والقناوة والفلامنكو وموسيقى الغجر يعزف اليوم لغجرية يعاند صوتها إيقاع الموسيقى، غجرية لا تعترف بحدود ولا ضوابط.

وكان الإيقاع عنوانًا لرحلات الغجر التي لا تعرف لها نهاية، وحكايات العشق، ووصلات الرقص والغناء وما تستبطنه من وجع.

لصوتها إيقاع منفرد يتماهى مع نغمات الكمان و"ضجيج" الإيقاع، وهي تناجي الله بـ"قلبي يحدّثني"، تبسط يدها نحو السماء وتدور حول نفسها، يتهادى صوتها بين نغمات الكمان الحرة الطليقة، ويعزف زياد الزواري ترانيم الملائكة إذ حانت لحظات التصوّف.

اقرأ/ي أيضًا: عن عرض "طرق المقام" في مهرجان الحمامات: الموسيقى كلمات الله وأنفاسه

غالية بنعلي غجرية يأسرها الجنون والحرّية فغنّت "أنا حرة".. غنّت لنساء تونس وكل نساء الدنيا

تتسلل النوتات إلى الآذان وتنتشر عبرها في كل أرجاء الجسد لتسري في الجسد قشعريرة تتأرجح معها الروح ناشدة التحرّر، فـ"يتجلّى القلب" لأنوار الغيب، وترتّل غجرية لا تعيقها الحدود كلمات لاجئ سوري في ألمانيا، وتنبعث نغمات الكمان والقانون والكونترباص كأنّها تتسابق نحو السماء، تعقبها الآلات الإيقاعية لتنشئ نسقًا موسيقيًا يحثّ على الرقص.

تسافر نغمات القانون الرقيقة والعذبة بالجمهور إلى عوالم  الحب وما ينطوي عليه من هجر ووصال، وتؤنسها نغمات الكمان العاشقة، قبل أن تغنيّ غالية " يا مسافر وحدك" وفي "انتظارك" وتتساءل "كيف التقينا"، وتحمل " الحب بين صبوع الروح"، تتمايل وتطبق جفنيها في سلام "فالله يكن في عيني غالية".

وحاكت النوتات جنون غالية بنعلي على المسرح وهي تغنّي "نوح الحمام"، وكانت على الركح حمامة لا تكل أجنحتها الخفقان، تحطّ الحمامة وتنصت لجمهورها يغنّي"لاموني اللي غاروا مني"، ويسكب زياد الزواري موسيقاه المسكرة في المكان، وتنصاع "ابنة الريح" لرغبة جمهورها الذي رماها بالفل.

[[{"fid":"101126","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":332,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

وهي تغنّي، تتبادل غالية بنعلي الأحاديث مع الآلات الموسيقية المصاحبة لها (الصفحة الرسمية لمهرجان الحمامات الدولي بالفيسبوك)

هي غجرية، يأسرها الجنون والحرّية، فغنّت "أنا حرة"، غنّت لنساء تونس وكل نساء الدنيا ورقصت وانتشت وهي تكسر كل القيود بصوتها.

وهي تغنّي، تتبادل غالية بنعلي الأحاديث مع الآلات الموسيقية المصاحبة لها، تغازل القانون، وتشاكس "الدربوكة: والإيقاع، تداعب الكونترباص وتناجي الكمان، فتكون الموسيقشى مزيجًا من "الجاز" و"السيتار" و" الفلامنكو" والإيقاعات المغربية والشرقية، يرافقها صوت غجرية تعانق الكون بموشّح " هيّمتني تيّمتني" فتسكر جمهورها دون كأس، وتسكره مرة أخرى بأغنية من الجنوب " ياسيدي يا بابا"، وهي أغنية ضاربة في التصوف، راودت أرواح الجمهور فسالت منهم الزغاريد.

ورغم أنّ حبل الانسجام كان ينقطع أحيانًا بين العازفين في الفرقة، وربّما يعود ذلك إلى الإشكالات التقنية التي واجهت عرض غالية بنعلي في اختتام مهرجان الحمامات الدولي، إذ كانت فكرة إلغاء العرض قائمة بسبب الأمطار التي انجلت لتطرب "ابنة الريح" جمهورها، إلا أنّ العرض نجح في شدّ الجمهور الذي رابط بمسرح الحمامات منذ الساعة التاسعة مساء وانتظر "السندريلا" إلى حدود منتصف الليل وواصل معها السمر إلى الساعة الثانية صباحًا.

وإن كنت تتساءل عن سبب اعتصام الجمهور بصبر أيوب، فإن الإجابة ستكون تفرّد غالية بنعلي، الفنانة العفوية التي مازحت جمهورها، الفنانة التي تعزف على أوتار قلبك وتدفعك على الرقص على أصابع روحك، هي الفنانة التي تستفز باطنك، تحوّل ذاتك إلى ذرات، ثم تتشكل من جديد وقد امتلأ داخلك بنور الله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرسال خليفة.. الأيقونة التي مسّها شرخ

على دفتر العود إلى مسرح قرطاج.. أمينة فاخت تكتب "سجّل.. أنا الديفا"