25-ديسمبر-2019

باتت تنتشر أجواء احتفالات "الكريسماس" في تونس خاصة في الفضاءات العامة (صورة تقريبية/ getty)

 

ما إن تطأ قدمك هذه الأيام سوق "بومنديل"، أحد الأسواق الشعبية بالعاصمة التونسية، حتى تلاحظ كمًّا هائلًا من السّلع المخصّصة للاحتفالات بـ"الكريسماس" أو سهرة رأس السنة الميلادية: أشجار صنوبر، وزينة، وأضواء، وملابس "بابا نوال"، وكل ما يؤثّث سهرة مثاليّة وسط مجتمع مسلم بات يؤثر مقاسمة المسيحيين طقوسهم الاحتفالية.

تحتّل شجرة الصنوبر المتأنّقة بأضوائها وأجراسها جزءًا كبيرًا من المشهد العام في بعض المحلات ويتسابق الجميع لالتقاط الصور التذكاريّة بجانبها

ولئن كان أغلب المتسوّقين من التونسيين، إلّا أنّك قد تجد بعض الأجانب الذين يحاولون إيجاد روح عيدهم في هذه الأسواق. وبين مستلزمات الزينة والهدايا، أصبحت هذه الاحتفالات تجاريّة بامتياز وتحرّك أجواء الأسواق الراكدة في فصل الشتاء. فكيف هي أجواء "الكريسماس" في تونس؟ وكيف يحتفل بها المسيحيون التونسيّون وكيف يعيشها الأجانب المقيمون؟ وكيف يعيش التونسيون عمومًا هذه الأجواء؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الضمير في تونس.. حبر على ورق الدستور؟

"الكريسماس" مناسبة للتغيير عند بعض المسلمين

أينما تتجوّل في المحلات أو الفضاءات التجارية الكبرى وحتى في بعض المطاعم والمقاهي، تحتّل شجرة الصنوبر المتأنّقة بأضوائها وأجراسها جزءًا كبيرًا من المشهد العام ويتسابق الجميع لالتقاط الصور التذكاريّة بجانبها. وقد بدأت هذه المشاهد تنتشر عامًا بعد عام عند التونسيين، وأضحت هذه العادة جزءًا من العادات الراسخة عند البعض.

في إحدى الفضاءات التجارية بالضاحية الجنوبية، قابلنا حنان النفاتي (41 سنة، مسؤولة بشركة) وهي بصدد شراء هدايا من أحد المحلّات، متحدثة لـ"ألترا تونس" أنّها تحتفل بهذه المناسبة منذ عشرة أعوام تقريبًا خاصّة وأنّ مجال عملها هو السياحة لذلك فقد أخذت هذه العادة من السياح الذين تتعامل معهم ووجدت الأمر ممتعًا ومسليًّا، على حدّ تعبيرها.

حنان النفاتي (مواطنة تونسية) لـ"ألترا تونس": أنفق ما يقارب الألف دينار بين الشجرة وزينتها والهدايا والعشاء

وتضيف حنان " اشتريت شجرة الصنوبر منذ أسبوع وزيّنتها رفقة أبنائي وعادة ما أعدّ عشاء خاصًّا بهذه المناسبة على الطريقة الفرنيسيّة. وكما ترون هذه الهدايا لأبنائي الذين أخبرهم أنّ "بابا نوال" هو من جلبها لهم بسبب سلوكهم الجيّد على امتداد العام. ولا يجدون هذا الأمر غريبًا لأنهم يرتادون مدرسة فرنسيّة وهم متأثرون بهذه الثقافة".

وعن المصاريف، تقول محدّثتنا إنّها تنفق ما يقارب الألف دينار بين الشجرة وزينتها والهدايا والعشاء مضيفة أنّها كانت تجد مشكلًا في الحصول على المستلزمات في الماضي لذلك كانت تضطرّ لشرائها من دول أوروبيّة ومنذ خمس سنوات أصبح كلّ شيء متوفّرًا في الأسواق التونسيّة لكن بأسعار مرتفعة مقارنة بالخارج.

وتختم حنان حديثها قائلة إنّها تعتزّ بديانتها كمسلمة لكنّها وجدت هذا العيد فرصة للتغيير والتجديد مبينة أنّ عيد الميلاد أصبح ظاهرة ثقافية بالنسبة للعديد من التونسيين لدرجة أن الروابط الدينية والخلفية التاريخية تنسى أحيانًا فبالنسبة للكثيرين فإنّ عيد الميلاد هو مناسبة للمتعة والاجتماع مع العائلة، على حدّ تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: بهائيو تونس.. بين تجاهل السلطة والتعايش المنقوص

أنيس حبيب (مسيحي تونسي): "نوال" ليس شجرة صنوبر وهدايا وأضواء

أنيس حبيب، شاب تونسي من أسرة تعتنق الديانة المسيحيّة، يتحدّث عن احتفالات الكريسماس في تونس فيقول إنّ الشعب التونسي كوّن فكرة على الكريسماس من الإعلام الغربي الذي لا يمتّ لأصل العيد بشيء، فالكريسماس ليس شجرة صنوبر وديكًا روميًّا وغيرها من الأشياء التجارية.

ويضيف أنّ الاحتفال في الدول العربيّة له عديد الأبعاد الروحيّة إذ تجتمع الطائفة المسيحيّة بالكنيسة ويستمعون للـ "Messe de noël" والتي تشبه خطبة الجمعة عند المسلمين والتي عادة ما تكون مرتبطة بالوضع الحيني للبلاد أو آخر الأخبار المتعلّقة بالمسيحيين.

أنيس حبيب (مسيحي تونسي) لـ"ألترا تونس": الشعب التونسي كوّن فكرة على الكريسماس من الإعلام الغربي الذي لا يمتّ لأصل العيد بشيء

"عمرنا لا حسّينا لا بقلق ولا بخطر أو أنّنا مهدّدون في تونس"، هكذا ينفي أنيس وجود أيّ إشكال في ممارسة شعائر وطقوس العيد حتى من قبل الثورة التونسيّة، منوهًا بالحضور الأمني المكثّف ومؤكّدًا أنّ العمليّات الإرهابيّة عادة ما تكون في الأماكن السياحيّة وليس أماكن العبادة، حسب قوله.

وأكّد محدّثنا أنّ القلق الوحيد الذي يتعرّض إليه هو قلق اجتماعيّ من طرف بعض الأشخاص الذين يستاؤون من الصليب الذي يحمله وهذا بجهل منهم وقلّة علم، معتبرًا أنه على وزارة الشؤون الدينيّة أن تدرج التربية الدينيّة في المناهج الدراسيّة لتثقيف الناس حول الديانات الأخرى "لأنّنا عباد اللّه ولنا نفس القواعد نطبّقها لنعيش في حيّ وسلام"، على حدّ تعبيره.

وعن ظاهرة احتفال المسلمين بالكريسماس، يؤكّد أنيس حبيب أنّ المسيحيين في تونس يعيشون بنمط المسلمين ويشاركونهم أعيادهم الإسلاميّة ولهم دراية كبيرة باحتفالاتهم وطقوسهم داعيًا المسلمين إلى الاطلاع أكثر على جوهر الديانة المسيحيّة التي يعتبرها جزءًا من 3000 سنة التونسيّة لأنّهم لا يهتمون بها سوى في "نوال". وختم حديثه قائلًا "المهمّ أن يسعد التونسيون بمختلف طوائفهم في جميع المناسبات الدينيّة".

سينيا كرم (مسيحية مقيمة بتونس): البعض لا يميّز بين "الكريسماس" والاحتفال برأس السنة الميلادية

من جهة أخرى، تؤكّد سينتيا كرم (30 سنة) لبنانيّة مسيحيّة مقيمة في تونس منذ سنتين، أنّ الاحتفال بالكريسماس في تونس يختلف عن الاحتفال به في لبنان إذ أنّ روح العيد تغيب في تونس مضيفة "في لبنان تشعر بأجواء العيد وتكون كل الشوارع والطرقات مزينة بأشجار "نويل" وبالأضواء". 

وتضيف "تشعر بالحياة وببهجة العيد في وجوه المارة وعند تجوالهم بين المحلات وفي الأسواق لشراء مقتضيات العيد من ملابس وطعام، صحيح أنه في تونس تزيّن بعض المحلات التجارية بالأشجار لكن ذلك يختلف فالهدف هنا تسويقي تجاري بحت بينما في لبنان يندرج ذلك ضمن طقوسنا وعاداتنا".

سينتيا كرم (لبنانية مقيمة بتونس) لـ"ألترا تونس": من الجميل رؤية المسلمين التونسيين ينخرطون في الاحتفال بالكريسماس

وفي علاقة ممارسة الطقوس الاحتفاليّة، تؤكّد محدّثتنا أنّها لم تتعرض يومًا للمضايقة من أحد وأنها لا تجد إشكالًا للتوجّه للكنيسة لممارسة شعائرها، "ربما لأنني أجنبية "(تقولها مازحة)، وتضيف أنّ لديها صديقًا تونسيًا مسيحيًا كثيرًا ما يتعرّض للمضايقات خاصة أنه دائمًا ما يرتدي قلادة تحمل الصليب، على حدّ تعبيرها.

وعن رأيها في احتفال المسلمين بهذه المناسبة، تقول "من الجميل رؤية المسلمين التونسيين ينخرطون في الاحتفال بالكريسماس، فالجميع بحاجة لسبب للاحتفال، لكن المؤسف أن جلّ التونسيين لا يعون أهمية هذا العيد بالنسبة لنا كمسيحيين. واحتفالهم قد يقتصر على شجرة لتزيين منازلهم واقتناء الهدايا لأفراد عائلاتهم، ولكن معظمهم لا يعون رمزية هذا الاحتفال بالنسبة إلينا أو رمزية الشجرة". وتضيف أنها كانت تتمنى أن يطلع التونسيون أكثر على رمزية العيد حتى يفهموا روحه ويواصلوا الاحتفالات مع المسيحيين خاصّة أنّ البعض لا يميّز بين "الكريسماس" والاحتفال برأس السنة الميلادية، وفق تأكيدها.

وتختم سينتيا حديثها لـ"ألترا تونس" قائلة: "من الجميل في كل الحالات رؤية انخراط التونسيين في الاحتفال فهذا يدلّ على مدى تسامحهم وانفتاحهم على الآخر". وتؤكّد أنها تحب المجتمع التونسي وتحترمه وتحترم عاداته وتقاليده، لكنها تتمنى بمناسبة هذا العيد أن يصبح أكثر انفتاحًا وأن يتقبّل الآخر المسيحي، خاصة التونسي، فهو في نهاية المطاف تونسي مثله لكنه نشأ أو ربما اختار ديانة أخرى وهذا أحد حقوقه الطبيعية، على حدّ تعبيرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دواميس سوسة.. أسرار سراديب الموتى ورحلة البحث عن "الراعي الطيب"

 

"الشرمولة".. سيّدة موائد عيد الفطر في صفاقس