10-سبتمبر-2018

عرائس السكر والمكسرات جاهزة للبيع بمناسبة رأس السنة الهجرية

 

في هذا الوقت من كل سنة وبشكل خاص، أتذكر ذات الفتاة الصغيرة التي كنت. تعود بي الذاكرة إلى تفاصيل المكان في مدينة نابل وجزئياته، ذات الكلمات المتذمرة والبسيطة من فتاة التسع سنوات تطلب "عروسة سكر" وتتفنن في طلبها: تختار الألوان والشكل المميز وتتثبت من سلامة "العروس" من أي خدش أو كسر وتتذمر من "تفاهات" لم أعد أذكرها الآن بدقة لأني عليمة بأنها لم تعد مهمة بقدر أهمية أن أحظى بـ"عروسة سكر" جديدة رغم تقدم العمر.

احتفالات عرائس السكر في نابل لا تقتصر على يوم رأس السنة الهجرية أو اليوم السابق له. يتعلق الأمر باحتفالات تمتد لعدة أيام وأحيانًا لأسبوع كامل. ينتشر باعة عرائس السكر في عدة أماكن لعرض منتجاتهم التي تتميز بألوانها المبهجة وتعيش مناطق توفرهم حركية كثيفة خلال تلك الأيام. في هذه السنة، انطلقت فعاليات الدورة 11 لمهرجان عرائس السكر بنابل، يوم الأحد 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، والذي تنظمه جمعية صيانة المدينة بنابل ولا يقتصر المهرجان على عرض عرائس السكر إذ يتضمن أيضًا محاضرات حول تاريخ عرائس السكر وبعض العروض الترفيهية للأطفال.

طالما كررت جدتي على مسامعي أنني محظوظة فوحدها وحيدة أبويها، كما تقول الجدة، تحظى بمثرد مرتفع التكلفة من حيث جودة محتوياته من حلوى مستوردة عادة ومكسرات متنوعة

من المغالطة القول إن رأس السنة الهجرية مرتبط في ذهني فقط بعروس السكر. ففي مسقط رأسي ولاية نابل، للاحتفال بهذه المناسبة أوجه مختلفة. "مثرد" الأطفال لا يفارقني في هذه المناسبة أيضًا. فيه شيء من البهجة النادرة، تتوسطه عادة عروس السكر، التي قد تتخذ أشكالاً وألوانًا مختلفة (ربما أشهرها أشكال الحصان، السمكة، العروس، الديك والغزال)، وتُحاط عروس السكر بالمكسرات والحلوى. كان المثرد بالنسبة لي بدايات تلمسي واقع الطبقية الذي نعيش.

اقرأ/ي أيضًا: المولد النبوي في تونس.. احتفالات وطقوس

طالما كررت جدتي على مسامعي أنني محظوظة فوحدها وحيدة أبويها، كما تقول الجدة، تحظى بمثرد مرتفع التكلفة من حيث جودة محتوياته من حلوى مستوردة عادة ومكسرات متنوعة ومن أجود الأصناف. كان والدي حريصًا، على توفير مكونات "مثردي" من أجود المكسرات وكُنت متطلبة لا أراعي في مثردي أي ظروف مادية. وكم يثير ذلك استهزائي خلال السنوات الأخيرة.

 

عروس السكر

عروس السكر (نائلة الحامي/ألترا تونس)

 

من عادات "النوابلية" أيضًا كسر عروس السكر في يوم عاشوراء. لا أعرف تفسيرهم لهذا الأمر. سألت خلال السنوات الأخيرة ولا أحد من الكهول أجابني. لو علمنا كم سنخسر من موروثنا بموت البعض من "الكبار" لما توقفنا عن الأسئلة صغارًا لكننا كنا مطيعين وهذا ما طلبه "الكبار" فكيف نعارض؟

أذكر أنني طرحت أسئلة عدة، قبل أن أبلغ سن العشرين فأنشغل في تُراهات أخرى، وكانت أسئلتي في مسائل تخص موروثنا وعاداتنا وطالما سمعت ردًا طريفًا: "ما الفائدة من هذه الأسئلة إلا وجع الرأس في هذا الحر الصيفي، لن تكتشفي بهذه الإجابات قارة جديدة، اتركي "الكبار" واهتمي بدراستك أفضل أو اقرئي قصة!". في الحقيقة، واجهت والدي منذ سنوات، أنني اهتممت بدراستي وقرأت قصصًا لكنني لم أكتشف قارة جديدة على كل حال ولا علمت عديد الإجابات التي كانت ولا تزال في نظري مهمة، لكنه شعر بالسخرية ولم يجب.. مات جل "الكبار" المحيطين بي ودفنوا معهم موروثًا لا ماديًا واسعًا ولا ندري أحيانًا حجم الخسارة.

لو علمنا كم سنخسر من موروثنا بموت البعض من "الكبار" لما توقفنا عن الأسئلة صغارًا لكننا كنا مطيعين وهذا ما طلبه "الكبار" فكيف نعارض؟

أما تحضير "العروسة" أي عروس السكر فهو عالم آخر من التفاصيل التي لا تقل بهجة، حضرت الأمر في مناسبة واحدة لكن طريقة الإعداد ترافقني لليوم وإن نسيت ربما بعض التفاصيل. أذكر أن خليطًا يتم تجهيزه للغرض من مسحوق السكر والماء وروح الليمون وأنه يُطبخ لوقت معيّن حتى ينضج السكر ويكتسب بياضًا جميلًا، ثم يوضع في قوالب ليتخذ أشكالاً محددة ويلوّن بأصباغ يُقال إنها صحية إذ عادة ما يتناول الأطفال سكر "عروس السكر" بعد تحطيمها أو تستعمله العائلة لإعداد الشاي أو غيره، لكن الشكوك حول الألوان المعتمدة وجودتها ومدى مراقبتها صحيًا لم تغب يومًا.

اقرأ/ي أيضًا: "أوسّو نحّيلي الداء الي نحسّو": مهرجان"أوسّو" شاهد على المخيال الشعبي

 

مثرد

مثرد  (نائلة الحامي/ألترا تونس)

 

يُودّع الناس في مدينتي السنة الهجرية السابقة في آخر أيامها بـ"كسكسي راس العام العربي" كما يطلقون عليه. لا يشبه هذا الكسكسي المُتداول من "الكسكسي" الذي يُطهى في سائر أيام السنة. تختلف التوابل المعتمدة لتحضيره. لا يتضمن خضارًا عادة أو على الأقل بذات كثافة وجودها في الكسكسي المألوف. يعتمد في تجهيزه على الفول والكركم والزعفران والقديد (لحم مجفف في الشمس، أضيف له ملح وكركم) والعصبان المجفف. ويُزين عادة بالبيض المسلوق وبعض المكسرات والزبيب وأحيانًا بالحلوى أيضًا.

وهي عادة تحضر في ولايات عدة ولا تقتصر على جهة نابل ولكن بإضافات مختلفة وتمظهرات متباينة قليلًا من ولاية إلى أخرى. هكذا يقفلون بالمقفول والكسكسي سنة ويودعونها. أما استقبال السنة الجديدة فعادة ما يرتبط بأكلة الملوخية، تبركًا بلونها الأخضر لاستقبال "سنة جديدة خضراء" وفق العادات. وفي جهات تونسية أخرى، طالما سمعت من الأهل أن هناك من يطبخ "العصيدة العربي" في مستهل السنة الجديدة استبشارًا بلونها الأبيض وتبركًا به. ويستغل البعض هذه المناسبة أيضًا لعقد حفلات الخطوبة مثلاً أو عقد القران وهي عادة في بعض المدن التونسية.

كسكسي رأس السنة الهجرية

كسكسي رأس السنة الهجرية (ويكيبيديا)

طالما انتشر القول إن التونسيين أهملوا هذا العيد، أي الاحتفال بالسنة الهجرية الجديدة، على عكس تصاعد الاحتفالات في مناسبات أخرى كرأس السنة الميلادية مثلاً، لكن الأغلب أنهم يحتاجون مناسبات عديدة للفرح وأنهم لن يتخلفوا عن إحداها وإن كانت مظاهر الاحتفال الظاهرة في مناسبة ما أوضح من غيرها لكن التونسي، الذي أعرفه، لا يضيع فرصة للفرح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس

الملح "ربح" والفحم "بياض".. ميراث التخلّف في تونس