11-مايو-2023
جربة

كيْل الاتهامات لخصوم سياسيين دون دليل مادي مقنع، لا يمثل سوى تخبط لإيديولوجيا البعض (Nicolas Fauqué /Getty)

مقال رأي 

 

 الإرهاب كغيره من العمليات الإجرامية التي تهدد أمن المجتمعات وتمس من سلامة أفراده. وعادة ما تعرف الدولة -سلطة ومواطنين- من بعدها وحدة اجتماعية وسياسية ينسى فيها الفرقاء اختلافاتهم وخصوماتهم. هذه الوحدة التي تعبر عن تسقيف لكل أشكال الاختلاف والخلاف والسعي الدائم للحفاظ على أرضية مشتركة دائمة، عادة ما تكون الأرض والوطن وسلامتهما. 

وجد البعض من المتأدلجين فرصة في استثمار الإرهاب وغيرها من الأزمات لتشويه خصوم سياسيين ومحاولة تأليب الرأي العام

وكان الإرهاب في عديد المحطات عبر تاريخه الحافل بالدم مناسبة لتوحيد المختلفين وحافزًا نحو الجلوس على طاولة الحوار لحل أزمات وإشكاليات سياسية جانبية. وقد عرفت تونس هذا العرف في عديد المرات خلال السنوات الأخيرة. 

وبما أن العرف "قاعدة متغيرة" و"غير مُلزمة"، فقد وجد البعض من المتأدلجين فرصة في استثمار الإرهاب وغيره من الأزمات لتشويه خصوم سياسيين ومحاولة تأليب الرأي العام.

وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن يرى الشعب وحدة صف لـ"نخبة سياسية" تتصدر المشهد وتمثل تطلعاته خصوصًا بعد عملية جربة، يخرج حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد "المنقسم على مؤتمرين" عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي في بيان أمضاه منجي الرحوي أمين عام ما بعد أحد المؤتمرين، ليكيل التهم لحركة النهضة ويتهمها بكونها السبب والمسؤول الرئيسي عن العملية التي جدت ليلة الأربعاء في أغير جربة

 

 

ولم يكن هذا البيان وحده الذي وجه الاتهام لحركة النهضة، فقد تواترت ردود الفعل التي تحدثت علنًا أو في الخفاء ببيانات رسمية أو تصريحات إعلامية عن مسؤولية حركة النهضة، وأن العملية ليست سوى رد فعل عما يعتبره الكثيرون "تصحيح مسار" و"تطهير البلاد". 

ويبدو أن المتعطشين للاستئصال كانوا ينتظرون أن تكون هذه العملية بداية لموجة اعتقالات واسعة لمنتسبي حركة النهضة. وربما قد رأى فيها البعض فرصة مواتية لتبني توصيف حركة النهضة بالإرهابية من قبل الجهات الرسمية. إلا أن البيانات الرسمية وتصريح رئيس الدولة في ختام اجتماع مجلس الأمن القومي والذي وصف العملية بالـ"الإجرامية" جاء مخيبًا لآمال هؤلاء السياسيين.

يبدو أن المتعطشين للاستئصال كانوا ينتظرون أن تكون عملية جربة بداية لموجة اعتقالات واسعة لمنتسبي حركة النهضة

ومن الواضح أن هذا التشويه تجاوز كونه جزءًا من خصومة سياسة عابرة، بل كان الهدف من ورائه كسب جملة من النقاط السياسية أهمها تحجيم حركة النهضة شعبيًا.

إنّ الخطابات التي يستعملها خصوم النهضة خطابات مبنية على إثارة أحاسيس الخوف من النهضة واستعطافهم لمعاداتها. كما تأتي هذه الخطابات في إطار محاولة البعض من متهميها لتبييض صورتهم.

خطاب الاستقطاب دخل في الخطابات المنسية في جوف التاريخ في كل دول العالم التي أصبحت اختلافاتها مبنية على رؤى متغيرة بتغير المعطيات، بعد أن كانت مبنية على أفكار سياسية وإيديولوجية متجمدة

هذا دون أن نتناسى أن الخطاب السياسي في تونس منذ 2011 تحول من خطاب تنافس لكسب ثقة الشعب بعنوان ديمقراطية/ديكتاتورية إلى خطاب استقطاب عنوانه نهضة/ضد نهضة ولا يسمح بوجود خطاب خارج هذا الإطار. لذلك فمن الواضح أن أي حادثة في تونس ستدخل ضمن هذا الخطاب ولو كانت لا علاقة لها بعالم السياسة.

ختامًا، إن هذا الخطاب التحريضي وإن كان مقنعًا في حينها لعموم الشعب الغارق في دوامة الاستقطاب، فهو لن يكون كذلك أمام الجهات القضائية. مع أن خطاب الاستقطاب دخل في الخطابات المنسية في جوف التاريخ في كل دول العالم التي أصبحت اختلافاتها مبنية على رؤى متغيرة بتغير المعطيات، بعد أن كانت مبنية على أفكار سياسية وايديولوجية متجمدة. لذلك فإن البيانات التي تعمل على كيْل الاتهامات لخصوم سياسيين دون دليل مادي مقنع، لا تمثل سوى تخبط لإيديولوجيا رفض أكاديميوها تجويدها والبحث عن حلول لأزماتها المتعددة.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"