بعد ثلاثة أشهر منذ انطلاق الموسم الدراسي الحالي 2018/2019، غادر تلميذ الباكلوريا كريم الرحالي معهده العمومي، الذي درس فيه لما يزيد عن خمس سنوات، لم يغادره انقطاعًا عن الدراسة، وإنما غادره نحو آخر خاص. لم يكن هذا خيار كريم، ولكن يقول والداه أنهما اضطرا للإقدام على هذه الخطوة ليواصل ابنهما الدراسة في ظروف طيبة خاصة وأنه يستعد لامتحانات الباكالوريا نهاية السنة، وتحدثنا سامية والدة كريم أنها اضطرت إلى الاقتراض من البنك حتى تستطيع دفع تكاليف المعهد الخاص.
وتضيف، في حديثها لـ"الترا تونس"، أنّها وجدت مكانًا شاغرًا لابنها في أحد المعاهد الخاصة بصعوبة، لاسيما وأنّ التحاقه بالمعهد لم يكن منذ انطلاق السنة الدراسية، ولكنّها اضطرت إلى ذلك منذ شهر تقريبًا ليتمكن من إجراء امتحانات الثلاثي الثاني ومحاولة تدارك الأمر، وفق قولها.
سامية (والدة تلميذ في الباكالوريا): اضطررت لإلحاق ابني بمعهد خاص ليتمكن من إجراء امتحانات الثلاثي الثاني وتدارك الأمر قبل إجراء المناظرة
ربّما ساعدتها امكانياتها وظروفها المهنية على الاقتراض من البنك لإنقاذ ابنها من سنة بيضاء، لكن آلاف العائلات التونسية، المحتجة على مقاطعة الامتحانات بالمعاهد العمومية، غير قادرة على تكبد مصاريف التعليم الخاص. فيما تؤكد عديد العائلات الأخرى عدم ثقتها في هذا التعليم.
اقرأ/ي أيضًا: فوضى وامتحانات غير مراقبة: أيّ مصداقية للتعليم العالي الخاص؟
يشير عبد الرحمان، والد تلميذ بالسنة الأولى ثانوي، أنّه لم يكن يثق في التعليم الخاص نظرًا للنتائج السنوية التي تبين تدني نسب نجاح تلاميذ الباكلوريا من المعاهد الخاصة. لكنه يضيف قائلًا: "حتى لو كان المستوى التدريسي والتربوي في المعاهد الخاصة محلّ ثقة إلا أنّ أغلب الأولياء لا حيلة لهم ولا قدرة على تحمّل مصاريف قد تتجاوز الخمسة آلاف دينار للتلميذ الواحد في السنة".
ويؤكد محدثنا على حالة الإحباط لدى أغلب الأولياء بسبب الإشكال الحاصل بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية قائلًا: "ربّما للأساتذة الحق فيما يطالبون به، وربّما تكون الوزارة محقّة في تبريراتها بعدم القدرة على تلبية تلك المطالب، لكن ما ذنب أبنائنا، وما ذنبنا نحن إن كنّا غير قادرين على تحمّل مصاريف التعليم الخاص الذي بات اليوم على ما يبدو الحل الوحيد لاسيما وأنّ أزمة الأساتذة والوزارة تتجدد كل سنة".
التلميذ سيف النصيري (18 سنة) يدرس بالسنة الثالثة علوم يقول لـ "ألترا تونس" إنّه اضطر إلى الالتحاق بأحد المعاهد الخاصة منذ قرابة الشهر لمواصلة الدراسة لاسيما وأنّه سيلتحق السنة المقبلة بالباكلوريا، ولا يمكنه إضاعة سنة كاملة، حسب قوله.
عبد الرحمن (والد تلميذ): أغلب الأولياء لا حيلة لهم ولا قدرة على تحمّل مصاريف التعليم الخاص التي قد تتجاوز الخمسة آلاف دينار للتلميذ في السنة
وأشار سيف إلى أنّه يحاول اليوم تدارك الدروس ليجتاز امتحانات الثلاثي الثاني ليقع احتساب فقط الثلاثيتين الأخيرتين في المعهد الخاص، لاسيما وأنّه لم يتمكن بدوره من اجتياز امتحانات الثلاثي الأوّل.
أزمة التعليم الثانوي جعلت بعض العائلات تضطر إلى اللجوء إلى التعليم الخاص وما يعنيه ذلك من متطلبات مالية تدفع بعضهم إلى الاقتراض من البنوك أو الحرمان من بعض الكماليات، مقابل البحث عن جودة أفضل للتعليم بسبب مشاكل التعليم العمومي على مستوى انهيار البنية التحتية في عديد المؤسسات، وضعف الموارد البشرية لعدم وجود أساتذة في بعض المناطق وغياب الانضباط، وذلك إلى جانب تكرر اضطرابات الموسم الدراسي في السنوات الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: الأساتذة النواب يرفضون عقد "العبودية التربوية" الجديد
يذكر أنّ عدد المعاهد الخاصة بات يتجاوز 300 معهدًا ينتشر أغلبها في المدن الكبرى، فيما يبلغ عدد التلاميذ في تلك المعاهد 10 آلاف تلميذ، تصل تكلفة الدراسة للتلميذ الواحد حوالي 4 آلاف دينار في السنة أو أكثر بحسب المعهد.
وقد كانت المعاهد الخاصة فيما مضى ملاذًا للتلاميذ المطرودين من المعاهد العمومية بسبب سوء السلوك أو تكرار الرسوب، غير أن بعضها بات يستقبل اليوم التلاميذ المتفوقين أو ممن لا يواجه ببساطة أي عائق للالتحاق بالمعاهد العمومية. إذ يفضل عدد من الأولياء المدارس الخاصة هروبًا أيضًا من الاكتظاظ الموجود بالأقسام بالمدارس والمعاهد العمومية حيث يتحاوز أحيانًا عدد التلاميذ بالقسم الواحد الـ 35 تلميذًا.
ولم يعد التعليم الخاص حكرًا على الأغنياء وأصحاب الأموال بل أصبح وجهة أبناء الطبقة المتوسطة والتي يكون دخلها الشهري أقل من 1500 دينار، أو تلك التي تضطر إلى الاقتراض أو التداين لإلحاق أبنائها بالمعاهد الخاصة.
رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ لـ"الترا تونس": إذا استمر تعطل المفاوضات ولم يقع إجراء امتحانات الثلاثي الثاني سنكون أمام سنة بيضاء بالفعل
وأكد لنا رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني في حديثه لـ "ألترا تونس" أنّ الصراع اليوم بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية أثّر بشكل كبير على سير الدروس وإجراء الامتحانات.
وأضاف قائلًا: "الأزمة اليوم لم يسبق لها مثيل في السنوات الماضية التي شهدت اضطرابات في سير الدروس غير أنه كان يقع تدارك الأمر في كلّ مرّة وتجنب سنة بيضاء. لكنّ يبدو أنّه إذا استمر تعطل المفاوضات هذه المرة، ولم يقع إجراء امتحانات الثلاثي الثاني سنكون أمام سنة بيضاء بالفعل".
كما أشار محدثنا أنّ الجمعية التّونسية للأولياء والتّلاميذ عبّرت منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 عن قلق الأولياء بخصوص مواصلة حشر التلاميذ والمؤسسات التربوية في ملفّات ليست لهم أي علاقة بها.
وأكد رضا الزهروني، في ختام حديثه معنا، أن الأزمة الحالية ستؤثر سلبًا على معنويات التّلاميذ وعلى درجة تركيزهم وإعدادهم لامتحاناتهم وعلى استقرار المدرسة عمومًا، وذلك إذ لم يتمّ فعلًا إصلاح المنظومة التربوية التي تبدو اليوم في وضعية حرجة جدًا بسبب الاضطرابات وارتفاع منسوب العنف في المؤسسات التربوية وفقدان الثقة بين الأستاذ والتلميذ، وفق تأكيده.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تفضح مقابلات العمل سوق الشغل في تونس؟ (شهادات)
الأساتذة في يوم غضب: كرامتنا ليست للبيع!