03-سبتمبر-2018

من أبرز قادة النهضة العربية في القرن العشرين

الترا تونس - فريق التحرير

 

من المؤكد أن العديد من التونسيين قد سمعوا باسم عبد العزيز الثعالبي، مرّ عليهم في كتب التاريخ أو قرؤوا كتاباته أو اطلعوا على سيرته في مؤلف أو وثائقي. هو أحد أيقونات الشخصيات الوطنية التونسية التي ذاع صيتها عربيًا في بداية القرن العشرين، لنتعرف عليه في هذا العرض الموجز:

عبد العزيز الثعالبي هو زعيم سياسي ومصلح ديني يُعتبر من أهم قادة الحركة الإصلاحية في تونس والوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين. وُلد بتونس العاصمة بتاريخ 5 سبتمبر/أيلول 1876 ووفاه الأجل بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 1944 عن عمر 68 سنة.

نشأ في عائلة مشهورة بعلمها، فهو من أصول جزائرية وجده هو عبد الرحمن الثعالبي أحد قادة المقاومة الجزائرية إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830 حيث رفض منصب قاضي القضاة، ليغادر من حينها بجاية ويستقر في تونس. تخرج عبد العزيز الثعالبي من جامع الزيتونة سنة 1896 وسرعان ما انضم للشباب الناشط في حراك المقاومة ضد المحتل الفرنسي في تونس، وتابع دراسته في جامع الخلدونية.

الشيخ عبد العزيز الثعالبي هو من رواد الحركة الوطنية والإصلاحية في تونس إذ أسس الحزب الحر الدستوري وهو أيضًا من قادة حركة النهضة العربية

أسس جريدة عربية بعمر 19 سنة وقد أطلق عليها اسم "سبيل الرشاد" قبل أن يوقف المحتل إصدارها، قضى على إثرها فترة مسافرًا بين عديد بلدان المشرق واحتك برواد الإصلاح على غرار المُصلحين المصريين محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، فيما وصفته الصحافة الفلسطينية بأنه "ابن خلدون الجديد". وبعد رحلة لسنوات، استقر الثعالبي في تونس من جديد سنة 1904 ليبدأ في نشر أفكار الإصلاح، غير أنه واجه بعض الصعوبات في بيئة كانت لا تزال رافضة لهذه الأفكار وهو ما كلّفه السجن لمدة شهرين في جويلية/يوليو 1904 بتعلّة تلفّظه بعبارات منافية للدين الإسلامي.

وصفت الصحافة الفلسطينية الشيخ عبد العزيز الثعالبي بأنه "ابن خلدون الجديد"

بعد خروجه من السجن حينها، أراد الثعالبي تأليف كتاب للرد على منقديه ولكن لم يمكن له ذلك في تونس، فلجأ لإصداره في فرنسا، فكان كتابه الشهير "روح التحرر في القرآن" الذي صدر سنة 1905. انضم بعد ذلك لـ"النادي التونسي" الذي كان يضمّ خيرة من رجال الفكر والسياسة في تونس مثل علي باش حانبة وحسن قلاتي. غير أن الخطوة الأهم كانت بانضمامه لـ"حركة الشباب التونسي" التي تضم نخبة من الإصلاحيين في تونس، وتولى الثعالبي رئاسة تحرير نشرتها باللغة العربية. كما ترأس جريدة "الاتحاد الإسلامي" التي تخصّصت في مواجهة المستعمر الإيطالي الذي كان قد غزا ليبيا حينها. وقد استمرت حركة الشباب التونسي في نشاطها حتى سنة 1912 حينما اندلعت "أحداث الترامواي" ليقع القبض على عدد من قيادتها ونفيهم خارج تونس وكان من بينهم الثعالبي الذي عاد إلى موطنه لاحقًا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914.

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. الثعالبي جد النهضة والنداء؟

وبعد انتهاء هذه الحرب، عادت الحركة الوطنية لتنظيم صفوفها محاولة الاستفادة قدر الإمكان من إعلان الرئيس الأمريكي ويلسن مبدأ الاعتراف بحقّ الشّعوب في تقرير مصيرها. وقرّر الوطنيون التونسيون أن يعهدوا بمهمة عرض الملف التونسي على الحكومة الفرنسية إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي بات زعيم الحركة الوطنية في تونس بعد وفاة علي باش حانبة سنة 1918، وهو ما تمّ. وقد أصدر الثعالبي أوائل سنة 1920 كتابه الشهير "تونس الشهيدة" الذي لقي رواجًا منقطع النظير، وقد منعت السلطات الفرنسية ترويجه.

بات عبد العزيز الثعالبي زعيم الحركة الوطنية في تونس سنة 1918 وأسس الحزب الحر الدستوري سنة 1920 قبل أن يعود للمشرق العربي سنة 1923 ليمكث 14 سنة مساهمًا في الحركة الإصلاحية العربية

ولم تمر إلا بضعة أشهر حينها، حتى قرر الوطنيون المقاومون تكوين حزب لحمل لواء القضية التونسية، وتشكل بتاريخ 15 جوان/يونيو 1920 الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة الشيخ الثعالبي، لتنشأ من حينها الحركة الدستورية التي لا تزال لليوم عنوانًا سياسيًا بارزًا. وقد كانت الأغلبية الملتفة حول الثعالبي تطالب بإرساء دستور وتنفيذ المطالب الواردة في كتاب "تونس الشهيدة" على خلاف مجموعة حسن القلاتي الداعمة لإصلاحات المقيم الفرنسي لوسيان سان حينها، وقد انشقت هذه المجموعة لاحقًا مؤسسة "الحزب الإصلاحي". في الأثناء، حافظ الحزب الدستوري على بريقه ودعم التونسيين له غير أن السلطات الفرنسية واجهته بالقمع عبر منع الاجتماعات العامة وتعطيل الصحف واعتقال مناضليه وهو ما دفع بالشيخ الثعالبي للهجرة إلى المشرق من جديد سنة 1923.

وطالت الإقامة في المشرق العربي هذه المرة 14 سنة كاملة بزغ فيها اسم الثعالبي في أوساط الفكر والسياسة والثقافة، وقد عيّنه الملك فيصل، ملك العراق، مدرّسًا للفلسفة الإسلامية في جامعة آل بيت، ثم توجه إلى القاهرة سنة 1930 كمراقب للطلبة العراقيين في مصر، وإثرها تحوّل إلى فلسطين. وقد لعب الشيخ الثعالبي دورًا بارزًا في المؤتمر الاسلامي العام بالقدس الذي انعقد في سبتمبر/أيلول 1931، حتى تم تعيينه مكلّفًا بالدعاية والنشر وعضوًا في المكتب الدائم للمؤتمر.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. "الخلدونيّة" مدرسة التحديث والمقاومة

عاد لاحقًا الشيخ الثعالبي إلى تونس سنة 1937، وتم استقباله استقبالًا باهرًا من التونسيين، وكان الأمل أن يساهم مؤسس الحزب الدستوري في التوفيق بين قيادات اللّجنة التنفيذية (الحزب الدستوري القديم) وقيادات الديوان السياسي (الحزب الدستوري الجديد). وكان قد تأسس وقتها منذ 1934 الحزب الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري والطاهر صفر، غير أن محاولات الشيخ الثعالبي باءت بالفشل. وقد ألف كتيبًا بعنوان "الكلمة الحاسمة" يفسر فيه أسباب فشل توحيد الحزبين، فيما تبنّى تباعًا موقف اللجنة التنفيذية التي باتت تُعرف باسم الحزب القديم، وحدثت ملاسنات عبر الصحافة بينهم وبين الدستوريين الجدد، وهو ما جعله يتأثر وهو يعاين عدم قدرته على لم شمل التونسيين وهو ما جعله يبتعد عن الشأن السياسي لا سيما بعد أن أوقف الحزب القديم صحيفته إثر أحداث 1938.

ألف عبد العزيز الثعالبي عديد الكتب أهمها "تونس الشهيدة" وقد ابتعد عن الشأن السياسي سنة 1938 بعد فشله في التوفيق بين الحزب الدستوري القديم والحزب الدستوري الجديد

غير أنه استمر في نشاطه الفكري، حيث أصدر سنة 1938 الجزء الثاني من كتابه "معجز محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم"، وواصل تقديم الدروس للطلبة الزيتونيين رغم اشتداد مرض العضال عليه إلى أن وفاه الأجل يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول 1944 لتفقد الحركة الوطنية التونسية أحد أبرز رموزها، ولتفقد الساحة الإصلاحية في تونس والنهضة العربية واحدًا من أهم أصواتها ومعالمها.

وقد ترك الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعض مؤلّفات مخطوطة، احتفظ الدكتور أحمد بن ميلاد بقسم كبير منها "الرحلة اليمنية" و"تاريخ الهند" و"تاريخ الدولة الأموية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد الخضر الحسين.. شيخ علّامة تونسي ارتقى لمشيخة الأزهر

الذكرى الـ60 لاستشهاد مصباح الجربوع.. حمل السلاح ضد المحتل قبل الاستقلال وبعده