11-أبريل-2019

إقبال متزايد على عيادات طب التجميل في تونس (Getty)

 

"أنت حساسة جدًا إذًا فسوف تعرفين الشيخوخة المبكرة"، هذا ما قاله "عدوّ المرأة" أنيس منصور في روايته "مذكرات شابة غاضبة" وكأنّه يخيفها بآثار التقدّم في السنّ لمعرفته بمدى تعلّق المرأة بشكلها وجمالها وخوفها من أن تتقدّم في السن.

عندما يصل المرء إلى سن الثلاثين، يبدأ بالتدقيق في تفاصيل وجهه لمراقبة ظهور التجاعيد الأولى. وهذه هي اللحظة التي يبدأ البعض فيها باللجوء إلى الطب التجميلي وحقن "البوتوكس" وحمض "الهيالورونيك" لملء التجاعيد. هذا الهوس بالحفاظ على بشرة ناعمة بات إدمانًا خاصّة مع حملات إشهاريّة تحاول فرض "حظر الشيخوخة" بعبارات مثل "تخلّص من التجاعيد"، و"جدّد شبابك في أقلّ من 15 دقيقة"، و"اكتشف الليزر الذي يتحدّى الزمن!".

اقرأ/ي أيضًا: تونسيات: "لم أتزوج".. ولا أريد "لا ظل رجل ولا ظل حيط"!

لا أريد أن أبدو مثل امرأة في سنّ اليأس!

"لا أريد أن أبدو مثل امرأة في سنّ اليأس!"، صرخة من القلب لمريم (اسم مستعار)، امرأة في 45 من العمر وجدتها في غرفة انتظار إحدى عيادات الطب التجميلي في تونس، قاعة تضمّ مجموعة من السيّدات بعضهنّ في الأربعينيات والبعض الآخر في الخمسينيات وفيهنّ من لم تتجاوز حتى سنّ الثلاثين. سيّدات يحلمن بشباب دائم وأكبر خشية هي آثار التقدّم في السنّ على أجسادهن. وعلى الحائط، ملصقات تبرز مزايا أحدث التقنيات العصرية من الليزر و"الميزوثيرابي" والتقشير.

مريم (اسم مستعار): لم أكن أهتم بالتجاعيد التي على وجهي إلّا عندما صدمت بقصّة اكتشاف صديقة مقرّبة لخيانة زوجها مع فتاة عشرينيّة

تتحدّث مريم لـ"ألترا تونس" عن تجربتها قائلة "لم أكن أهتم بالتجاعيد التي على وجهي إلّا عندما صدمت بقصّة لإحدى صديقاتي المقرّبات والتي اكتشفت خيانة زوجها لها مع فتاة عشرينيّة. كان الأمر نقطة تحوّل كبيرة في حياتي خاصّة لمعرفتي بقدر الحبّ الذي يجمعهما. جرس إنذار دقّ في حياتي وأصبحت مهووسة بمظهري خوفًا من أن أتلقّى نفس الصفعة".

بدأت رحلة مريم بحقن "البوتوكس" التي تقلل من خطوط التعبير، من ثمّ تحولت إلى تقنية حمض "الهيالورونيك" الذي يساعد على سد الفجوات بين التجاعيد. وتضيف محدثتنا أنّ تأثير هذه الحقن فوري، مبينة "في ساعة واحدة فقط أشعر بالتحول. بشرتي ناعمة وأكثر إشراقًا، وأشعر أنني أشع". 

إقبال ملحوظ على جراحة التجميل

ازدهرت، في السنوات الأخيرة، الجراحة التجميلية، مما سمح لنا بمحو التجاعيد وآثار السنوات التي تجعلنا خائفين. وفي هذا الإطار، تقول الإخصائية في طب التجميل شيراز بوزقندة لـ"ألترا تونس" إنه منذ سنوات كان هناك إقبال كبير على جراحة التعويض وتقويم الجلدة المرتبطة أساسًا بالحوادث والحروق.

وبيّنت أنه في الآونة الأخير أصبح الإقبال ملحوظًا على جراحة التجميل التي كانت مقتصرة بالأساس على الطبقات الاجتماعية العليا، "من رجال أو نساء الأعمال وصولًا للمعينات المنزليّة الكلّ يبحث في التجميل عن استرجاع للشباب"، وفق تصريحاتها.

شيراز بوزقندة (إخصائية في طب التجميل): أغلبية المهتمين بطب التجميل يبحثون عن طرق لتدعيم ثقتهم بأنفسهم أو لتفادي آثار التقدّم في السن

اقرأ/ي أيضًا: زوجتي أكبر مني.. السرّ الذي أهرب منه

وتضيف الدكتورة شيراز أن الأعمار تتراوح من الثلاثينيات وصولاً للسبعينيات، "فالشباب يرتادون الطبّ التجميلي للوقاية من الشيخوخة المبكرّة فيما المتقدّمون في السنّ يلتجؤون إليها للتخلّص من التجاعيد وأثار التقدّم في السن".

وتؤكّد أخصائيّة طب التجميل أن المسألة ليست مقتصرة فقط على النساء فقط بل هناك من الرجال من يلتجئ إلى حقن "البوتوكس" أو تقنيات ملئ الفجوات بين التجاعيد.

وعن أسباب اللجوء إلى هذه التقنيات، توضح بوزقندة أن أغلبية المهتمين بطب التجميل يبحثون عن طرق لتدعيم ثقتهم بأنفسهم أو لتفادي آثار التقدّم في السن، ومنهم من يرتكز عملهم على الشكل أو على التواصل المباشر مع الناس فيضطرون للاعتناء بشكلهم بصفة دوريّة ويجدّدون جمالهم بدفع مبالغ طائلة في الجراحات التجميليّة. وهناك أقليّة من النساء اللاتي تبحثن عن إعادة حياتهن بعد انفصال أو طلاق، حسب تعبيرها.

بحث عن المتعة النفسية

يقول إخصائي جراحة التجميل مروان القاسمي، بدوره، إنّ الشعب التونسي يعيش حالة من القلق والإحباط بعد الثورة ويبحث عن أشياء تعيد له الإحساس في المتعة، لذلك فأغلب من يرتادون عيادته يبحثون عن المتعة النفسيّة، مضيفًا أنّ المرأة عند الأربعين تقترب من سنّ اليأس ويصبح عندها هوس بوجهها وخوف من تؤثّر عوارض الشيخوخة على علاقتها مع زوجها.

ويؤكّد قائلًا: "عديد النساء يخبرنني أنهنّ أمضين حياتهنّ في صرف أجورهن على العائلة والأبناء لذلك يحبّذن في هذه السن الاستثمار في جسدهنّ ومظهرهنّ فيما تبقى النسبة القليلة تقوم بعمليات التجميل فقط تقليدًا للأصدقاء أو الأقارب".

مروان القاسمي (إخصائي في جراحة التجميل): إدمان عمليات التجميل خطير

ويعرّج الدكتور قاسمي عن مسألة خطيرة وهي الإدمان فيقول إنّ هناك من النساء من تقوم بالحقن كلّ ثلاثة أسابيع والبعض منهنّ تستقلّ الطائرة وتصرف ما يقارب الثلاث آلاف دينار فقط من أجل حقنة وذلك لرفضهنّ الرجوع إلى الحالة الأولى التي كان عليها الوجه أو الجسم. ويضيف في حديثه معنا أنّه رغم محاولاته المتكرّرة لإبراز الآثار السلبيّة لهذا الإدمان وتأثيره في فقدان الملامح الأصليّة للوجه إلاّ أنّ رغبة مريضاته تزداد أكثر وتصبح طلباتهنّ أكثر تطلّبًا.

اقرأ/ي أيضًا: "الطفلة بلا مكياج كالكرهبة بلا لفاج".. هل يثق الرجل في جمال التونسية؟

لا يزال الحديث في طبّ التجميل من المحرّمات. ورغم أنّه يهمّ العديد من الرجال والنسّاء إلا أنّهم يرفضون الحديث عنه أو البوح به حتّى لأقرب الناس. ويؤكّد أخصائي التجميل هذه النقطة قائلًا: "أغلب من يرتاد عيادتي يخفون الأمر عن أزواجهم أو زوجاتهم ويخجلون من الحديث في الأمر. ففي بعض الأحيان يزورني أشخاص من نفس العائلة ويترجونني أن لا أفشي هذا الأمر".

ويشير إلى أن المشاهير والأشخاص من الوسط الفنيّ هم أكثر من يتحفّظ على هذا الأمر ويطلبون مواعيد خاصّة بعيدًا عن أعين الناس.

نمذجة صورة المرأة الجميلة

الرغبة في تأخير الشيخوخة وتمديد فترة الشباب تختلف من شخص لآخر حسب تنشئته النفسيّة وعلاقته بجسده. وفي هذا الإطار، تبيّن الأخصائيّة النفسيّة خولة بلدي لـ"ألترا تونس" أنّ وراء كلّ مطلب للتجميل مطلب نفسيّ يحدّد من خلال علاقة المريض بالعضو الذي يرغب في تحسينه ومن هنا تكون نقطة انطلاق المنهج النفسيّ.

وتؤّكد أنّ الأمر ينطلق من الطفولة حيث أنّ لرمزيّة الجلد دور أساسي للتكوين الهويّة الذاتيّة للطفل. وتتطوّر هذه الهويّة من خلال العلاقات التي تعزّز فيه الإحساس بالأمان والثقة بالنفس. وللأمّ دور أساسي لتدعيم هذه الصورة الجماليّة الذاتيّة من خلال عبارات الإثناء والشكر واللّمسات الحانية على الجلد.

خولة بلدي (إخصائية نفسية) لـ"ألترا تونس": الأزمة الوجوديّة التي يعيشها الشخص الذي يرفض الشيخوخة تعود إلى وجود تفاوت بين العمر وطريقة التفكير أو تفاوت بين المظهر والشخصيّة

فإذا تجاوز هذا الطفل سنّ المراهقة بنرجسيّة وهويّة هشّة فإنّ انفعالاته الجماليّة "capacité d’émotion esthétique" ستؤثّر على علاقاته وتقلّل ثقته في نفسه. ومن هنا تظهر الرغبات الملحّة لعمليات التجميل ليبقى جميلًا وجذّابًا في أعين الآخر وهي محاولة لاستعادة صورة منبوذة في الطفولة "Restauration d’une image de soi dévalorisé"، حسب قولها.

وتوضح بلدي أن الأزمة الوجوديّة التي يعيشها الشخص الذي يرفض الشيخوخة تعود إلى وجود تفاوت بين العمر وطريقة التفكير أو تفاوت بين المظهر والشخصيّة "Décalage entre le dedans et le dehors". ومن هنا تأتي المحاولات لتقليص ذالك التفاوت والتخلّص من هشاشة الهوية وصورة الذات من خلال الطب التجميلي.

وتضيف خولة البلدي أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في نمذجة صورة المرأة الجميلة من خلال الإعلانات والإشهار وهذا ما يجبر المرأة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإتباع هذا النموذج. وأشارت إلى أنّ تأخّر سن الزواج ومقولة "المرا تكبر قبل الراجل" وعديد الممارسات الاجتماعيّة ساهمت في انتشار هذه الظاهرة بالإضافة إلى السياسات الماليّة المتبعة من قبل الإخصائيين والتي تغري الجميع لخوض هذه التجربة.

 قد يعيد لك طبّ التجميل إحساسك بالشباب وقد يدفعك شعار "حظر الشيخوخة" للبحث عن كلّ السبل للتخلّص من أثارها، لكن قد تبقيك متأرجحًا ما بين ثنائيّة ترهّل الوجه وشباب الروح أو ترهّل الروح وشباب الجسد. ولا تنسى أنّ "التجاعيد في الوجه هي الصورة الباقية لابتسامات الماضي"، ومحاولة إخفائها هي طمس لذكريات وتجارب أمضينا مدّة من الزمن لحفر آثارها على أجسادنا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استراتجيات الرجال لإنهاء العلاقات مع النساء: "تستاهل ما خير؟"

شركات الزواج في تونس.. خطّابة العصر لزواج مسكوت عنه