26-أبريل-2020

خيمة عائلة محمّد في صحراء الظاهر بمدنين (أسماء البكوش/ألترا تونس)

 

في صحراء الظاهر ببني خداش التابعة لولاية مدنين، جنوبي شرق تونس، وعلى بعد أكثر من 500 كلم جنوب العاصمة، تصل سيارات من أحدث طراز محملة بالرحل والراحلة هروبًا من فيروس كورونا خاصة وأن الولاية سجلت أحد من أعلى نسب انتشار الفيروس في البلاد.

الخالة عائشة (65عامًا) أتت إلى هنا رفقة ابنها وعائلته وهي ممتنة للفيروس الذي أعادها إلى مسقط رأسها حيث ترعرعت ونشأت. تقول لـ"ألترا تونس" مازحة: "هذا الوباء اللعين خطير، لكن له مزايا على أبناء هذا الجيل الذين أهملوا أراضيهم والتحقوا بالمدن و ضجيجها".

محمد (40 عامًا): اكتشفنا أننا هجرنا الأمان والراحة بهجرة الصحراء نحو المدينة

يوافقها الرأي ابنها محمد (40 عاما) بالتربيت على كتفها مبتسمًا ثم يشرع في جمع الحطب ليطبخ وجبة الغداء بنفسه كي يشجع زوجته وأبناءه على تقبل الحياة هنا.

 صحراء الظاهر ببني خداش في ولاية مدنين (أسماء البكوش/ألترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا: تعافي الطبيعة في زمن الكورونا.. هل هو "عام السعد"؟

أما ابنتاه مها وسلمى، فقد قبعتا في ركن من أركان الخيمة وكأنك بهما في سجن قضبانه واسعة وسع تلك الربوع أمامهم لكن لا مفر منه.

غمغمت مها في أذن أختها: "ستفوت جميع حلقات مسلسلنا المفضل". سمعت حديثها أمها التي كانت ترتب المواعين وسط الخيمة فاقتربت منهما وقالت:"لا تقلقا ستتعودان على المكان سريعًا، انظرا إلى هذه الأزهار الصحراوية الرائعة واستنشقا هذا الهواء العليل فهنا لا وجود لفيروس كورونا على الأقل".

وتضيف الزوجة سالمة مخاطبة ابنتيها: "إنها فرصة لتطالعا الكتب وموادكم المدرسية في هدوء".

العائلة التي نصبت خيمتها في قلب المنطقة التي تجمع بين الجبال والأودية والصحراء تركت المدينة بحثًا عن السلامة والأمان عائدة إلى حياة البداوة حيث الأصول، هكذا يقول محمد.

يضيف محدثنا: "هنا أصلنا وهنا جذورنا هجرنا الصحراء باتجاه المدينة بحثًا عن الرفاهية والرخاء ولكننا اكتشفنا أننا هجرنا الأمان والراحة بهجرتها".

الطفلة مها تقرأ كتابًا لتمضية الوقت في الصحراء

 

يبيّن أنه دائمًا ما كانوا يتمنون العودة إلى حياة البادية وقضاء بعض الوقت ولكن لا تسمح لهم الظروف وارتباطات الدراسة والعمل غير أن فيروس كورونا مثل فرصة، كما يقول.

ورغم مصاعبها، تخبرنا الزوجة سالمة أن الصحراء تظل أرحم من انتقال العدوى والإصابة بالفيروس وفقدان الحياة، معتبرة القدوم إلى الصحراء من أشكال الوقاية والابتعاد عن الناس.

بالاعتماد على الطاقة الشمسية حينًا وعلى مصباح الزيت التقليدي حينا آخر، ينيرون خيمتهم ويسهرون على الحطب لتبادل أطراف الحديث، يتذكرون الأهل والأحباب وأيام الخوالي.

 تخبرنا الزوجة سالمة أن مصاعب الصحراء تظل أرحم من انتقال العدوى والإصابة بفيروس كورونا

وتنشد الجدة عائشة "غريب وجالي روح لوكرك يا غريب وجالي عمرت وكر الناس ووكرك خالي"، وتردد كنتها وابنها وأحفادها الموال التراثي بصوت شجي نقي كنقاء المكان ليتردد صداه في أرجاء هذه الأرض العذراء.

اقرأ/ي أيضًا: من "القلعة".. مصابة بكورونا تروي لـ"ألترا تونس" تجربتها وخفايا القرية الموبوءة

فيروس كورونا الذي ملأ الدنيا وحصد أرواح الآلاف حول العالم واستطاع أن يشل حركة سكان الكرة الأرضية وأن يقطع عصر السرعة في وقت وجير، أعاد أيضًا الناس إلى البداوة خوفًا من المدينة.

تقول الجدة لـ"ألترا تونس": "لم نكن نمرض ولم نكن نسمع بهذه الفيروسات. كنا نشرب لبن الماعز والإبل ونأكل زيت الزيتون وخبز القمح ومنه نصنع أطباقنا. كنا نتداوى بأعشاب الصحراء ونفترش الحصير وجلد الخرفان وصحتنا جيدة والحمد لله".

تفضّل الجدة عائشة الحياة في الصحراء على حياة المدن (أسماء البكوش/ألترا تونس)

 

وتضيف أن الأطفال والشباب اليوم منذ الصغر يعانون من الأمراض بسبب التلوث والأطباق الملونة والمصنعة والتي لا فائدة منها حسب رأيها.

ومع حلول شهر رمضان، تصر الطفلتان مها وسلمى على العودة  إلى المدينة في بيتهم لقضاء الشهر فيما تصر الجدة على البقاء هي وابنها في صحراء الظاهر من أجل الراحة والاستمتاع برعي أغنامهم التي كانت حبيسة الزريبة.

"تمر مجفف ولبن ماعز وبسيسة وزيت زيتون وشربة شعير وخبز على نار الحطب، هل يوجد أروع من هكذا مائدة في رمضان" يقول محمد ويختم حديثه معنا بقول عمر ابن الخطاب "اخشوشنوا فإن الحضارة لا تدوم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بدرجة مشرّف جدًا.. "ألترا تونس" يحاور طالبة نالت الدكتوراه من مركز للحجر الصحي

حوار| طبيبان من معهد باستور: فيروس كورونا يتغيّر ولقاح تونسي الصنع وارد