27-أغسطس-2015

ساهم صراع الزعامات في فشل مبادرات التقارب بين القوى الديمقراطية (أ.ف.ب)

يعتبر المتابعون للشأن العام التونسي أن الخاسر الأكبر بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة في تونس السنة الماضية، هو بالدرجة الأولى "الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية". ويصنف المحللون هذه الأحزاب ضمن تيار "يسار الوسط".

فبعد أن تحصلت هذه الأحزاب مجتمعة على قرابة 70 مقعدًا مع بداية فترة نشاط البرلمان السابق، المجلس الوطني التأسيسي، تشرين الأول/أكتوبر 2011، فإن عدد مقاعدها في البرلمان الحالي لم يتجاوز، وبإضافة الأحزاب المتفرعة عنها، حوالي 10 مقاعد فقط. ويقول المتابعون إن هذه النتائج غير مفاجأة بالنظر إلى التصدّعات التي عاشتها هذه الأحزاب وحالة التشتت الملازمة لها.

ومن أهم أحزاب "العائلة الديمقراطية الاجتماعية" في تونس، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات، والحزب الجمهوري، والتيار الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي، وحزب البناء الوطني.

لم تتحصل "الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية" إلا على 10 مقاعد في البرلمان الجديد

وتشترك أغلب الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في تونس في وحدة تاريخها النضالي ضد نظام بن علي، وساهم ذلك في تحقيقها نتائج جيدة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011. كما شارك حزبان منها هما المؤتمر والتكتل في تجربة الحكم مع حركة النهضة.

عرفت هذه الأحزاب خلال السنوات الماضية اختلافات فيما بينها وأخرى داخلها في التموقع السياسي والتقييم، وأدت هذه الاختلافات إلى تصدع ونشأة أحزاب أخرى جديدة من رحمها. وتجلّت حالة التصدع من خلال انخفاض تمثيلية جلّ هذه الأحزاب بين بداية عمل المجلس الوطني التأسيسي ونهايته، بين 2011 و2014، وذلك بفعل انشقاق عدد هامّ من النواب والتحاقهم إما بأحزاب فاعلة أخرى أو مشاركتهم في تأسيس أحزاب جديدة.

وفي هذا السياق، يرى محللون أن النتائج الضعيفة للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في الانتخابات التشريعية التي تم إجراؤها نهاية العام الماضي قد لا تعود لابتعاد الناخب التونسي عنها بقدر ما تعود إلى تعدد قوائمها الانتخابية وتشتّت الأصوات بينها.

وهو ما يؤكده عبد الواحد اليحياوي، القيادي في الحزب الجمهوري، لـ"الترا صوت" من خلال إشارته إلى أن مجموع أصوات حزبه مع حزب "التحالف الديمقراطي" المنشق عنه تساوي تقريبًا مجموع أصوات الجبهة الشعبية، الكتلة الرابعة في البرلمان. ويضيف "فكرة تجميع هذه العائلة السياسية اليوم هي أكثر من ضرورية نظرًا للكلفة الباهظة التي دفعتها هذه الأحزاب السياسية نتيجة تشتتها".

ويوضح اليحياوي لـ"الترا صوت"، "ضعف تأثير هذا الطيف السياسي لا يخدم الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة، باعتبار أن الانتخابات الأخيرة أنتجت تحالفا في السلطة بين اليمين الليبرالي واليمين المحافظ".

وتجدر الإشارة إلى وجود مساع سابقة لتقديم قوائم تشريعية موحّدة لعدد من أحزاب "العائلة الديمقراطية الاجتماعية"، وهي مجهودات لم يُكتب لها النجاح في نهاية المطاف. وفي نفس السياق، فشلت كذلك مبادرة "الميثاق الجمهوري" في تحقيق أهدافها التي كانت تقضي بدعم مرشح التيار الديمقراطي الاجتماعي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.

كما أعلن رئيس الجمهورية السابق محمّد المنصف المرزوقي، إثر إعلان نتيجة الرئاسيات، عن إطلاقه مبادرة "حراك شعب المواطنين" التي انخرط فيها عدد من الأحزاب والشخصيات المستقلة التي دعمته في مشواره الانتخابي، قبل أن ينسحب لاحقًا جزء منها. وقد عقد الحراك مؤتمره التحضيري في نهاية نيسان/أبريل الماضي.

وحول هذه المبادرة، يقول زهير إسماعيل، القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" المنخرط في المبادرة، لـ"ألترا صوت": "الحراك مكوّن من ثلاث حلقات تتوزع بين المجال السياسي والثقافي والجمعياتي المدني، وسيكون التعبير السياسي للحراك جاهزًا بنهاية هذه السنة".

من جانبه، يرى اليحياوي عن "الجمهوري"، غير المنخرط في المبادرة، أن "مبادرة الحراك لا تزال دون هوية سياسية ومرتبكة بين العمل الحزبي والعمل المدني"، مضيفًا بأن حزبه "هو الأكثر أهلية ليكون قاطرة العمل السياسية للتيارات الديمقراطية الاجتماعية".

ويفسر زهير إسماعيل انسحاب عدد من الأحزاب من مبادرة الحراك، بـ"مقاربة ظاهرة الحراك" التي يعتبرها "ظاهرة غير حزبيّة ولدت في خضم الانتخابات الرئاسيّة بمنوال حزبي وظنّتها الأحزاب الملتحقة إطارًا حزبيًا أوسع وملتقى جبهويّا".

وإضافة إلى هذه المبادرة، طـُرحت مبادرة أخرى لإنشاء ما سُميّ "الائتلاف الاجتماعي الديمقراطي" وهو يجمع 6 أحزاب، وعرفت هذه المبادرة أيضًا انسحاب عدد من الأحزاب من مفاوضات التشكيل وتجاوز التاريخ المُعلن لذلك. وفي هذا الإطار، يشير اليحياوي عن "الحزب الجمهوري"، المشارك في المحادثات، إن سبب تعطل المبادرة حتى الآن يعود إلى "غياب تقاليد العمل المشترك إضافة إلى الاختلافات ذات الطابع الشخصي". ويعلق الباحث السياسي عادل بن عبد الله بأن مفاوضات هذا الائتلاف لم تكن إلا "مفاوضات تتم بين تعبيرات حزبية ورموز سياسية لا يجمع بينها إلا التموضع خارج السلطة أو ضدها ولكنها لا تحمل مشروعًا سياسيًا موحدًا".

وفي تناول أسباب فشل مبادرات تقارب ولململة صفوف العائلة الديمقراطية الاجتماعية حتى الآن، قد لا يظهر إلا صراع الزعامات في قفص الاتهام. وقد تمظهر هذا الصراع بشكل بيّن مع ترشّح أغلبية قيادات هذه الأحزاب للانتخابات الرئاسية رغم الحظوظ الضعيفة لجلّهم.

في سياق متصل، يقول اليحياوي "إن العائق الذي يواجهه هذا الطيف السياسي في مسار توحده ليس إلا ذاتيًا بسبب الطموحات الشخصية". ويؤكد زهير إسماعيل ذلك قائلًا "كان من الصعب الجمع بين نرجسيات مجروحة الكبرياء".

ويقول الباحث عادل بن عبد الله لـ"الترا صوت"، "إن فشل أو نجاح التحالفات مرتبط بنجاح أو فشل المعارضة كلها في إدارة اختلافاتها وتقاطعاتها بطريقة جديدة أكثر فاعلية"، مشيرًا إلى أن أزمة المعارضة لا تختلف في شيء عن أزمة السلطة، "فهما مظهران لأزمة بنيوية واحدة تخترق العقل السياسي التونسي"، حسب تعبيره.

في الأثناء، يتواصل تشرذم العائلة الديمقراطية الاجتماعية في تونس مع فشل مبادرات تقاربها وتوحّدها، بغض النظر عن الصيغة المتصوّرة أو المُنتجة مما قد يجعلها، حسب بعض المحللين، على هامش المشهد السياسي في تونس لفترة طويلة. وينتظر المتابعون الانتخابات البلدية القادمة لتبين مدى استيعابها الدرس وتغير أحوالها.