14-سبتمبر-2022
امرأة تونس

تمثل هند هواوي أمام القضاء بتهمة "شتم الرئاسة" بينما تؤكد هي أنها لم تقم سوى برفع شعارات تطالب بالتشغيل (مارتين بيرو/ أ.ف.ب)

 

هي من أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل وهي واحدة من ضمن المئات الذين شاركوا في عديد الوقفات الاحتجاجية على مدى سنين يطالبون بحقهم في  التشغيل وهي عند بعضنا رقم في سجلات المعطلين عن العمل ورقم آخر في عدد المتظاهرين الذين  قدموا من كل ولايات الجمهورية وخرجوا يوم 8 سبتمبر/أيلول 2022 في مسيرة في قلب العاصمة قاصدين قصر قرطاج مناشدين الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يسمعهم بعد أن أسسوا الجمعية  الوطنية لخريجي الجامعات المعطلين عن العمل ممّن طالت بطالتهم لتجنب كل محاولة لتسييس ملفهم.

إنها أستاذة التربية المسرحية هند هواوي البالغة من العمر 47 عامًا، أصيلة ولاية سليانة، والتي تم اعتقالها في العاصمة بعد تفريق المحتجين والتوجه بها إلى مركز أمني واتهامها بأنها شتمت مؤسسة رئاسة الجمهورية، لتتحول هند من رقم في عداد المعطلين إلى رقم آخر في عداد الموقوفين من أجل شتم وثلب مؤسسة الرئاسة.

من المنتظر أن تمثل هند هواوي، وهي من أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل، أمام النيابة العمومية يوم 20 سبتمبر بتهمة "شتم رئاسة الجمهورية" بينما تؤكد هي أنها لم تقم سوى برفع شعارات تطالب بالتشغيل والكرامة

هند لم يسمح لها الاتصال بمحامٍ للحضور معها ومنعت أيضًا من قراءة المحضر وتم تهديدها بالإيقاف في حال أصرّت على ذلك، وإذا أرادت أن تقرأ المحضر وأن يحضر محاميها فلتبقَ في الإيقاف. ومخافة ذلك أمضت هند على المحضر وتسلمت استدعاء للمثول أمام النيابة العمومية يوم 13 سبتمبر/أيلول 2022 ليتم تأجيل القضية إلى يوم 20 سبتمبر/أيلول 2022. 

"أنا لم أشتم أحدًا، رفعت شعارات تكررها كل الحشود المتواجدة أمام المسرح البلدي بالعاصمة والتي نكررها على مدى سنوات نطالب من خلالها بالتشغيل والكرامة ونندد عبرها بظلم الدولة وقهرها" تقول هند لـ"الترا تونس".

وتضيف: "لقد بلغت من العمر 47 سنة، وها أنا معطلة عن العمل بعد، أنا تلك الفتاة الصغيرة التي ولدت في الريف ورفض والدها تدريسها مخافة أن يأكلها الذئب في طريق الذهاب إلى مدرسة تبعد كيلومترات عن الكوخ الذي يقطن فيه أو أن يغتصبها ذئب بشري أو تجرفها سيول الأمطار، لكن عمي ناضل من أجل تعليمي وواجه والدي وتحداه وأخذني عنده في القرية حتى أتمكن من الدراسة".

هند هواوي لـ"الترا تونس": أنا لم أشتم أحدًا، رفعت شعارات نكررها على مدى سنوات لنطالب من خلالها بالتشغيل والكرامة ونندد عبرها بظلم الدولة وقهرها

وتتابع هند حديثها: "كان والدي يريد تعليم أخي وقرر أن يقطعني عن الدراسة ليتعلم هو، لكن عمي تدخل مرة أخرى واكترى لنا غرفة في القرية حتى ننتقل إليها وأقنع والدي بأن نواصل تعليمنا" تضيف هند معقّبة: "لم تكن دراستي سهلة،  قضيتها بين الحاجة والمرض فأنا ضحية العنف الأسري الذي أعاني بسببه من مشاكل على مستوى فمي وهو ما استلزم تركيب آلة لشد فكّي كما أعاني من الحساسية التي اكتسبتها في ليالي البرد القارس في الكوخ المتواضع الذي أعيش به"، وفق روايتها.

وتواصل هند حديثها بحلق جف من مرارة ما تشعر به: "يعتقد البعض أن من السهل على الجميع سلوك طريق العلم، لكنهم يجهلون أن من هم مثلي من أبناء الريف والعائلات محدودة الدخل يدفعون ثمنًا باهظًا من أجل الدراسة مؤمنين بأنهم سيتغلبون على تلك الظروف القاسية عبر العلم والتعلم الذي يعتبرونه مصعدهم الاجتماعي الوحيد"، مستدركة القول: "لكنني اليوم أقف بعد مسيرة كاملة من العمل كأستاذة معوّضة ثم واحدة  من بين العاملين ضمن الآلية 20، وجميعها وظائف مؤقتة أخذت منّا سنوات عمرنا في انتظار سراب التشغيل".

هند هواوي لـ"الترا تونس": التهمت الوعود السياسية عمري ويريدون اليوم أن يلتهموا أيضًا ما تبقى لديّ من أمل لأصبح متهمة أمام القضاء ينتظرني السجن بدعوى أنني شتمت رئاسة الجمهورية

وتتابع: "التهمت الوعود السياسية عمري ويريدون اليوم أمام جور الحياة بفقرها وتعاستها أن يلتهموا أيضًا ما تبقى لديّ من أمل لأصبح متهمة أمام القضاء ينتظرني السجن بدعوى أنني شتمت مؤسسة رئاسة الجمهورية، تهمة تكاد تفقدني ما تبقى لدي من أعصاب أحاول شدها باستعمال الدواء منذ سنوات"، وفق قولها.

هند هواوي واحدة من ضمن الذين  اعتبروا أن تفعيل القانون 38 كان حلمًا غير قابل للتحقيق ولم تعارض  قرار الرئيس بإلغائه لأنها واقعية، لكنها في المقابل انتظرت أن يتقدم الرئيس بالبديل وأن يجد حلًا  لهذه الفئة التي عانت الوعود الزائفة على مدى سنوات، حسب ما قصّته لنا.

وتتساءل محدثة "الترا تونس": "أين البديل؟ هل هو الشركات الأهلية؟ هل خرج مسؤول ليفسر ماهية هذه الشركات؟ هل هناك حملة إعلامية من قبل الصحافة او المجتمع المدني لتقديم هذا البديل الغامض؟ هل يشملنا نحن؟"، مستطردة: "أنا مستعدة أن يتم تكويني في مجال آخر ومستعدة لأن أعمل في أي اختصاص، ومثلي كثيرون لكن أين  التفاعل من الدولة ومسؤوليها؟ أين المقترحات؟".

هند هواوي لـ"الترا تونس": الدولة التي ترفع شعارات تعليم المرأة والثروة البشرية أخلت بتعهداتها تجاه أبناء هذا الوطن، فها أنا اليوم معطلة عن العمل ومتهمة أيضًا لأنني صرخت "كفى كذبًا وظلمًا ووعودًا زائفة"

وتؤكد هند لـ"الترا تونس" أنها اختارت اختصاص التربية المسرحية لأن الدولة وقتها أعلنت عن مشروع تدريس البكالوريا فنون وأنها أرادت أن تجد مكانًا في سوق التشغيل، متسائلة: "ما الجدوى من تدشين مركز للفنون الركحية في سليانة في وقت لا يقدم أي نشاط و الحال أنه كان من الممكن أن أعمل ضمن فريقه؟".

وتناشد هند هواوي السلطات المعنية أن تنصف قضية أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل، وهي التي تقف أحيانًا أمام المرآة لتسأل نفسها: "ألم يكن من الأفضل لو بقيت أمية أرعى الأغنام في الريف وتزوجت وأنجبت الأطفال؟"، معقّبة: "الدولة التونسية التي ترفع شعارات تعليم المرأة التونسية والثروة البشرية أخلت بتعهداتها والتزاماتها تجاه أبناء هذا الوطن الذي لا نملك غيره".

وتختم حديثها بالقول: أنا اليوم معطلة عن العمل، ومتهمة أيضًا لأنني صرخت "كفى كذبًا وظلمًا ووعودًا زائفة".