13-مارس-2017

بندقية تشير للإرهاب الذي ينتشر في العالم (Getty)

مقال رأي 

 

كان لهجمات 11 أيلول/سبتمبر المأساوية عام 2001 الأثر الكبير في تغيير مفاهيم معينة، والنظر لاعتبارات لم تكن بالحسبان سابقًا وولادة مصطلحات بقوة.

مصطلح الإرهاب الذي يستخدم بكثرة في جميع النقاشات السياسية والاجتماعية وخصوصًا في وسائل الإعلام دون صياغة واضحة، أخذ مساحة لا بأس بها على الساحة العامة. ففي دراسة للجيش الأمريكي عام 1988 توضح أن هناك أكثر من مئة تعريف للإرهاب.

معظم تعريفات الإرهاب تتفق على أنه استراتيجية تستخدم العنف بكل أشكاله من أجل أهداف سياسية

لم تقتصر هذه التحولات على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي بدورها طرحت مسألة الأمن والمواطنة، بالإضافة لمسألة الولاء للولايات المتحده الأمريكية لدى المواطنين ذوي الأصول الأجنبية. بل اعتمدت على ما تلاه من أحداث ذات طابع إرهابي كانفجار قطارات الركاب بمدريد عام 2004، يليه تفجير حافلات ومترو أنفاق في لندن عام 2004.

أيضًا الهجوم الذي هز العاصمة الفرنسية مستهدفًا صحيفة "تشارلي إيبدو" 2015، وتلاه مباشرة هجوم "الباتكلان" الذي خلف حوالي 130 قتيلًا على الأقل، وبعدها حادث نيس بفرنسا حينما دهس متطرف بشاحنته حشودًا من الناس. لم تقف الأحداث هنا، بل اكتملت في عام 2016 في العاصمة البلجيكية بروكسل، ثم وقع حادث مشابه لحادث نيس لكن هذه المرة في برلين، وبعدها في تركيا. وليس أخيرًا، شتى أشكال التفنن بالإرهاب الذي عانت وتعاني منه منطقتنا بالهلال الخصيب في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان، من قبل فواعل دولية وغير دولية متنوعة.

معظم تعريفات الإرهاب تتفق على أنه استراتيجية تستخدم العنف بكل أشكاله -تفجير، خطف، اغتيال. إلخ- من أجل أهداف سياسية، وذلك لزعزعة، وبشكل قوي، الرأي العام والدولة المستهدفة. يمكن للإرهاب أن يصدر عن أفراد أو جماعات بوجه نظام سياسي معين، كما ويمكن له أن يكون من قبل الدولة وسياسة حكمها فيسمى إرهاب دولة.

بالواقع، إن إشكالية تعريف الإرهاب تنطلق من التساؤل حول العنف الشرعي والحق بالمقاومة من جهة، وشرعية عنف الدولة من جهة أخرى. بالإضافة إلى أن مصطلح الإرهاب المستخدم من قبل الدول أو المنظمات أو الفرق السياسية يدعي الموضوعية مقابل استخدامه لشيطنة الآخر عند تصنيفهم كأعداء.

إن النظام الدولي يفسَّر بالتفاعل المنتظم والمتكرر فيما بين الدول، والاعتماد المتبادل والمنسق في مجالات معينة، فضلًا عن أنه حجم التفاعلات في مواضيع معرفية، اقتصادية أو أمنية. وفي ظل التعريف أو التعاريف المبهمة لمصطلح الإرهاب، يصعب التنسيق في سبيل محاربة الحالة غير المعرفة، فتتعقد إمكانية وضع السياسات الخاصة للتعامل معه.

إن إشكالية تعريف الإرهاب تنطلق من التساؤل حول العنف الشرعي والحق بالمقاومة من جهة، وشرعية عنف الدولة من جهة أخرى

فلم تتوصل بعد السياسة الدولية إلى نظام دولي واضح لمحاربة الإرهاب. لأنه وبناء على مصالح الدول يختلف تعريف الإرهاب من دولة إلى أخرى، فضلًا عن إمكانية وجود فاعل معين بأكثر من خانة. فيمكن له أن يكون منظمة إرهابية لدى البعض ومنظمة غير إرهابية لدى البعض الآخر.

ويحدث أيضًا أن تستعين دولة بتنظيم تصنفه على أنه إرهابي بهدف محاربة طرف آخر. ويسقط هذا على مثال حزب العمال الكردستاني المصنف تنظيمًا إرهابيًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا. فتركيا تحارب الحزب في مقابل دعم أمريكا له، بهدف عدم محاربة الدولة الإسلامية مباشرة.

هذا يعني، أن حزب العمال الكردستاني هو منظمة إرهابية رسمية لدى الجهتين، فضلًا عن أنها ورسميًا حليف لأمريكا! هذا يفسر أيضًا، أن أمريكا لا تتحرك عند محاربة تركيا لحزب العمال الكردستاني لأنه وبكل بساطة، هو مصنف منظمة إرهابية بالنسبة لها!

من هنا نقع بين فوضى مصدر الإرهاب، وضحية الإرهاب، وتصنيفات الإرهاب، حتى أصبحت اليوم أداة ترهيب ممتازة في يد الدول والأطراف السياسية، لتمرير القوانين القمعية بكل أشكالها.

 

 

 

مثل قانون الطوارئ الممدد في فرنسا الذي لا علم لدينا لأي درجة ساعد أو يساعد في صد الإرهاب، بالإضافة إلى قوانين المراقبة في أمريكا. لا يقتصر موضوع الإرهاب على الجانب الأمني الأهم في أي مجتمع بل أصبح مواكبًا للظروف وراكبًا للأمواج، فأصبح موضوعًا اقتصاديًا ضخمًا بحد ذاته.

الاستثمار في الأمن حتى الأمس القريب كان محددًا بسباق التسلح بين الدول والتجارة العالمية للسلاح، أما اليوم ومع ازدهار الإرهاب إن صح التعبير، أصبح للاستثمار في الأمن سوق أو أسواق جديدة. شركات الحماية والتجسس، شركات المراقبة وغيرها، فهي في سباق مع الزمن لكسب المناقصات فضلًا عن التشجيع على خصخصة الأمن في المجتمعات المتطورة الخائفة.

شركات الحماية والتجسس، شركات المراقبة في سباق لكسب المناقصات فضلًا عن التشجيع على خصخصة الأمن في المجتمعات المتطورة الخائفة

من ناحية أخرى عملت هذه الهجمات على خلق علاقة تربط بين الإرهاب والمهاجرين، فمنذ عام 2001 والعالم يشهد اضطرابًا وتوترًا على صعيد الفواعل غير الدولية. الأمر الذي شكل أزمة وإشكالية وطرح عددًا من التساؤلات حول العلاقة بين المهاجرين والإرهاب، والتساؤل حول إمكانية ربط هكذا أحداث بالمهاجرين!

وليس من باب حياكة المؤامرات، إلا أن هناك تساؤلًا كبيرًا في المجتمعات الأوروبية والأمريكية عن حق الدولة بالمراقبة الكاملة وانعدام فكرة خصوصية الأفراد، بعد انتشار قوانين تجسس تبيح الكثير أمام شرعية الدولة.

من هنا تزيد التساؤلات: هل هناك حاجة لقوانين جديدة تحكم الخصوصية؟ أو الحاجة لدول تمارس دور منظري الإنسانية لفرض قرارات وقوانين تصب في مصالحها؟ فالحقيقة، غدا الإرهاب كلمة فزاعة يريد بها القوي أن يقمع كل من لا يروق له أكان فردًا أو جماعة أو دولة. لكن عندما تصدر أحكام الإرهاب من أصحاب الإرهاب تفقد الأحكام فعاليتها، وعندما يُمارس العنف من مدعي محاربته، هنا يكمن الإرهاب!

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"