17-أغسطس-2019

عبد الكريم الزبيدي ليس طرفًا صاحب قرار وإنما هو مجرد ورقة ابتزاز في يد اللوبيات

 

مقال رأي

 

بمجرد الانتهاء من مراسم جنازة الباجي قايد السبسي، تجندت منابر إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة وغرق فضاء التواصل الإجتماعي الأكثر ارتيادًا في تونس فيسبوك بصفحات ممولة تشيد كلها بدور وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي في تنظيم جنازة تليق بالرئيس الراحل. ولم تكتف بذلك بل روجت للعلاقة المتميزة بينهما وخصوصًا في الأيام الأخيرة من حياة الرئيس المريض، واستغلت حالة التعاطف الشعبي العارمة مع مرض الرئيس ووفاته للإيحاء بوجود وصية من السبسي كون الزبيدي هو مرشحه/ خليفته/ رجل الدولة القوي (وزير المؤسسة الأكثر احترامًا في نفوس التونسيين) في الانتخابات القادمة في ظل اندثار نداء تونس/حزب الرئيس وتشظي المنظومة القديمة سياسيًا بين مترشحين كثر للرئاسة والبرلمان.

قدم الزبيدي استقالته من منصب وزير الدفاع لدى محمد الناصر القائم بأعمال مهام رئيس الجمهورية عوضًا عن تقديمها لرئيس الحكومة والتقدم بترشحه منافسًا له في سباق الرئاسيات القادمة! ليطل على الرأي العام من خلال نقطة إعلامية أمام مقر الهيئة المنظمة للانتخابات وسط أضواء عشرات الفضائيات المحلية والعربية.

لكنه كان ظهورًا صادمًا وُوجه بطوفان من السخرية والتندر المواطني لظهوره الباهت العاجز عن تركيب جملة واحدة مفيدة، زادها فريق الاتصال المحيط به كارثية بين ملقن له ما يتوجب قوله وآمر للصحفيين بالصمت! فضلًا عن لوم وتقريع من قيادات ما تبقى من نداء تونس له لإغفاله ذكر الرئيس الراحل وإغفاله كونه مرشح حزب الرئيس مهددين بسحب ترشيحهم له إذا ما واصل تقديم نفسه مرشحًا مستقلًا! 

 كان ظهورًا صادمًا للزبيدي وُوجه بطوفان من السخرية والتندر المواطني لظهوره الباهت العاجز عن تركيب جملة واحدة مفيدة زادها فريق الاتصال المحيط به كارثية بين ملقن له ما يتوجب قوله وآمر للصحفيين بالصمت

ظهر مجددًا بمناسبة عيد الأضحى لتهنئة التونسيين وتهنئة المرأة التونسية بعيدها. ظهور مسجل عبر فيديو منشور على صفحة تحمل اسمه على منبر فيسبوك، ظهور في هندام رياضي أنيق حاول من خلاله إصلاح جميع الأعطاب التي حفت بظهوره الإعلامي يوم تقديم ترشحه،  إذ بدا "بليغًا" مسترسلا في الكلام؛  مكثفًا جملة رسائل انتخابية لجمهور متعدد (الترحم على السبسي وتهنئة المؤسستين العسكرية والأمنية والمرأة التونسية). لكنه لم يسلم من النقد والسخرية اللاذعة إذ بدا يقرأ من شاشة مثبتتة أمامه، والأدهى من ذلك عملية مونتاج مكثفة لصقت ستة عشر لقطة منتقاة لتأثيث ظهور مدته عشر دقائق! 

اقرأ/ي أيضًا: عن الاستقطاب الرباعي في الانتخابات الرئاسية 2019..

ليفاجأ الرأي العام (المتابع لكل دقائق تصريحات المترشحين للمحطات الإنتخابية التي أصبحت على الأبواب وخصوصًا الرئاسية منها)، بتدوينة على الصفحة التي تحمل اسمه على فضاء فيسبوك (التي تولت حصرية وسبق نشر فيديو التهنئة بعيدي الأضحى والمرأة).  تدوينة عُرفت بالنقاط الخمس، لاقت اهتمامًا ونقدًا عاصفًا من رأي عام أصبحت لديه حساسية عالية من كل مفردات الحزم السلطوي المتوعد التي تذكّره بغطرسة الزمن النوفمبري!  فماهي رسائل نقاطه الخمس، ولمن يوجهها؟

1- أتعهد بالعمل على التطبيق الصارم للقانون.
2 - أتعهد بتقديم مشروع استفتاء لتعديل الدستور.
3 - أتعهد بإعادة فتح سفارة تونس بدمشق.
4 - أتعهد بالعمل على استعادة الأمن الاجتماعي ومقاومة كل مظاهر الفوضى والجريمة ومكافحة الإرهاب.
5 - أتعهد بالعمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة سياسية اقتصادية واجتماعية.

حول النقطة الأولى، خطاب التطبيق الصارم للقانون رسالة تشي أن الرجل لم يغادر بعد زمن ومنطق الدولة القانونية التي يطبق فيها الحاكم القانون دونما خضوع له أولًا وهو منطق زمن بن علي الذي جمع بين التجويع والترويع ووصم الانتفاضات الاجتماعية بالعصابات الملثمة والخارجين عن القانون ووصم المناضلين الحقوقيين والسياسيين بالخونة والعملاء لاستباحتهم بضمير مرتاح، متناسيًا أو جاهلًا كون الدستور الحالي للبلاد التونسية يرسي نظام دولة القانون التي يخضع فيها الجميع حكامًا ومحكومين للقانون بديلًا عن الدولة القانونية أو دولة الرعب المارقة باسم صرامة القانون! 

خطاب التطبيق الصارم للقانون رسالة تشي أن الرجل لم يغادر بعد زمن ومنطق الدولة القانونية التي يطبق فيها الحاكم القانون دونما خضوع له أولا وهو منطق زمن بن علي الذي جمع بين التجويع والترويع

وعن النقطة الثانية، إن خطاب تعديل الدستور رسالة (فضلا عن جهل صاحبها كون تعديل الدستور من صلاحيات البرلمان وليست من صلاحيات الرئيس)، هي أيضًا موجهة بل قل مترجمة لأجندات كل رموز الاستبداد الذين قلّم الدستور الجديد مخالبهم ساعة وزع السلطة بين قصور ثلاثة قرطاج والقصبة وخصوصًا باردو حيث البرلمان الذي يتعرض إلى أكبر عملية ترذيل منذ وطيلة سنوات التأسيسي والخمس سنوات التي تلته للايحاء بفشل الديموقراطية وكارثيتها ودفع ضحايا النظام الرئاسي إلى المطالبة به من جديد بدعوى استرداد هيبة الدولة أو دولة الرعب! 

وبخصوص النقطة الثالثة، خطاب التعهد بإعادة فتح السفارة السورية في تونس التي شكلت نفس الوعد الذي تقدم به السبسي شعارًا رئيسًا في حملته الإنتخابية سنة 2014 لكنه لم يفعل حتى وفاته، مما يعني أنها رسالة تعبئة انتخابية موجهة لأطراف سياسية يشكل مطلب التطبيع مع النظام الإبادي في سورية أهم أدوارها لاستدراجهم قطاع طريق مرة أخرى في وجه أعداء الاستبداد في تونس.

خطاب التعهد بإعادة فتح السفارة السورية في تونس هي رسالة تعبئة انتخابية موجهة لأطراف يشكل مطلب التطبيع مع النظام الإبادي في سورية أهم أدوارها لاستدراجهم قطاع طريق مرة أخرى في وجه أعداء الاستبداد

اقرأ/ي أيضًا: مورو.. وصية السبسي!

 كما أنه رسالة موجهة للعسكريين المتقاعدين الذين مكنهم الدستور الجديد من حق الانتخاب، حتى أن المشهد السياسي في تونس أصبح يضم حزبًا سياسيًا قادته متقاعدي المؤسسة العسكرية. ويبدو أن الزبيدي قد اطلع مؤخرًا على الرسالة المفتوحة التي وجهها له أحد كبار الضباط العسكريين المتقاعدين، نفى فيها ما نُسب للزبيدي أو نسبه لنفسه من "بطولة" التنظيم المحكم لجنازة السبسي، مؤكدًا أن المؤسسة العسكرية كفيلة بإدارة شؤونها ومهماتها الميدانية بنفسها متعهدًا أنه لن يمنح صوته للزبيدي المترشح للرئاسة ما لم يتعهد بإعادة العلاقات مع النظام السوري وفتح ملف ما عرف بتنظيم النهضة السري.

وفي النقطة الرابعة، نجد خطاب التعهد بمقاومة الإرهاب واستعادة الأمن الاجتماعي، إيحاءً بشيوع الفوضى والتقاعس عن مقاومة الإرهاب خلال العهدة الإنتخابية الحالية التي كان طرفًا فيها وزيرًا للدفاع! وهي رسالة مغازلة لما يسمى نقابات أمنية لطالما طعنت في مقاربة محاربة الإرهاب دونما تأميم للحريات السياسية وتحريضها عقب كل جريمة إرهابية على الديموقراطية وتحميلها كل المسؤولية استمالة لها أصواتًا انتخابية في جرابه. 

وفي نقطته الخامسة والأخيرة، يمثل خطاب المصالحة الاقتصادية والسياسية الشاملة رسالة واضحة متنكرة لمسار العدالة الانتقالية ومخرجاتها التي لم يعترف بها لوبي نهب المال العام طوال عقود الذين رفضوا أي مصالحة اقتصادية عادلة؛ ورموز الجريمة السياسية والتعذيب الذين ظرفضوا مجرد الاعتذار لضحاياهم!

تبقى الرسالة الأهم المسكوت عنها كون الزبيدي ليس طرفًا صاحب قرار وإنما هو مجرد ورقة ابتزاز في يد لوبيات الجريمة الاقتصادية والسياسية للتفاوض وترويض المغامر المشتغل لحسابه الخاص يوسف الشاهد

تبقى الرسالة الأهم المسكوت عنها كون عبد الكريم الزبيدي ليس طرفًا صاحب قرار وإنما هو مجرد ورقة ابتزاز في يد لوبيات الجريمة الاقتصادية والسياسية للتفاوض وترويض المغامر المشتغل لحسابه الخاص يوسف الشاهد الرافض أن يكون مجرد طرطور في قبضة هذا اللوبي الجهوي الرافض مطلقًا لأي ترتيب سياسي يعيد النظر في احتكارهم الطويل للسلطة والثروة في تونس ووصمه بتهديد هيبة الدولة ووحدتها وأمنها! 

تمامًا كما ترشيح حركة النهضة لعبد الفتاح مورو لسباق الرئاسة، ليس ترشيحًا جديًا للفوز بقرطاج بقدر ما هو ورقة تفاوض قوية مع المنظومة في الدور الثاني، وتحويل وجهة قواعدها وجمهورها الانتخابي القانع حد اللحظة بالتصويت لرئيس ديموقراطي وتفضيله عن رئيس نهضوي قد يؤلب على وجودهم السياسي الهش أعداء الداخل والخارج. وقطع للطريق في وجه أي مرشح ديموقراطي ينفذ إلى قصر قرطاج فيضاعف من صداع رأس ما ترسمه من توافقات مع المنظومة القديمة برعاية مؤسسات عولمية متعهدة بترويض جماح ثورات الشعب يريد إسقاط منظومة الإذلال الوطني والاستباحة المجتمعية. 
 

اقرأ/ي أيضًا:

انتصاب فوضوي.. الشعبوية في مواجهة منظومة الحكم

"العتبة الباجية" أمام مرشحي رئاسيات 2019