14-ديسمبر-2021

خارطة الطريق تكبل سعيّد بتعهداته وتطرح أسئلة صعبة على بقية الطيف السياسي، خاصة إذا قبلت الأطراف الدولية بهذه التعهدات (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مقال رأي

 

استبق قيس سعيّد من يرتقب خطابه، الذي كان متوقعًا يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، بخطاب على الهواء قبل أربعة أيام. لو تركنا جانبًا المقدمة الطويلة والإحالات النقدية الموجهة ضد خصومه المتنوعين، خصوم قبل 25 جويلية وبعدها، فإن القرارات التي أعلنها تمثل في الجوهر خارطة الطريق، التي تجنب الإعلان عنها لأشهر عديدة. السؤال المركزي هل ستمثل مأزقًا جديدًا أم حلاً للأزمة السياسية؟ هل هي بداية هبوط الرجل من الشجرة والتعامل مع معطيات الواقع خاصة منه الدولي؟

هل ستمثل خارطة طريق سعيّد مأزقًا جديدًا أم حلاً للأزمة السياسية؟ هل هي بداية هبوط الرجل من الشجرة والتعامل مع معطيات الواقع خاصة منه الدولي؟

لنبدأ أولاً بما لم يعلن عنه أو الأرجح ما تجنب الإعلان عنه وربما كان ينوي الإعلان عنه. أولاً الإلغاء الشامل والصريح للدستور، حيث لا يزال الوضع الاستثنائي في قرارات 13 ديسمبر تحت سقف الدستور شكلاً، رغم أنه خرقه عمليًا وفعليًا كما سبق أن أشرت منذ تأويله للفصل 80 يوم 25 جويلية/يوليو الماضي.

من سمات بقاء التأطير الشكلي للدستور هو الحفاظ على البرلمان وتجنب حله، أيضًا في ذات السياق عدم الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء الذي كثرت التكهنات حول نية قيس سعيّد حله، وهو ما أجج مشاعر القضاة ودفعهم لسلسلة من الاجتماعات الهادفة لاستباق أي محاولة لحله. لم يذهب إذاً قيس سعيّد في مقاربة فسخ كل شيء تم بناؤه منذ 2011 حتى في صيغته الشكلية.

اقرأ/ي أيضًا: سعيّد: استفتاء شعبي يوم 25 جويلية وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022

وكانت القرارات كالتالي بالصيغة والترتيب والعبارات التي قدمها الرئيس:

ـ "يبقى المجلس التشريعي مجمدًا إلى الانتخابات القادمة

- تنظيم استشارة شعبية أو استفتاء إلكتروني بداية من 1 جانفي 2022 إلى 20 مارس 2022

- تتولى لجنة يتم تحديد أعضائها التأليف بين المقترحات والإجابات وتقديمها مع نهاية شهر جوان/ يونيو 2022

- عرض "الإصلاحات" الدستورية على الاستفتاء يوم 25  جويلية/يوليو 2022

- تنظيم انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 بقانون انتخابي جديد

- وضع مرسوم الصلح الجزائي

- محاكمة من أجرم في حق الشعب التونسي".

قام سعيّد بإقرار خارطة طريق بتواريخ محددة تضع سقفًا واضحًا وتعهدًا بإنهاء المرحلة الاستثنائية في تاريخ محدد أي 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل بالعودة إلى صناديق الاقتراع ولو أنه خص بذلك فقط السلطة التشريعية واستثنى مؤسسة الرئاسة.

لا يمكن أن لا نرى الخيط الرابط بين قرارات 13 ديسمبر وبيان دول السبع الذي صدر يوم 10 ديسمبر وتضمن "تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل مؤسسات ديمقراطية بما في ذلك برلمان منتخب يضطلع بدور هام"

الحقيقة لا يمكن أن لا نرى الخيط الرابط بين قرارات 13 ديسمبر وبيان دول السبع الذي صدر يوم 10 ديسمبر وتضمن فيما تضمن الجملة التالية "تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل مؤسسات ديمقراطية بما في ذلك برلمان منتخب يضطلع بدور هام"، تسقيف زمني واضح، وبالتحديد لعودة مؤسسة برلمانية منتخبة أي انتخابات تشريعية.

اقرأ/ي أيضًا: رؤساء بعثات دبلوماسية غربية: يجب تحديد سقف زمني يسمح بعودة سريعة لبرلمان منتخب

يجب أن نتذكر أنه سبق لقيس سعيّد أن سخر من طلبات الإدارة الأمريكية ثم الدول السبع في بيان سابق حول ضرورة تسقيف زمني وتحديد خريطة طريق، وأحالها ضمنيًا حينها إلى "كتب الجغرافيا"، كما قال.

بيان الدول السبع تضمن أيضًا جملة من المفاتيح: "بينما تتخذ تونس قراراتها السيادية بشأن الإصلاحات الاقتصادية والدستورية والانتخابية، فإننا نجدد التنويه بأهمية احترام الحريات الأساسية لجميع التونسيين وبأهمية شمولية وشفافية عملية إشراك كافة الأطراف المعنية بما في ذلك الأصوات المختلفة في الطيف السياسي والمجتمع المدني".

هنا تعبير "الإصلاحات الدستورية" تبناه قيس سعيّد، نحن إذًا إزاء صيغة تقر لقيس سعيّد بامكانية تنقيح أو تغيير الدستور ومن ثمة القانون الانتخابي لكن في المقابل تطلب منه أن يقوم بذلك عبر مسار تشاوري.

مثلما سبق أن قلت، العرض السياسي لقيس سعيّد، مقارنة ببقية الأطراف الداخلية، أنه يصر على تغيير النظام السياسي قبل خوض أي انتخابات. وهو الأمر الذي أعلن عنه هذه المرة بتواريخ محددة أي "استشارة شعبية-الكترونية" (غير واضحة المعالم في تفاصيلها بعد) ولجنة من غير الواضح كيف سيختارها هي التي ستصوغ النص الذي سيتم عليه الاستفتاء في 25 جويلية القادم.

هل ستكون تعهدات سعيّد كافية لدول مجموعة السبع لدعم "المسار الانتقالي" نحو انتخابات وتدعم الموقف التونسي في مفاوضات صندوق النقد الدولي الأشهر القليلة القادمة؟

نزل قيس سعيد من الشجرة، أو بدأ نزوله منها، خاصة بإعلان تعهدات زمنية محددة وأننا نتجه لانتخابات تشريعية كما طلبت الدول السبع. تبقى أسئلة كبرى: هل ستكون هذه التعهدات كافية لهذه الدول لدعم "المسار الانتقالي" نحو انتخابات وتدعم الموقف التونسي في مفاوضات صندوق النقد الدولي الأشهر القليلة القادمة؟ هل ستمثل لجنة صياغة الاستفتاء وجهات نظر مختلفة؟ هل سيعبر الاستفتاء عن تصور قيس سعيّد للنظام السياسي، الأمر المرفوض على الأرجح من الأطراف الدولية، أم سيكون أكثر تنوعًا؟ من سيشرف على هذه المواعيد، هل ستكون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟

من جهة أخرى، هل ستقبل الأطراف الداخلية، والتي تحرش بها باستمرار في خطابه، بقبول الإطار العام لخارطة الطريق وتضغط في التفاصيل أم هل ستصعد هي أيضًا للشجرة؟ لكن حينها هل ستستطيع الذهاب إلى النهاية ومقاطعة الاستفتاء وأيضًا الانتخابات وربما تبقى معزولة؟

خارطة الطريق تكبل سعيّد بتعهداته، لكن أيضًا تطرح أسئلة صعبة على بقية الطيف السياسي، خاصة إذا قبلت الأطراف الدولية بالتعهدات التي أعلنها. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلغاء دستور 2014 في تونس.. المعارضة تندد وتحشد دفاعًا عنه

هل يكون الاستفتاء على تعديل النظام السياسي وجهة قيس سعيّد القادمة؟