حوار| عميد المهندسين: نحو 6 آلاف مهندس يغادرون تونس سنويًا ويكلفون الدولة الكثير
13 فبراير 2025
قال عميد المهندسين التونسيين كمال سحنون إنّ المهندسين العاملين في القطاع العمومي في تونس يشتغلون في ظروف صعبة في حين يتقاضى بعض المهندسين العاملين في القطاع الخاص أجورًا ضعيفة جدًا، ما دفع آلاف الكفاءات الهندسية إلى الهجرة خارج البلاد. كما أكد أنّ 6500 مهندس غادروا تونس في 2022 وهو ما تسبب في خسائر فادحة للاقتصاد التونسي.
كل هذه المواضيع وغيرها تقرؤونها في حوار خاص لعميد المهندسين التونسيين مع "الترا تونس".
- إلى أي مدى يمكن أن يساهم الكتاب الأبيض في تطوير التكوين الهندسي خلال السنوات المقبلة؟
أولاً يجب الإشارة إلى أنّ الكتاب الأبيض الخاص بتكوين المهندسين جاء بعد عمل كبير قامت به اللّجنة الوطنية للتفكير الاستراتيجي حول تكوين المهندسين، وتم من خلاله تحديد استراتيجية لإصلاح قطاع تكوين المهندسين في تونس في مدارس الهندسة الخاصة والعمومية، على أن يتمّ تنفيذ هذه الاستراتيجية بحلول عام 2030.
وهذا الكتاب جاء اقتداءً بالدول التي يُصنف فيها التكوين الهندسي بالممتاز مثل ألمانيا وفرنسا وكندا وكوريا الجنوبية وفنلندا، إضافة إلى تحديد 7 توجهات للتكوين الهندسي انبثق عنها 68 هدفًا لتطوير وتحسين التكوين الهندسي.
عميد المهندسين: التكوين الهندسي في تونس معتمد دوليًا بنسبة كبيرة جدًا بما في ذلك مدارس التكوين الهندسي العمومية.. إذ يقع في تونس تكوين مهندسين أكفاء ومسؤولين وقادرين على مواجهة التحديات
وطبعًا هذه الأهداف أخذت بعين الاعتبار التطور التكنولوجي واعتمدنا على آلية التقييم SWOT ومنهجية "باستال" ووصلنا لرؤية ومنهجية تعتمد أولاً على مؤسسة تعليمية وتونسية منظمة وفعالة ومنفتحة وشاملة ومبتكرة وريادية قادرة على الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية في تونس وتعزيز الجودة والتميز وتتماشى مع التحولات المعاصرة الكبرى.
كما تهدف لتكوين مهندسين أكفاء ومسؤولين يحترمون أخلاقيات المهنة وقادرين على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية بناءً على أساليب التدريس المبتكرة وبالتعاون الوثيق مع الصناعة.
إذًا يمكننا القول إنّ الكتاب الأبيض وضع توجهات استراتيجية صارمة وتتلخص أساسًا في ضمان جودة التكوين باعتماد معايير دولية وإدخال نظام إصدار شهادات لمهارات الخرّيجين والشراكة مع الصناعة من خلال تعزيز التعاون الأكاديمي الصناعي والتكوين المستمر والابتكار.
- ما هي الآليات والضمانات التي تمّ وضعها لضمان تناغم التكوين الهندسي الجديد مع حاجيات السوق؟
أولاً لا بدّ من مواكبة احتياجات السوق من خلال مواكبة التطور التكنولوجي الذي يُعتمد عليه في قطاع الصناعة واقتصاديات الدول والمرونة في البرامج والتكيف مع القطاعات ذات الأولوية على غرار الطاقات المتجددة والتحول الطاقي والرقمي والعلوم الحياتية والتكنولوجية وأيضًا يجب إيلاء الاهتمام للصناعة.
وطبعًا كل هذا لا يتحقق إلا بحوار جدّي داخل المؤسسات الصناعية والاقتصادية في البلاد.
- هل أنّ التكوين الهندسي في تونس معترف به ومعتمد دوليًا؟
التكوين الهندسي في تونس معتمد دوليًا بنسبة كبيرة جدًا بما في ذلك مدارس التكوين الهندسي العمومية. وتونس لديها جامعات معتمدة دوليًا لمدة 6 سنوات، وهذا نجاح كبير باعتبار أنّ مدارس الهندسة في العالم تتمتع بـ 5 سنوات اعتماد وأحيانًا أقل من ذلك.
- تحدثتم باستمرار عن هجرة جماعية سنوية لمهندسي تونس، لو تكشف لنا عن آخر الإحصائيات وأسباب ذلك؟
حسب دراسة حديثة صادرة عن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، فإنّ هجرة المهندسين تضاعفت بشكل لافت ومخيف في السنوات الأخيرة حيث هاجر نحو 6500 مهندس في سنة 2022 وهذا الرقم لم يتراجع في سنتي 2023 و2024.
عميد المهندسين: هجرة المهندسين تضاعفت بشكل لافت ومخيف في السنوات الأخيرة حيث هاجر نحو 6500 مهندس في سنة 2022 وهذا الرقم لم يتراجع في سنتي 2023 و2024
وقد أوصت الدراسة ذاتها بتحسين الوضع المادي والمهني للمهندسين وتحسين مناخ الاستثمار للتشجيع على المبادرة الخاصة وضرورة أن يواكب التكوين الهندسي التطور التكنولوجي.
الدراسة أقرت بتردي وضعية المهندسين التونسيين وأشارت إلى ضرورة إقرار إصلاحات عاجلة للحدّ من هجرة المهندسين، نذكر منها تحسين الحوافز المالية والضريبية وتعزيز التطوّر المهني عبر تكييف برامج التكوين لمواكبة التطوّرات القطاعيّة الحديثة وتطوير برامج استقبال المهندسين المغتربين وإدماجهم وغيرها من التوصيات الأخرى.
- كيف تطورت أرقام هجرة المهندسين في تونس في السنوات الأخيرة؟
في 2002 هاجر نحو 970 مهندسًا من تونس وفي 2010 غادرها نحو 1936 مهندسًا وفي سنة 2014 تضاعف الرقم بشكل لافت وهاجر حينها نحو 3400 مهندس، وفي 2022 وصل الرقم إلى 6500.
عميد المهندسين: تكوين مهندس وحيد في تونس يحتاج 100 ألف دينار سنويًا، وبعد ذلك يهاجر للعمل في الدول الأجنبية ما يعني أنّ تونس تُهدي سنويًا نحو 650 مليون دينار لاقتصاديات الدول الأخرى
وهذا الرقم يمكن اعتباره كارثيًا خصوصًا على الاقتصاد التونسي لأن المهندس هو مبتكر الثروة، هذا بالإضافة إلى أنّ تكوين مهندس وحيد في تونس يحتاج 100 ألف دينار سنويًا، وبعد ذلك يهاجر للعمل في الدول الأجنبية ما يعني أنّ تونس تُهدي سنويًا نحو 650 مليون دينار لاقتصاديات الدول الأخرى، وهذا الرقم قادر على بناء مستشفى جامعي أو طريق سريعة تربط بين ولايتين.
وعوضًا على أن تعمل الدولة على إيجاد ظروف ملائمة للكفاءات الهندسية التونسية، فهي تقوم بتكوينهم ومن ثم تُهديهم لدول أخرى لخلق الثروة لها، وأنا أقول دائمًا إنّ الكفاءات الهندسية يجب أن تبقى في تونس.
- تتمسك عمادة المهندسين بضرورة بقاء الكفاءات الهندسية في تونس، هل ترون أنّ بيئة العمل ملائمة لبقائهم؟
للأسف بيئة العمل في تونس غير ملائمة لتشجيع الكفاءات الهندسية على البقاء والعمل بجدّ لخلق الثروة، لكن أنا أقول إنّ المهندس إذا اختار البقاء في وطنه فإنه سيبدأ في العمل وبعث مشروعه الخاص لأنّ المهندس قادر على الابتكار وخلق الثروة دائمًا وبالتالي بقاء المهندس في تونس يعني النهوض بالاقتصاد الوطني.
وفي تونس هناك وزارات تعمل على تعديل القوانين المنظمة لمهنة الهندسة وتدعم بقاء المهندسين في بلادهم، لكن رغم ذلك لم نشعر بوجود استراتيجية واضحة وعاجلة تتكاتف فيها كل الجهود.
عميد المهندسين: بيئة العمل في تونس غير ملائمة لتشجيع الكفاءات الهندسية على البقاء والعمل بجدّ لخلق الثروة.. وإذا توفرت الإرادة لدى المسؤولين فإنهم سيعملون على تنظيم القطاع لتشجيع المهندسين على البقاء في تونس
فمثلاً وزارة التجهيز تعمل فعليًا على تنظيم قطاع المهندسين المستشارين بينما هناك وزارات أخرى لم تبذل مجهودًا لإقرار إصلاحات تهم المهندسين الذين يعودون إليها بالنظر.
هذا دليل على أنّه إذا توفرت الإرادة لدى المسؤولين في الوزارات فإنهم سيعملون على تنظيم القطاع لتشجيع المهندسين على البقاء، ونحن كعمادة للمهندسين التونسيين نعمل للفت نظر جميع الوزارات المعنية للعمل ولتحريك الاقتصاد التونسي ووضع حدّ لهجرة الكفاءات الهندسية، وبالتالي تحسين مناخ الاستثمار بصفة عامة.
- لو تفسّر لنا وضعية المهندسين العاملين في القطاعين العمومي والخاص؟
بالنسبة للمهندسين العاملين في القطاع العمومي هناك صنفان: مهندسو الوظيفة العمومية ومهندسو المنشآت العمومية، وهؤلاء يعملون برواتب ضعيفة وظروف صعبة ما يدفعهم للهجرة للعمل خارج البلاد.
في بداية سنة 2018، نظمنا تحركات احتجاجية ورفعنا شعار الزيادات في الأجور ونجحنا في إقرار زيادة للمهندسين العاملين في الوظيفة العمومية بداية من شهر جانفي/ يناير 2020، وفي 2021 طالبنا بتعميم الزيادة على المنشآت العمومية.
عميد المهندسين: هناك منتحلو الصفة الذين لا يتمتعون بالكفاءة الهندسية لكن الدولة، وخلافًا للقانون، تعطيهم صفة مهندس دون أي حق.. ونحن نخوض الآن مشاورات مع الوزارات المعنية لتنظيم كل التخصصات الهندسية
وأيضًا هناك منتحلو الصفة الذين لا يتمتعون بالكفاءة الهندسية لكن الدولة، وخلافًا للقانون التونسي، تعطيهم صفة مهندس دون أي حق، مثلما حصل مؤخرًا في إحدى المؤسسات العمومية.
بالنسبة للمهندسين العاملين في القطاع الخاص، هناك فئة تتقاضى رواتب جيدة وفئة أخرى تتقاضى رواتب ضعيفة جدًا، إلى جانب فئة المهندسين الذين يديرون مكاتبهم الخاصة مثل مكاتب الدراسات، وفئة المهندسين المستشارين، ومهندسي المساحة ومكاتب المراقبة الفنية، وهؤلاء يتبعون وزارة التجهيز التي بدأت بالتعاون مع عمادة المهندسين في تنظيم هذا الهيكل من خلال تحيين وتطوير القوانين.
ونحن نخوض الآن مشاورات عديدة مع كل الوزارات المعنية لتنظيم كل التخصصات الهندسية.
كما يجب الإشارة إلى وجود صنف آخر في قطاع الهندسة المتمثل في أصحاب المبادرة الخاصة، ونحن في عمادة المهندسين حرصنا على تشجيع المهندسين لخلق الثروة وبعث مشاريعهم الخاصة.
واليوم هناك عديد قصص النجاح لمهندسين شباب نجحوا في تطوير أفكارهم وتحولوا إلى أصحاب مؤسسات هامة تُنافس شركات كبرى في العالم، وهذه النجاحات هي ثمرة تكوينهم على ثقافة المبادرة الخاصة ودعم الشركات الناشئة.
- كيف تقيّم مناخ الاستثمار في تونس؟
مناخ الاستثمار في تونس غير مشجع خاصة في ظل البيروقراطية ما جعل المستثمرين يفرون من تونس نحو دول أخرى، وهذا تسبب في تراجع المشاريع الاستثمارية بالبلاد حتى أنّ عديد المؤسسات الصناعية الهامة في تونس أغلقت أبوابها وغادرت.
عميد المهندسين: مناخ الاستثمار في تونس غير مشجع خاصة في ظل البيروقراطية ما جعل المستثمرين يفرون من تونس نحو دول أخرى والاستثمار في تونس أصبح استثمارًا ريعيًا مبنيًا على المصلحة واقتصاد الريع
والاستثمار في تونس أصبح استثمارًا ريعيًا مبنيًا على المصلحة واقتصاد الريع، والآن حان الوقت لتغيير المنوال التنموي التونسي كي يكون مبنيًا على اقتصاد المعرفة التي عملت به عديد الدول مثل ماليزيا وكوريا واليابان وكل هذه الدول أصبحت من أكبر الاقتصادات في العالم.
ودولة المغرب بدأت تعمل طبقًا لاقتصاد المعرفة وحققت تطورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، وهذا النوع من الاقتصاد يتم فيه الاعتماد على التكنولوجيا والعلوم لتحقيق التطور والتقدم.

الكلمات المفتاحية

حوار| مختص في تربية النحل: العسل المستورد يغزو السوق التونسية والقطاع مهدد بالاندثار
في ظل التغيرات المناخية والصعوبات الاقتصادية التي تواجه الفلاحة التونسية، أصبح قطاع تربية النحل يواجه هو الآخر تحديات متعددة، وفق المختصين، ولفهم واقع تربية النحل في تونس، حاور "الترا تونس" المختص في تربية النحل وعضو اتحاد النحالين العرب، وليد نقارة، الذي قدم قراءة مفصلة للوضع الحالي، أبرز المخاطر، والحلول العملية المقترحة لدعم القطاع في تونس

حوار| مختص في الصحة النفسية: جيل زد أكثر وعيًا وأكثر هشاشة في الوقت نفسه
تتواتر الأخبار منذ فترة عن بعض التحركات التي يقوم بها أبناء جيل زد (Generation Z) في عدد من الدول، وآخرها ما حصل في النيبال من احتجاجات وإسقاط للحكومة وحتى انتخابات على منصّات رقمية. في المقابل، يشتكي البعض من الأجيال السابقة من استهتار هذا الجيل وسلوكياته غير المنضبطة وأسلوب حياته المتذبذب

رئيس مرصد المياه لـ"الترا تونس": التونسيون فقدوا الثقة في مياه الحنفية لعدة أسباب
أوضح رئيس المرصد التونسي المياه، علاء المرزوقي لـ"الترا تونس" أن الإقبال الكبير على المياه المعلبة لا يُفسَّر فقط بانقطاعات الماء، بل يرتبط أيضًا بسلوك مستمر حتى في فصل الشتاء

طقس تونس.. غيوم جزئية مع أمطار في عدد من المناطق
معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 21 و25 درجة بالشمال والوسط، وتصل إلى 30 درجة في بقية المناطق

التمديد للهيئة التسييرية للنادي الرياضي الصفاقسي لثلاثة أشهر
انعقد مساء السبت 15 نوفمبر 2025، اجتماع اللجنة العليا للدعم بالنادي الرياضي الصفاقسي، بمركب الفريق، بحضور رئيسها سفيان لوعزيز، ونائبيه عماد المسدي وعبد الرحمان الفندري، إلى جانب عدد من الأعضاء ورؤساء سابقين وممثلي هيكل السوسيوس والهيئة التسييرية

احتجاجات شط السلام بقابس.. الأهالي يواجهون تسربات المجمع والغاز المسيل للدموع
شهدت منطقة شطّ السلام بولاية قابس، مساء السبت 15 نوفمبر 2025، احتجاجات ليلية للمواطنين على تسربات الغاز الملوّث الصادرة عن المجمع الكيميائي، وهو ما أدى إلى تدخل أمني استخدم فيه الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف، ما أسفر عن حالات اختناق واعتقالات في صفوف المتظاهرين، وفق ما أكده رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقابس، أحمد شلبي لـ"الترا تونس"

نائب في البرلمان: "المناخ العام لم يعد آمنًا والشعب يشعر بأنه في حالة سراح مؤقت"
شدّد النائب في البرلمان التونسي مليك كمون، يوم السبت 15 نوفمبر 2025، خلال جلسة عامة عُقدت السبت للنظر في ميزانية وزارة العدل، على أنّ "أخطر ما يهدد الدولة اليوم هو فقدان المواطن ثقته في المنظومة القضائية وقدرة مؤسساتها على ضمان محاكمة عادلة وشفافة دون وساطات أو ضغوط". وقال في مداخلته: "الخطر اليوم هو أزمة الثقة بين المواطن وقدرة الدولة على ضمان محاكمة عادلة وشفافة"، وفق تعبيره

