27-سبتمبر-2021

حوار مع مجدي بن غزالة المستقيل مؤخرًا من التيار الديمقراطي (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

"أعلن استقالتي من حزب التيار الديمقراطي.. في الأثناء يجب التأكيد أنه لا وجود لديمقراطية دون أحزاب ديمقراطية ذات مشاريع وطنية. معركة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة القوية والعادلة هي مسار متواصل ستكون انطلاقته الحقيقية بعد سقوط المنظومة الشعبوية التي ستخلف منظومة الفساد والإفساد.." بهذه الكلمات استهل رئيس المجلس الوطني للتيار الديمقراطي مجدي بن غزالة تدوينته في صفحته الخاصة على موقع التواصل فيسبوك في 28 سبتمبر/أيلول 2021 معلنًا بذلك الانسحاب من الحزب ومن خطة رئيس المجلس الوطني بعد سنتين من ترؤسه.

انطلقت المسيرة الحزبية لمجدي بن غزالة في التيار الديمقراطي منذ سنة 2014 وترأس المكتب الجهوي بسوسة قبل أن يكلف بخطة رئيس المجلس الوطني، كما ترشح عن حزب التيار للانتخابات البلدية بمدينة سوسة وترأس لجنة التخطيط والتهيئة العمرانية التي استقال منها مؤخرًا.


استقالة مجدي بن غزالة من حزب التيار الديمقراطي وأسبابها وتغير المشهد السياسي بعد 25 جويلية/يوليو 2021 تاريخ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد ما اعتبره "تفعيل الفصل 80"، وكذلك تطورات 22 سبتمبر/أيلول 2021 بصدور الأمر 117 لسنة 2021 ومستقبل الأحزاب السياسية في ظل الوضع الاستثنائي كان محور حوار مع رئيس المجلس الوطني للتيار الديمقراطي المستقيل من خطته والحزب مؤخرًا.

  • ما الذي دفعك إلى الاستقالة من حزب التيار الديمقراطي؟

معركة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة القوية والعادلة هي مسار متواصل ستكون انطلاقته الحقيقية بعد سقوط المنظومة الشعبوية التي ستخلف منظومة الفساد والإفساد.

بن غزالة:  استقالتي من التيار لا تعني أنني سأتبنى الطرح الذي يتبناه قيس سعيّد الذي يعتقد أن المشهد السياسي يمكن بناؤه دون أحزاب

إعلان الاستقالة دون توضيح بعض المسائل سيُفهم منها استقالة من أجل مساندة قيس سعيّد أو أحداث 25 جويلية، لكنّي كنت قد أكدت أني مصر على أنه لا وجود لديمقراطية حقيقية دون أحزاب ديمقراطية.. لقد استقلت من التيار الديمقراطي، لكن ذلك لا يعني أني سأتبنى الطرح الذي يعتقد أن المشهد السياسي يمكن بناؤه دون أحزاب وهو الطرح الذي ذهب إليه قيس سعيّد وأنصاره منذ الحملة الانتخابية وشيطنة منظومة الأحزاب.

لي نقد لمنظومة الأحزاب التي كنت أنتمي إليها بما فيها حزب التيار الديمقراطي، لكن ذلك لا يعني الكفر بمنظومة الأحزاب، والاستقالة من حزب لا تعني الذهاب إلى الضفة الرافضة للعمل الحزبي.

استقالتي من التيار مرتبطة بما تعيشه تونس بصفة عامة، رؤيتي أن الأحزاب الموجودة على الساحة تغذي الطرح الذي بسطه قيس سعيّد الذي بنى تصوره على شيطنة الأحزاب، والأحزاب نفسها تعطي له الحجج التي تمكنه من تلك المبررات.

هناك أحزاب شاركت في الحكم وأحزاب كرست النظرة على أن العمل الحزبي انتهازية ومصالح ضيقة، وأنا لا أضع التيار الديمقراطي في نفس الخانة، لكن أكثر ما دفعني نحو الاستقالة هو عدم النجاعة ومدى ارتباط العمل الحزبي بهموم البلاد ومشاغل المواطن وبالتوجه لعمق الأزمة.

  • ماهو موقفك من إجراءات 25 جويلية؟

25 جويلية كانت محطة للفرز، هناك من هو ضد التدابير الاستثنائية المعلنة في ذلك التاريخ على خلفية تخوفه من مشروع بديل قد يؤدي إلى الانفراد بالسلطة ويؤسس لمنظومة استبداد وهناك من يعارض مشروع 25 جويلية الذي أعلنه قيس سعيّد برمته.

شخصيًا أرى أني مساند للإجراءات المعلنة في خطاب قيس سعيّد بتاريخ 25 جويلية/يوليو 2021، لكني معارض لما جاء في الأمر عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر/أيلول 2021 والذي أوضح خارطة طريق الرئيس.

كان تصورنا لـ25 جويلية أنها فرصة لتفكيك منظومة الفساد السياسي التي أدت بالبلاد إلى الأزمة، في هذا السياق كان هناك خلاف في التيار الديمقراطي والمشكلة ليست في الاختلاف في حد ذاته، لكنني اكتشفت أن التشخيص بعيد جدًا عن الواقع.

ما وصلت إليه البلاد خطير جدًا، الأزمة عادة تكون ظرفية في الزمان والمكان، والأسباب يمكن معالجتها. وما وصلت إليه البلاد هو مسار انهيار دولة وبالتالي المواقف لا يمكن أن تكون تنسيبية وتنحصر من قراءة مجردة لنص دستوري، وبالتالي تجد نفسك خارج السياق.

بن غزالة: "معركة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة القوية والعادلة هي مسار متواصل ستكون انطلاقته الحقيقية بعد سقوط المنظومة الشعبوية التي ستخلف منظومة الفساد والإفساد"

أعتبر أن إجراءات 25 جويلية جاءت نتيجة لأزمة اقتصادية واجتماعية وأزمة الدولة التونسية مرتبطة أساسًا بالأزمة السياسية فهي الأصل الذي انجرت عنه باقي الأزمات وخاصة تسرب االفساد إلى النخبة الحاكمة.. ومن بين هذا الفساد ما نشرته محكمة المحاسبات لدى المحاكم في عقود اللوبيينغ لحركة النهضة وقلب تونس وهي عقود تحيل على التمويل الأجنبي. والمهم في طرح 25 جويلية محاربة تلك المنظومة الفاسدة وتغيير الإطار جملة للعبة السياسية وقانون اللعبة الديمقراطية، لكن للرئيس صلاحيات أخرى لم يتم تفعيل شيء منها.

اقرأ/ي أيضًا:  أمر رئاسي يقر صلاحيات شبه مطلقة للرئيس في تونس وتعليق لمعظم أبواب الدستور

النخب السياسية لم تتلق الرسالة وأراها في عملية هروب إلى الأمام في دعواتها إلى النزول إلى الشارع للتنديد بـ'الانقلاب' فهي مركزة على توصيف ما قام به الرئيس بالانقلاب، متناسية مطالب الناس التي خرجت بطريقة تلقائية في تحركات 25 جويلية، وقد كنت من  بينهم ولو بطريقة غير رسمية لأتمكن من معاينتها.

الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر/أيلول 2021 يتطلب معارضة في حد ذاته، لكن مواقف المنظمات والأحزاب التي تحملت المسؤولية والتي قامت ضدها مطالب 25 جويلية/يوليو 2021 لا تقف على نفس الأرضية وبالتالي يجب معالجة جذور الأزمة.

بن غزالة: النخب السياسية لم تتلق الرسالة وأراها في عملية هروب إلى الأمام في دعواتها إلى النزول إلى الشارع للتنديد بـ'الانقلاب' متناسية مطالب الناس التي خرجت بطريقة تلقائية في تحركات 25 جويلية

وللأمانة قيس سعيّد متناسق مع طرحه منذ الحملة الانتخابية وهو ناقد للوضع السياسي وله تصور يقطع مع المشهد الحالي وكان اختياره منذ 25 جويلية عدم التواصل لأنه يريد أن يذهب بعيدًا في التصور الذي يطرحه وهذا الأمر يتطلب تصديًا منا له فنحن جزء ثابت من هذا الوطن، والوطن ملك للجميع، فكل شخص له تشخيصه وهذا لا يبرر له الانفراد بالقرار".

  • ما رأيك في الدور الشعبي في تغيير المشهد السياسي؟

داخل حزب التيار الديمقراطي وخارجه من أحزاب هناك من يعتبر أن الشعب عاطفي أو قاصر ولا يمكن له أن يحدد الخيارات السياسية وقد أتفق مع هذا التمشي جزئيًا، لكن التوجه الشعبي كان مرتبطًا بواقع وهذا الواقع يمكن إنكاره فالنخب السياسية قد تخطئ الهدف إذا كانت منفصلة عن نبض الشارع ويجب هنا التفريق بين الشعبوية وبين تفهم الواقع الشعبي والمواطني فقد يتشابهان في ظاهرهما لكن يجب تحديدهما.

النخبة السياسية قد يكون اقتراحها للحلول يختلف عن طرح مواطن عادي، لكن من الخطير جدًا أن تكون في حالة انفصام، ورأينا أن العديد من الأحزاب العريقة أصبحت دكاكين حزبية منفصلة تمامًا عن الواقع وغير قادرة على التعبئة والتواصل وتلبية مشاغل المواطن، فلو كانت الدولة في خدمة المواطن تكون المطالب الشعبية مقترنة بتشخيصها

  • هل تعتقد أن التدخل الخارجي عنوان المرحلة الحالية؟

التدخل الخارجي نوعان: هناك تدخل في إطار مؤسساتي وشفاف من خلال لقاءات معلنة ومطالب معلنة وهناك دول نعتبرها شريكة فلا يمكن أن نسقط في نوع من الشعبوية التي تجعلنا في حالة انغلاق، وهناك نوع من الاستقواء بالخارج ودعوات مرفوقة من بعض الأحزاب وأخص بالذكر حركة النهضة التي تصر على عقود اللوبيينغ حتى بعد 25 جويلية، وهو أمر مرفوض. كذلك سياسة المحاور التي نراها جلية فلا يمكن حل الأزمة الداخلية من خلال الاصطفاف إلى أحد المحاور الخارجية وهذا أيضًا مرفوض. 

بن غزالة: لا يمكن حل الأزمة الداخلية لتونس من خلال الاصطفاف إلى أحد المحاور الخارجية.. هذا أمر مرفوض!

الحياد ليس هدفًا في حد ذاته بل المصالح الاستراتيجية لتونس تكون المعيار للتحرك الخارجي والبحث عن مصلحة تونس والاحترام السيادي للدولة التونسية في الحقوق والحريات وحقوق الشعوب في الديمقراطية ولا تكون في معزل عنها. 

  • ما رأيك في وضع الحكم المحلي في تونس حاليًا؟ ولماذا استقلت من خطتك ببلدية سوسة؟

من خلال تجربتي الشخصية، بخصوص الخلاف الحاد بين رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، هناك مجالس وصلت إلى الحلّ وهو ما أكدته منظمة بوصلة في تقاريرها. 

وبالنسبة لاستقالتي، أنا كنت اترأس إحدى اللجان التي تعتبر استشارية في الأصل، لكن القانون والواقع التونسي يمكن رؤساء البلديات من تهميش دور اللجان وقد وصلنا في بلدية سوسة إلى هذه الوضعية واستقالتي ليست الأولى في مهمة رئيس لجنة فقد سبق أن استقال رئيس لجنة البيئة في بلدية سوسة وتقريبًا لنفس الأسباب وهي أن رئيس البلدية من خلال ترؤسه للإدارة البلدية هو صاحب القرار وهو الذي ينفذ الميزانية والمشاريع، وهذا ما يفقد النجاعة باعتبار أن رئيس اللجنة يكتفي بدوره الاستشاري وعاجز عن تنفيذ مخرجات لجنته.

استقالتي كانت موقفًا احتجاجيًا، فالإنسان الذي يحترم نفسه لا يكون في منصب فقط للتشريف بل لتحقيق الأهداف وتنفيذ وعوده الانتخابية. طريقة التعاطي بين رئيس البلدية والمستشارين بصفة عامة ورؤساء اللجان كانت من الأسباب الرئيسية للاستقالة.

بن غزالة: إن تم حل البلديات بنية إصلاح الوضع سأكون من المساندين، لكن إن كان ذلك في اتجاه إلغاء اللامركزية والحكم المحلي سأكون من المعارضين، والأغلب أن توجهات سعيّد تتجه إلى الحل الثاني

فحين تصل إلى مرحلة أن يتقدم مستشار بلدي بمطلب النفاذ إلى المعلومة ويتم رفضه اعتمادًا على فصل في مجلة الجماعات المحلية باعتباره مستشارًا وحقه مقتصر على الاطلاع على محاضر الجلسات، فهذا غير مقبول.

استقالتي كانت المحطة الأخيرة وهي استقالة احتجاجية ليس على البلدية فقط وإنما على كافة المنظومة التي لم تسمح لي بالعمل كرئيس لجنة وأقوم بدوري كاملًا كمستشار.

وهناك معطى آخر من أسباب استقالتي، وهو طريقة ترؤس البلدية للإدارة مع عدم توضيح دور الكاتب العام وجعل رئيس البلدية الوحيد القادر على تنفيذ أو تعطيل بعض القرارات.

بخصوص حل البلديات، إن تم ذلك بنية إصلاح الوضع أكون من المساندين، لكن إن كان في اتجاه إلغاء اللامركزية والحكم المحلي سأكون من المعارضين لذلك والأغلب أن توجهات سعيّد تتجه إلى الحل الثاني وهذا ما أعتبره مزعجًا وخطيرًا وبالتالي أرفضه.

لقاء مراسل "الترا تونس" بسوسة ماهر جعيدان مع الناشط السياسي مجدي بن غزالة

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار/أيمن بوغانمي: النظام الرئاسي كارثي والنظريات المجالسية ضرب من الطوباويات

حوار|حمزة المؤدب: رهان المرحلة إدارة التناقضات وأشك أن سعيّد قادر على ذلك