22-فبراير-2021

الدكتور علي سعد المتحصل على جائزة أحسن طبيب عربي لسنة 2021

 

والده فلاح وتاجر من معتمدية بنان بولاية المنستير لم تطأ قدماه المدرسة بل كان خريج الكتّاب حافظًا للقرآن محبًّا للعلم, أما والدته  فسيدة أمية  كرست حياتها لإغداق الحنان على أبنائها ورعايتهم.

أما هو فحال ما بدا يدرك قال "سأصبح طبيبًا"، تحصّل على الباكالوريا سنة 1976 وكانت رتبته 13 وطنيًا، ورغم حصوله على منحة لدراسة الهندسة في فرنسا إلا أنه رفض وأصرّ على أن يدرس الطب في كلية الطب بسوسة  وأن يعود دكتورًا مدرسًا فيها ويصبح أبًا لثلاث طبيبات.

إنه الدكتور علي سعد المتحصل على جائزة أحسن طبيب عربي لسنة 2021 وهو رئيس قسم علوم الوراثة الخلوية وبيولوجيا الإنجاب بمستشفى فرحات حشاد بسوسة، التقى به "الترا تونس" وكان الحوار التالي:

  • منحتكم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية جائزة أحسن طبيب عربي تتويجًا لمشروع علمي، هل تقدمه لنا؟

تقدمت لجائزة أحسن طبيب عربي من خلال مشروع أعمل عليه منذ أكثر من ثلاثين سنة وهو مخبر علوم الوراثة والجينات للتشخيص الدقيق للصبغيات، يتعلق بالأمراض الوراثية والسرطانية وعلاج العقم.

الدكتور علي سعد: تحصلت على جائزة أحسن طبيب عربي من خلال مشروع أعمل عليه منذ أكثر من ثلاثين سنة وهو مخبر علوم الوراثة والجينات للتشخيص الدقيق للصبغيات، يتعلق بالأمراض الوراثية والسرطانية وعلاج العقم

هو مخبر دقيق جدًا استطعت على مدى سنوات أن أطوّره حتى ننجح في اكتشاف وتشخيص الأمراض الخلقية قبل الولادة وبعدها وننجح في الوقاية منها لأنها تتسبب في عاهات إلى جانب مداواة العقم وإيجاد حلول له.

تقدمنا بمنشورات وأبحاث علمية وبكل تفاصيل ومراحل هذا المشروع، علمًا وأنّي تحصلت في السابق على جوائز وطنية وكذلك جائزة أمريكية كندية سنة 2013.

  • مخبر بهذه الدقة وعلى مستوى عالٍ من التقنيات، هل تتوفر له كل الاعتمادات اللازمة ليكون على هذا المستوى خاصة وأننا نشتكي دائمًا من ضعف الإمكانيات؟

في الحقيقة، مر المخبر بعدة مراحل في بداياته سنة 1987 عرف حرصًا وسعيًا لتوفير الإمكانيات ثم مرت أوقات أخرى عصيبة، لكن برأيي مهما كانت الظروف لابد أن نعمل ونجتهد حتى يتواصل هذا المشروع العلمي ونبقى على خارطة  التقدم الطبي في العالم العربي والغربي أيًضا، وما هذه الجائزة إلا دليل على ذلك.

  • بعض الدول العربية توفر إمكانيات هائلة من أجل البحث العلمي وتستقطب كفاءات وقامات علمية مهمة، ألم تفكر في الالتحاق بهذه الدول؟

الفرص موجودة دائمًا وبإمكاني المغادرة متى أردت، لكن سنة 1987 حينما كنت في فرنسا أعمل مستقرًا في مخبر كهذا، خيرت أن أعود إلى تونس وأن أعمل على هذا المشروع في بلادي وفي مرفق عمومي خدمة لكل الناس. هذه قناعة شخصية. أنا أحب بلادي وشعب بلادي وأرى أنّ مهنتي كطبيب هي مساعدة الناس ومعالجتهم وأعتبر التحاقي بالمرفق العمومي فرصة مهمة جدًا لتحقيق ذلك. هذا هدفي وهو يرضيني ويسعدني.

فريق الدكتور علي سعد في مخبر علوم الوراثة والجينات 

لكن الكثير من طلبتي الذين كونتهم غادروا البلاد، بعضهم في أمريكا وكندا والسعودية وفرنسا وبلجيكيا... أعتبرهم سفراء  لتونس هناك.

  • ألا تعتبر مغادرة الكثير منهم البلاد دليلًا على وضع لا يشجع العلم والعلماء؟

أودّ أن أوضح أن الصعوبات التي تعانيها البلاد نتقاسمها جميعًا، أي أن المواطن يعاني والحكومة تعاني والجميع يعتبر المال قوام الأعمال، لكنّ هذا المال لا يمكن أن يأتي إلا بالعمل، لهذا لا بدّ أن نعمل لا أن نجلس وننتظر المال.

اقرأ/ي أيضًا: المتحصلة على جائزة أفضل معلمة في العالم: انتهى عهد الطباشير والورقة (حوار)

فكل الدول العظمى التي كانت تعاني أزمات اقتصادية استطاعت أن تنجح فقط بالعمل.

مخبرنا مثلًا حقق هذه النتائج المشرفة بالعمل والاجتهاد والمثابرة  قبل الإمكانيات، لأن الحرص والسعي  يأتيان بكل الإمكانيات.

القطاع الطبي يشكو من أزمات وصعوبات، ولعل جائحة كورونا مكنت من إماطة اللثام عنها، فكيف يمكن النهوض به حسب رأيك؟

في تونس، الموارد البشرية ممتازة جدًا والمستوى العلمي والتقني متميز، لكن إذا لم نقف للمستشفيات العمومية من أجل إصلاحها وتشجيعها وتوفير الموارد اللازمة لها فإننا فعلًا متجهون نحو الكارثة.

الدكتور علي سعد: من أجل النهوض بالقطاع الطبي يجب اعتماد الحوكمة الرشيدة وضبط العلاقة بين الصناديق الاجتماعية والمستشفيات وتغيير سياسة الصحة العمومية من خلال منظومة جديدة إصلاحية 

أرى الحل في الحوكمة الرشيدة وفي ضبط العلاقة بين الصناديق الاجتماعية والمستشفيات وتغيير سياسة الصحة العمومية من خلال منظومة جديدة إصلاحية حتى يكون المردود المالي للمستشفيات العمومية محترمًا يساهم في تحسينها.

وفي إصلاح هذه المنظومة نبقي على الأطباء في تونس، لأن الطبيب لا يبحث فقط عن المال حين يغادر أرض الوطن ولكن الطبيب المتطور ذهنيًا بدرجة كبيرة لا يستطيع أن يعمل في منظومة متوسطة أو ضعيفة بل يبحث عن مجال لتطبيق المعارف والعلوم ويبدع، الطبيب لا يجب أن يكون مكبلًا، ولهذا هم يغادرون من أجل التحليق بعلمهم ومشاريعهم.

الدكتور علي سعد وعائلته

وفي هذا الإطار، أودّ أن أؤكد أن الأطباء يحبون بلادهم ومتعلقون بها ويريدون العمل فيها، فتلك العبارة التي يقولها لك المريض"يرحم والديك" لن يسمعها لا في فرنسا ولا أمريكا، وهي كلمة عظيمة جدًا جدًا.

  • تحذر بعض الدراسات العلمية من تداعيات فيروس كورونا على الإنجاب وتسببه في العقم. هل شرعتم في البحث عن ذلك في مخبركم؟

لا يمكن أن ننفي أو نؤكد ذلك، فذلك يحتاج إلى دراسة من خلال تحاليل كافية للمصابين بفيروس كورونا ونحن بصدد العمل عليها في المستقبل لمعرفة ذلك، ونحتاج لسنة تقريبًا حتى نتحصل على النتائج الدقيقة والكافية.

الدكتور علي سعد: نحن قادرون كتونسيين وكعرب على أن نعمل على مشروع علمي عربي موحد، وأن نكون متقدمين جدًا في المجال الطبي

  • الأزمة التي تمر بها البلاد، هل ترى أنها أزمة سياسية أساسًا؟

أنا لست سياسيًا، لكن أرى أن هناك جملة من الأخطاء تتعلق بالحوكمة والتنظيم، وأعتقد أن من يضع هدفًا يحققه مهما كان وإن تعاظمت العراقيل، فمن لديه مشروع للنهوض ببلاده فلينطلق فيه وسيجد الطريق وينجح، لكن للأسف أرى أخطاء كثيرة وعلى كافة الأصعدة.

  • عربيًا هل نحن قادرون على أن يكون لنا موقع في البحوث العلمية؟

نحن قادرون كتونسيين وكعرب على أن نعمل على مشروع علمي عربي موحد، وأن نكون متقدمين جدًا في المجال الطبي بتوفير الإمكانيات والطاقات البشرية والمخابر اللازمة... فقط تنقصنا الإرادة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| كريم رجب صفر: أيادٍ تونسية اخترعت "كمامة ذكية" بمواصفات عالمية

حوار|مستشار منظمة الصحة العالمية سهيل العلويني:حوكمة الجائحة غير صائبة في تونس