07-أغسطس-2020

يواجه المشيشي صعوبة التموقع لتعزيز صورته كرئيس للحكومة يتمتّع بكافة صلاحياته (مصدر الصورة: رئاسة الجمهورية)

 

اختار رئيس الجمهورية قيس سعيّد تكليف هشام المشيشي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بتشكيل الحكومة الجديدة خلفًا لإلياس الفخفاخ. وعلى الرغم من ترحيب معظم الأحزاب بتكليف المشيشي، إلا أنه مثّل مفاجأة لأغلبهم، خاصة وأنّه لم يكن من بين الأسماء التي طُرحت أو التي رشحتها الأحزاب لتشكيل الحكومة

عقب ذلك الترشيح، تعددت المواقف بين من يرى ضرورة أن تكون ذات حزام سياسي واسع، وبين من يعتقد ضرورة أن تكون حكومة مستقلين عن جميع الأحزاب. فيما يرى البعض الآخر أنها يجب أن تضم مستقلين مع مشاركة كفاءات حزبية. فيما لم يُركز البعض على طبيعة تركيبة الحكومة، بقدر التركيز على أولوياتها المقبلة والتحدّيات التي تنتظرها.

بولبابة سالم لـ"ألترا تونس": يجب أن تكون حكومة سياسية، تشارك فيها الأطراف الوازنة، مع الحفاظ على الأطراف المكونة للحكومة السابقة ومع ضم قلب تونس

في ذات السياق، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أنّ الاتحاد لن يرشّح أي اسم لتولي حقيبة وزارية في الحكومة القادمة، ويرى "ضرورة أن تكون مضيّقة ومبنيّة على مقاييس واضحة، وترتكز على كفاءات من الإدارة التونسية في ظل عدم ارتقاء وعي وكفاءة الطيف السياسي إلى درجة الاستحقاقات الشعبية"، وفق تعبيره، مؤكدًا أنّ "الوضع العام الخطير بالبلاد لم يعد يتحمّل التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية الضيّقة في مسار تشكيل الحكومة".

فيما أعلنت حركة النهضة عن ضرورة أن تكون الحكومة القادمة حكومة وحدة وطنية. داعية إلى "توسيع دائرة المشاورات مع الأحزاب والمنظمات الوطنية ووضع برنامج وطني للإنقاذ لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة"، مع "دعوة كل مكونات الساحة السياسية إلى التهدئة والحوار، والالتزام بنهج التوافق ودعم مقومات الوحدة الوطنية والاستقرار".

وأشار، في ذات السياق، رئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان التونسي والقيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، في تصريحات إعلامية، إلى أنّ حزبه يفضل تكوين حكومة دون مشاركة حركة النهضة، معتبرًا أنّ ذلك "ليس استئصالاً أو إقصاء". كما دعا سليم العزابي، أمين عام حزب تحيا تونس،  إلى "حكومة كفاءات مستقلة تمنح هدنة بسنتين للقيام بتنزيل خطة الإنقاذ الوطنية التي ستجنب البلاد الكارثة"، وفقه.

اقرأ/ي أيضًا: بعد تكليف المشيشي.. ترقب حذر من الأحزاب والمنظمات

لقاءات مختلفة لتشكيل الحكومة

في  الأثناء، لم يقدّم المشيشي أيّ تصور واضح عن كيفية إجراء المشاورات لتشكيل الحكومة، التي من المفترض أن تُفضي إليها لقاءات تمتد طيلة الشهر، حسب ما ينصّ عليه الدستور، أو عن خياراته بدقة حول شكل الحكومة. لكنّه في وضعية تفرض عليه تجاوز التناقضات بين الأحزاب، التي ستكون مجبرة بين خيارين إما تمرير الحكومة أو حلّ البرلمان.

وربّما يفسح الواقع الذي فرضته الخلافات السياسية المجال أكثر أمام المشيشي لتشكيل حكومة لا يحاصره فيها التزام حزبي ولا تدعمه كتلة برلمانية بعينها، ولا توجهات سياسية قد تجعله راضخًا لخيارات حزبية معيّنة، لأنّ الأحزاب وكتلها البرلمانية اليوم مخيّرة بين منح الثقة لحكومة قد لا تكون لهم تمثيلية فيها، أو التصويت بلا ومنح رئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات مبكرة  قد تعصف بثقل كتل وأحزاب لها مكانها اليوم في البرلمان.

وأمام كلّ ذلك، يواجه المشيشي صعوبة التموقع لتعزيز صورته كرئيس للحكومة يتمتّع بكافة صلاحياته، وليس كوزير أول تابع للرئيس يأتمر لأوامره.

وقد خصص المشيشي الأسبوع الأول من التكليف للمشاورات مع المنظمات الوطنية وعدد من الشخصيات الاقتصادية والإعلامية، فيما التقى خلال الأيام الماضية برؤساء الكتل البرلمانية وقادة أحزابها للتشاور بشأن حكومته، ثمّ بنواب لا ينتمون إلى أي كتل برلمانية وختم الأسبوع الثاني بلقاءات مع الرؤساء ورؤساء الحكومات السابقين. وقد يُفسّر البعض مباشرة المشيشي المشاورات مع المنظمات قبل الأحزاب أو الكتل البرلمانية، بأنّه توجه نحو تشكيل حكومة عمادها المستقلين. ولا تزال المشاورات مستمرّة بصفة يومية دون أن يُفصح المشيشي بعد عن طبيعة الحكومة المزمع تشكيلها. 

الجورشي لـ"ألترا تونس": مؤسسات التمويل الدولية تريد التأكد من أن الحكومة القادمة ستصمد أمام هذه التحديات الاقتصادية

ثقة اضطرارية لتجنّب حلّ البرلمان

في هذا السياق، قال المحلل السياسي بولبابة سالم إن "تكليف سعيّد لهشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة يعود إلى غضب الرئيس من الحسابات الضيّقة للأحزاب، بعد أن عايش صراعاتها وحساباتها لفترة، ونقضها لتعهداتها سواء خلال حكومة الجملي أو حكومة الفخفاخ"، مضيفًا في تدوينة في صفحته على موقع فيسبوك أن "الوضع دقيق بسبب دقة الوضع الإقليمي وصعوبة الأوضاع الداخلية لذلك اختار سسعيّد شخصية مستقلة قريبة منه، ولها اطلاع على الوضع الأمني" ومعتبرًا أنّ حكومة المشيشي ستكون حكومة الرئيس وستنال ثقة البرلمان"، وفق تقديره.

وقد أوضح بولبابة سالم خلال حديث لـ"ألترا تونس" أن اختيار قيس سعيّد للمشيشي مثل مفاجأة لجميع الأحزاب، لا سيما وأنّه لم يقع اقتراحه من أي جهة سياسية لتشكيل الحكومة، ولكن يبدو أنّ رئيس الجمهورية اختار شخصية بعيدة عن كلّ الصراعات السياسية وعن أي ارتباط حزبي"، مضيفًا أن "استبعاد الأحزاب أو تشكيل حكومة دون سند حزبي سيخلق مشكلاً كبيرًا".

وأضاف "من وجهة نظري يجب أن تكون حكومة سياسية بامتياز، تشارك فيها الأطراف الوازنة التي لديها ثقل شعبيًا واجتماعيًا، مع الحفاظ على الأطراف المكونة للحكومة السابقة ومع ضم قلب تونس لتصبح حكومة وحدة وطنية".

صلاح الدين الجورشي لـ"ألترا تونس": هل ستكون حكومة يقودها رئيس حكومة يتمتّع بكافة صلاحياته ويصرّ عليها، أم أنّه سيكون وزيرًا أول يخضع لتوجيهات رئيس الدولة؟

من جهته، أشار المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ"ألترا تونس" إلى أن "المشيشي في وضعية صعبة تفرض عليه اختيار فريق سياسي قادر على الانسجام لتجاوز الخلافات السياسية التي أسقطت من قبله. وأول تحدّ ستكسبه الحكومة الجديدة هو كسب الأغلبية في البرلمان والمرور بسلام، أم أنّه سيحجب عنها التصويت لصالحها. وهذا التحدي الكبير مرتبط بالأسلوب والمنهج الذي سيعتمده رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة، إذ يجب أن تكسب الحكومة أغلبية الأصوات في البرلمان. ومن الممكن أن يمنح النواب ثقة اضطرارية حتى يتجنّبوا حلّ البرلمان. وبعد ذلك يقع إخضاع الحكومة إلى محاسبة شديدة ومتابعة أو ربّما حتى التفكير في إسقاطها في مرحلة قادمة".

وأضاف الجورشي لـ"ألترا تونس" أن "التحدي الثاني الذي تواجهه الحكومة هو البرنامج الذي ستقدّمه، وأهدافها وأولياتها خاصة في الوضع الاستثنائي والصعب الذي تمرّ به البلاد"، موضحًا أنّها "تواجه تحديًا ثالثًا وهو اقتصادي اجتماعي بدرجة أولى، لأنّ الوضع الاقتصادي انهار بشكل حاد وحتى مؤسسات التمويل الدولية تريد التأكد من أن الحكومة القادمة ستصمد أمام هذه التحديات الاقتصادية".

وقد أشار المحلل السياسي إلى "نوع العلاقة التي ستكون بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، بمعنى هل ستكون حكومة يقودها رئيس حكومة يتمتّع بكافة صلاحياته ويصرّ عليها، أم أنّه سيكون وزيرًا أول يخضع لتوجيهات رئيس الدولة الذي يضع السياسة العامة كما يُروج لذلك كثيرون حسب التطورات الأخيرة في الساحة السياسية وما بدا من خيارات وطريقة تصرف لرئيس الجمهورية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا بعد سقوط لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان؟

من رشحت الأحزاب لرئاسة الحكومة القادمة في تونس وأي خلفيات لاختياراتها؟