15-ديسمبر-2019

الموت الدماغي هو فقدان لا رجوع فيه لجميع وظائف الدماغ (Getty)

 

سكت الجميع عندما أطلّ الطبيب المباشر لحالة "محسن" على العائلة ليعلمهم أن أباهم في حالة "موت دماغي" وهي حالة موت حقيقي بما لا يدع مجالًا للشك بعد إجراء كافة أنواع الفحوصات التكميلية للحالة. حمل الأبناء جثمان الأب، مساء الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، من قسم الانعاش بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة وتسلموا شهادة وفاته عائدين إلى منطقة الشبيكة من ولاية القيروان استعدادًا لمراسم الدفن وتوديع الكهل الستينيّ الذي يعاني من أمراض مزمنة.

اجتمع الأهل حول جثمان "محسن"، المصنّف في عداد الأموات، غير أنّهم لاحظوا علامات تنفّس ليتصلوا صباح الجمعة بالطبيب المباشر للحالة الذي أمرهم بإرجاعه إلى المستشفى بسرعة

اجتمع الأهل حول جثمان "محسن"، المصنّف في عداد الأموات، غير أنّهم لاحظوا علامات تنفّس ليتصلوا صباح الجمعة بالطبيب المباشر للحالة فأمرهم بإرجاعه إلى المستشفى بسرعة، وكانت الصدمة عندما أدرك الجميع أن حالة "محسن" على ما هي عليه بين حياة وموت، فهو ليس في عالم الأموات ولا هو في عالم الأحياء.

اقرأ/ي أيضًا: "حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟

الطبيب المباشر يوضّح

عماد شوشان، الطبيب المسؤول عن قسم الإنعاش بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد، أقرّ في تصريح لـ"ألترا تونس" أن المريض "محسن" (60 سنة) تلقى العناية اللازمة عند وصوله إلى المستشفى وتم تشخيص حالة وفاة دماغي أكدتها بعض الفحوصات التكميلية من بينها التخطيط الكهربائي للدماغ في مناسبتين ليُستنج بما لا يدع مجالًا للشك أنه في حالة موت دماغي وهي حالة موت حقيقية.

لكن عاد المريض، الذي كان قد تحصل على شهادة وفاة، للمستشفى في صبيحة اليوم الموالي بعد معاينة حالة تنفس، وقد شدد الطبيب أن تسليم شهادة الوفاة كان بعد استيفاء كامل الفحوصات وبناء على معطيات علمية واضحة غير قابلة للشك.

أكد الطبيب المباشر للحالة أنه سلم شهادة الوفاة بعد استيفاء كامل الفحوصات وبناء على معطيات علمية واضحة غير قابلة للشك

وأوضح أن من بين علامات الموت الدماغي التوقف عن التنفس والغيبوبة التامة وتوقّف خلايا المخ تمامًا مؤكدًا "ليس من الطبيعي أن يكون الميّت دماغيًا في حالة تنفس".

كان المشهد سيمرّ في صمت لولا الهالة الإعلامية التي رافقت هذه الحادثة التي أثارت انتقادات حادّة للإطار الطبي المشرف على حالة "محسن" ضمن سياق عام سلط الضوء، طيلة الفترة الماضية، على الخدمات الصحية والاستشفائية في تونس.

تحوّل صباح السبت 14 ديسمبر/كانون الأول فريق من وزارة الصحة متكوّن من رئيس ديوان وزيرة الصحة، ومدير التفقدية الطبيّة، ومتفقدين من الإدارة المركزية، ومدير عام الهياكل العمومية إلى المستشفى الجامعي فرحات حشاد لمتابعة حالة المريض والوقوف على ملابسات تسليم شهادة الوفاة لشخص في حالة وفاة دماغية.

ما معنى موت دماغي؟

ويُعرف الموت الدماغيّ بأنه "فقدان لا رجوع فيه لجميع وظائف الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ"، وتتمثل العلامات الأساسية الثلاث لموت الدماغ في الغيبوبة، وغياب ردود أفعال جذع الدماغ وتوقف التنفس.

ومن أعراض الموت الدماغي "ألا تستجيب حدقة العين للضوء، ولا يظهر الشخص أي رد فعل للألم، وألا تومض العينان عند تحريك الرأس، وألا يتنفس الشخص عندما يتم إيقاف تشغيل التنفس الصناعيّ كما لا يظهر اختبار رسم الدماغ الكهربائي أي نشاط في الدماغ على الإطلاق". وقد أكد الأطباء على أن "اختبار انقطاع النفس يعتبر شرطًا لا غنى عنه لتحديد موت الدماغ لأنه يوفر علامة أساسية للفقدان النهائي لوظائف الدماغ".

يُعرف الموت الدماغيّ بأنه "فقدان لا رجوع فيه لجميع وظائف الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ"، وتتمثل العلامات الأساسية الثلاث لموت الدماغ في الغيبوبة، وغياب ردود فعل جذع الدماغ وتوقف التنفس

اقرأ/ي أيضًا: "النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي

وبناء على ما ورد من تشخيص طبي، يمكن القول إن تشخيص الموت الدماغي يعادل وفاة الشخص فلا أحد يستوفي معايير الموت الدماغي ويتعافى، وذلك وفق ما طالعناه بخصوصه.

"جثة حيّة" هي أقرب عبارة يمكن وصفها لحالة "محسن"، إذ من دون وجود نشاط للدماغ يعتبر الشخص ميتًا حتمًا، وقد تزعزع مفهوم الموت بعد ظهور التكنولوجيات الداعمة للحياة إذ بات يمكن المحافظة على نبض القلب والتنفس لأيام وربما لأسابيع اصطناعيًا في "جثة حيّة".

وقد قامت الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب تحديث المبادئ التوجيهية لتحديد الموت الدماغي وذلك بإجراء اختبارات تتضمن 25 وحدة منفصلة قبل إعلان موت الشخص دماغيًا. وتترك مسألة سحب الأنظمة الداعمة في حالات الموت الدماغي آثارًا أخلاقية في كافة المجتمعات لذلك كانت أغلب المؤسسات الاستشفائية تحافظ على إبقائها، ولا يزال النقاش محتدمًا حول هذه المسألة في عديد المنابر الطبية والدينية والاجتماعية.

وفي هذا الجانب، تطرق الباحث فيليب بيري في مقال له حول "الموت الدماغي" لحالة "مارليس مونوز"، وهي امرأة أمريكية كانت حاملًا في أسبوعها الـ14 عندما عانت من انسداد رئوي، وأعلن مستشفى "جون بيتر سميث" في "فورت وورث" في "تكساس" بأنها ميتة دماغياً. لكن أصرت الأسرة في حالة هذه المرأة على سحب جميع أنظمة دعم الحياة عنها وهو ما رفضه المستشفى لأن القانون في تكساس يمنع سحب الأنظمة الداعمة للحياة عن المريضات الحوامل.

الموت الدماغي والتبرع بالأعضاء

ويطرح الموت الدماغي باستمرار مسألة التبرع بالأعضاء، إذ يعدّ الإعلان عن الموت الدماغي شرطًا للتمكن من التبرع، وهو تلازم تحدث عنه عماد شوشان، الطبيب المباشر لحالة محسن، الذي قال إنه بحث مع عائلته على إمكانية التبرع بأعضائه وهو إجراء طبيعي وقانوني بالتنسيق مع المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، ولكن قال إن العائلة رفضت ذلك ليتم حفظ الملف في هذا الشأن.

لا تزال نسبة رفض التبرع بالأعضاء مرتفعة في المجتمع التونسي رغم الحملات التحسيسية لتشجيع التبرع

ويمكن الإشارة إلى أنه رغم الحملات التحسيسية لتشجيع التبرع بالأعضاء، لازالت نسبة رفض التبرع مرتفعة في المجتمع التونسي علمًا وأن قانون 25 مارس/آذار 1991 المتعلق بالتبرع للأعضاء يخول للمؤسسة الطبية العمومية أخذ عضو أو أكثر من حالة وفاة إذا لم تدوّن في سجل خاص ممانعة أهل الميت، غير أنه جرت العادة على أخذ موافقة العائلة بصفة مسبقة.

"مشارفة الموت" هي إذًا تلك الحالة التي يعيشها المريض المتوفّى سريريًا أو الذين تتوقف قلوبهم عن الخفقان نتيجة سكتة قلبية أو سكتة دماغية، تجربة يعبر عنها بالاقتراب الشديد من الموت بل هي حالة بين الموت والحياة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصحة العمومية في تونس.. تدهور مستمرّ ودعوة للإنقاذ قبل فوات الأوان

منعرجات الموت.. عن أكثر الطرقات صيدًا للأرواح البشرية في تونس