حافظ كرباعة.. فلاح تونسي وظف خبرته لإكثار البذور الأصلية وتوزيعها مجانًا

"كل البذور والمشاتل الأصلية توزع مجانًا ودون مقابل"، كان هذا شعار الدورة السادسة من معرض البذور الأصلية والموروث الجيني التي انتظم بداية شهر  أفريل/نيسان الجاري بمدينة بني حسان من ولاية المنستير، تحت إشراف الفلاح حافظ كرباعة. 

وعلى امتداد ستّ سنوات نجح الفلاح التونسي في إكثار أصناف متنوعة من الخضر والقرعيات والغلال كانت مهددة بالاندثار، إضافة إلى نجاحه في إكثار أصناف من الشعير التي كانت تُزرع قبل مئات السنين على أرض تونس واندثرت بمرور الزمن.

نجح الفلاح التونسي حافظ كرباعة في إكثار أصناف من الخضر والغلال كانت مهددة بالاندثار، إضافة إلى أصناف من الشعير كانت تُزرع قبل مئات السنين في تونس واندثرت بمرور الزمن

• حافظ كرباعة.. إكثار البذور الأصلية وتوزيعها مهمة الجميع

ويصف كرباعة في حديثه مع "الترا تونس"، هذه التجربة بالفريدة، مؤكدًا أنها حققت نجاحًا لافتًا وأثبتت أنّ التونسيين لا يزالون متمسكين ببذورهم الأصلية ويطمحون للحفاظ عليها وإكثارها وزراعتها، على الرغم من هيمنة البذور المهجّنة والمُحسنة على الزراعة التونسية.

ووفق كرباعة، فقد تم هذه السنة تحديد يوم 5 أفريل/نسيان 2025 لتوزيع المشاتل والبذور الأصلية على الفلاحة والسكان، غير أنه تقرر التمديد في هذه الفترة إلى غاية يوم 16 من الشهر ذاته، وذلك على خلفية الإقبال الكبير من قبل المواطنين الذين قدموا من جميع الولايات للحصول على نصيبهم من المشاتل. 

حافظ كرباعة لـ"الترا تونس": هذه التجربة أثبتت أنّ التونسيين لا يزالون متمسكين ببذورهم الأصلية ويطمحون للحفاظ عليها وزراعتها، رغم هيمنة البذور المهجّنة والمُحسّنة على الزراعة التونسية

ووفق كرباعة، فقد تمكن نحو 5 آلاف شخص من الحصول على البذور والمشاتل الأصلية لزراعتها في أراضيهم وحدائق المنازل إلى حدود 9 أفريل/نيسان، متوقعًا أن يرتفع العدد خلال الأيام المقبلة.

وسيتمّ كذلك نهاية الأسبوع الجاري، تنظيم يومين لتكوين الأطفال وتحسيسهم بأهمية البذور الأصلية وواجب الحفاظ عليها وإكثارها للتصدي للبذور المهجّنة وتحقيق الاكتفاء الذاتي بالإضافة إلى تدريبهم على زراعة بعض أنواع القرعيات والخضر، وفق المصدر ذاته. 

ويرى الفلاح التونسي أنّ تجربة الحفاظ على البذور الأصلية تهدف إلى ضمان غذاء صحي وسليم وتحقيق اكتفاء ذاتي وعائلي ووطني، مؤكدًا أنّ البذور يتم توزيعها بشكل مجاني ودون أيّ مقابل مادي على كل من يرغب في خوض تجربة الزراعة المستدامة والذاتية.

ووفق محدث "الترا تونس"، فإنّ جميع البذور التي يتم إكثارها وتوزيعها هي بذور محلية وأصلية مسجلة لدى البنك الوطني للجينات ومزروعة في منابت مختصة ومراقبة من قبل وزارة الفلاحة التونسية.

حافظ كرباعة لـ"الترا تونس": الهدف من الحفاظ على البذور الأصلية ضمان غذاء صحي وسليم وتحقيق اكتفاء ذاتي وعائلي ووطني

وتتميز البذور الأصلية، بحسب كرباعة، بأنّها بذور قابلة للاستهلاك وإعادة الزراعة كما أنها قادرة على التأقلم مع التغيرات المناخية ولا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه في ظل ما تعانيه تونس من شحّ في الموارد المائية، إضافة إلى كونها قادرة على مقاومة الأمراض.

وباعتبار أنّ البذور الأصلية لا تحتاج لكميات كبيرة من الأدوية الكيميائية، فهي قادرة على أن تكون مصدرًا للغذاء السليم عكس البذور المهجنة أو المحسّنة التي تعرف بكونها غير قادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية وتحتاج كميات كبيرة  من المياه والأدوية الكيميائية.

وتبدأ عملية الإكثار بعد حصول الفلاح على نصيبه من البذور والمشاتل الأصلية لزراعتها، ثم يقوم بعد ذلك بجمع محصوله، ويقوم بدوره بالاحتفاظ بالبذور بهدف إعادة زراعتها في مراسم زراعية أخرى وتوزيع ما زاد عن حاجته لأقاربه ومعارفه وأصدقائه. 

حافظ كرباعة لـ"الترا تونس": البذور يتم توزيعها بشكل مجاني ودون أيّ مقابل مادي على كل من يرغب في خوض تجربة الزراعة المستدامة والذاتية

وأكد كرباعة أنّ تجربة الإكثار لم تقف عنده وأنها تطورت لتشمل آلاف الأشخاص في كامل تراب الجمهورية، الذين حملوا على عاتقهم مهمة إكثار البذور الأصلية وتوزيعها في إطار سلسلة متكاملة تعمل للحفاظ على السيادة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

• من بطيخ تاج الملك إلى الشعير الأسود.. إكثار بذور مندثرة

ولم تنجح تجربة إكثار البذور الأصلية في إنقاذ أصناف عديدة من الاندثار فقط، بل إنها كانت فرصة ذهبية لإعادة إحياء أصناف من الخضر والزراعات التي اندثرت تمامًا ولم تكن مسجلة حتى في البنك الوطني للجينات. 

وأكد كرباعة أنّ تجربة إكثار البذور الأصلية نجحت في إكثار 7 أصناف أصلية من البطيخ و7 أصناف من الشمام وثلاثة أصناف من الفلفل وصنفين اثنين لكل من الطماطم واليقطين والخيار، إضافة إلى إعادة زراعة الأشجار المثمرة مثل الخوخ العربي والمشمش المحلي. 

حافظ كرباعة لـ"الترا تونس": تجربة إكثار البذور الأصلية نجحت في إكثار 7 أصناف أصلية من البطيخ و7 أصناف من الشمام وثلاثة أصناف من الفلفل وصنفين اثنين لكل من الطماطم واليقطين والخيار

ونجحت التجربة في إعادة إكثار بذور بطيخ "تاج الملك" الذي كان يُزرع قبل نحو 800 سنة واختفى تمامًا من الزراعة التونسية. كما تمت إعادة إكثار أصناف من الشعير مثل الشعير الأسود والأحمر والأبيض وشعير النبيّ، وهي أصناف كانت تزرع قبل مئات السنين في تونس وتتميز بخلوها من الغلوتين وتحتوي على نسبة كبيرة من البروتينات.

وقال كرباعة إنّ صنف الشعير الأسود تم جلبه من مدينة مرزق الواقعة جنوب ليبيا من أجل إعادة إكثاره في تونس، وهو يعدّ شعيرًا أصليًّا باعتبار أنه كان يزرع قبل نحو 160 سنة على أراضي تونس بحسب معطيات بنك الجينات.

وأكد في ذات السياق أنّه تم النجاح في إعادة أصناف الشعير وبعض القرعيات إلى الزراعة التونسية، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال تم خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إنتاج كميات كبيرة من شعير النبيّ الذي أثبتت التحاليل المخبرية لمعهد التغذية أنه خالٍ من الغلوتين، ما يعني أنه سيوفر مستقبلاً غذاءً صحيًا للتونسيين. 

حافظ كرباعة لـ"الترا تونس": نجحت التجربة في إعادة إكثار بذور بطيخ "تاج الملك" الذي كان يُزرع قبل نحو 800 سنة واختفى تمامًا من الزراعة التونسية

وقال حافظ كرباعة إنّ إحضار بعض أصناف الشعير من ليبيا أو منح أصناف تونسية محلية إلى بعض الدول المجاورة، يندرج في إطار تبادل البذور بين المزارعين حسبما يضمنه القانون الدولي.

وأشار كرباعة في ذات السياق، إلى أنه تتم بعد توزيع المشاتل والبذور على المنتفعين متابعة عملية الزراعة والجني والإكثار، داعيًا كل المهتمين بالزراعة المستدامة إلى اغتنام الفرصة للحصول على أجود أنواع البذور الأصلية.