10-أبريل-2023
من احتجاجات المعارضة التونسية

مجهودات المعارضة لن تجد صدى إلا بتقديم بديل سياسي يرتقي لتطلعات الشعب التونسي (صورة هاجر عبيدي/ألترا تونس)

 

منذ أكثر من سنة ونصف، تستمر المعارضة التونسية في تنفيذ تحركاتها الاحتجاجية المناهضة لإجراءات 25 جويلية 2021 ومخرجاتها وحتى تلك الأحزاب التي ساندت القرارات الرئاسية في البداية أو تميزت بالتردد في الموقف، التحقت بركب المعارضين تنديدًا بالتمشي أحادي الجانب من الرئيس قيس سعيّد والذي يقوّض المسار الديمقراطي في تونس.

لم تيأس المعارضة في تونس ولم تتوقف عن المطالبة بالعودة للمسار الديمقراطي، حتى الإيقافات والمحاكمات التي طالت رموزها لم تحبط عزيمتها في طرح مطالبها والتشبث بقناعاتها

ورغم صياغة دستور جديد وانتخاب برلمان آخر وحل المجالس البلدية وغيرها من الإجراءات التي غيّرت مسار البلاد، فإن المعارضة التونسية لم تيأس ولم تتوقف عن المطالبة بالعودة للمسار الديمقراطي، حتى تلك الإيقافات والمحاكمات التي طالت رموزها لم تحبط عزيمتها في طرح مطالبها والتشبث بقناعاتها.

ولئن سئم المواطن التونسي التجاذبات السياسية وفقد ثقته في جزء واسع من الطبقة السياسية فإن دعوات المعارضة للنزول للشارع والالتحاق بمسيراتها ووقفاتها الاحتجاجية تجد صدى لدى شريحة من التونسيين. وتظل فرقة المعارضة واختلاف رؤاها رغم التقائها حول نفس الهدف وهو العودة للمسار الديمقراطي، هو العامل الأساسي في عجزها عن التوصل لمبادرة جامعة تقوي حظوظها في تلبية مطالبها وتعزز دورها كهيكل موحد. تشتت المعارضة في تونس ههو هنة لم يتوان الرئيس سعيّد عن التلميح بخصوصها كلما سنحت الفرصة ففي كل انتقاداته للمعارضة يذكر بتشتتها في السابق وصراعاتها المستمرة تحت قبة مجلس نواب الشعب وخارجها.

 

 

  • الاستمرارية في المعارضة رغم التشتت  

لم يحل دخول شهر رمضان دون استمرار المعارضة التونسية في تنفيذ تحركاتها الاحتجاجية المعهودة التي انضاف إلى مطالبها المعروفة، مطلب إطلاق سراح الموقوفين من المعارضين السياسيين.

نسق احتجاج المعارضة في تونس لم يتراجع وتقرر تنفيذ وقفة احتجاجية أسبوعية وعقد ندوات يتم فيها الإعلان عن آخر تطورات قضايا الموقوفين كحركة تضامنية نضالية

وتزامنًا مع إحياء ذكرى عيد الشهداء، نفذت جبهة الخلاص الوطني الأحد 9 أفريل/نيسان 2023، وقفة احتجاجية دعا فيها رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي إلى الذهاب لانتخابات رئاسية مبكرة منتقدًا احتداد الأزمة الاقتصادية بالبلاد وتعاطي السلطة التونسية الحالية معها.

ورغم عدم إيجاد هذه الدعوات والمطالب لآذان صاغية وإكسائها صبغة التآمر على أمن الدولة والسلم الأهلية فإن نسق الاحتجاج لم يتراجع وتقرر تنفيذ وقفة احتجاجية أسبوعية وعقد ندوات يتم فيها الإعلان عن آخر تطورات قضايا الموقوفين كحركة تضامنية نضالية.

في هذا السياق، أقر المحلل السياسي بولبابة سالم بغياب أي نتائج ملموسة للتحركات المتواصلة للمعارضة رغم أن المتعارف عليه هو أن الأحزاب المعارضة تضغط من أجل تلبية مطالبها أو القيام بحوار مع السلطة للوصول إلى حلول، مرجحًا أن السلطة في تونس حاليًا لا تعترف بالمعارضة وتتجاهلها.

بولبابة سالم لـ"الترا تونس": هناك عداوة بين أطياف من المعارضة وهم غير قادرين على الالتقاء على الحد الأدنى المشترك ولا على تقديم البدائل والحلول بالتالي تتجاهلهم السلطة رغم تحركاتهم المتواصلة

ولفت المحلل السياسي، في حديثه لـ"ألترا تونس" إلى أن المعارضة في تونس معارضات وليست معارضة موحدة وأن قوة المعارضة في وحدتها لأن تشتت المعارضة يسهل عملية تجاهلها والتعامل معها بلا مبالاة من قبل السلطة، وفقه، مشيرًا إلى أن أطياف من المعارضة بينهم عداوات وغير قادرين على الالتقاء على الحد الأدنى المشترك ولا على الالتقاء على طاولة واحدة كما أنهم غير متفقين على تشخيص الوضع ولا على تقديم البدائل والحلول بالتالي تتجاهلهم السلطة رغم تحركاتهم المتواصلة المستمرة ولا تعترف بوجودهم.

 

 

ولاحظ بولبابة سالم أن الأطياف المعارضة تلتقي في نقطة العودة للديمقراطية لكن البعض منها يرفض العودة لما قبل 25 جويلية/يوليو 2021، على اعتبار أنها كانت ديمقراطية مغشوشة وشكلية، وفقهم، أما الحزب الدستوري الحر وهو طرف رئيس في المعارضة فإنه لا يعترف ببقية المكونات المعارضة خاصة حركة النهضة، وبالتالي الالتقاء صعب ولم يتجل إلا في محطتين هما مقاطعة الاستفتاء والانتخابات التشريعية، وفق تقديره.

بولبابة سالم لـ"الترا تونس": الالتقاء بين المعارضة في تونس صعب ولم يتجل إلا في محطتين هما مقاطعة الاستفتاء والانتخابات التشريعية

ويرى المتحدث أن عدم التقاء المعارضة على طاولة واحدة دليل على وجود إشكال، مضيفًا لـ"الترا صوت تونس"، "الحوار يستدعي الإقرار بوجود أزمة من جميع الأطراف لكن في تونس المعارضة واتحاد الشغل والمبادرة الرباعية تقر بوجود أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية لكن بالنسبة للسلطة لا تعترف بذلك وهو ما يعقد المسألة".

وتابع "الحوار لا معنى له في ظل عدم الإقرار بوجود أزمة ويصبح مجرد دعوات فارغة لن تلقى أي تجاوب خاصة من قبل سعيّد الذي لا يعترف بالأجسام الوسيطة كالجمعيات والمنظمات والأحزاب ويعتبر أن علاقته مباشرة مع الشعب".

ولفت المحلل السياسي إلى أن الرئيس يصدر الأزمة للمعارضة ويرى أن التقاءها انتهازي على اعتبار أنها كانت في السابق تعيش صراعات حتى بين الأطياف المشكلة لجبهات الآن وبذلك عندما تقرر السلطة تجاهل الدعوات للحوار ستحاول استحضار الماضي القريب للمعارضة الذي كان يتسم بصراعات محورها الأساسي التموقع، وفقه.

بولبابة سالم لـ"الترا تونس": الرئيس يصدر الأزمة للمعارضة ويرى أن التقاءها انتهازي لذلك يصر على استحضار الماضي القريب للمعارضة الذي كان يتسم بصراعات

وعن مطالب المعارضة، اعتبر بولبابة سالم أن الأولويات تتغيّر لكن في الخلاصة، المعارضة تدعو للحوار مع التنديد بالإيقافات والقرارات ومحاولة إيجاد مخرج للأزمة السياسية، لافتاً إلى أن مواقف ومطالب المعارضة في تونس هي نابعة من المستجدات السياسية ومتجددة وفقها.

  • هل يضيّق صمود المعارضة وتواصل تحركاتها الخناق على السلطة؟

اتسم تعامل السلطة مع تحركات المعارضة واحتجاجاتها بالتجاهل واللامبالاة علاوة على كيل الشتائم والتهم، مع ذلك فإن المعارضة السياسية والمدنية في تونس ثابتة على مواقفها وتواصل صمودها رغم جملة الاعتقالات. وقد اعتبر الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن "سلسلة التحركات التي تخوضها المعارضة لم تؤد لأي نتيجة بسبب غياب أرضية سياسية مشتركة"، وفقه، مشيرًا إلى أنه "على كل من يسعى لمسك مقاليد الحكم، التوجه للشعب والتحرك في الجهات والحضور ميدانيًا في مختلف الجهات علاوة على الخوض في الملفات الحارقة اجتماعيًا مثل التلوث وشح المياه". 

الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي لـ"الترا تونس": مستقبل المنظومة السياسية عمومًا هو الصدام في غياب بدائل سياسية منهجية تحظى بسند قاعدي وجهوي

كما لفت العبيدي في حديثه لـ"الترا تونس" إلى أن "المعارضة ليس لها بديل سياسي لانعدام البديل حتى لدى الطرف الرسمي الذي يفتقر لحزب يسانده".

ويرى الدبلوماسي السابق أن مستقبل المنظومة السياسية عمومًا هو الصدام في غياب بدائل سياسية منهجية تحظى بسند قاعدي وجهوي، موضحًا أن "الصدام على مستوى السلطة وقوات الأمن وهذا ما يحدث يوميًا لكنها صدامات لا تتجه نحو هدف واضح"، وفقه.

يتفق المتابعون للشأن السياسي في تونس على أن مجهودات المعارضة لن تجد صدى إلا بتوحيد صفوفها وتقديم بديل سياسي يرتقي لتطلعات الشعب التونسي

يتفق المتابعون للشأن السياسي في تونس على أن مجهودات المعارضة لن تجد صدى إلا بتوحيد صفوفها وتقديم بديل سياسي يرتقي لتطلعات الشعب التونسي، الذي أصبحت أوكد أولوياته إيجاد حلول لوضعه الاقتصادي والاجتماعي المتأزم.