10-أكتوبر-2015

الإعلامي التونسي معز بن غربية(سفيان الحمداوي/أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

تؤكد محاولة اغتيال رئيس فريق النجم الرياضي الساحلي والنائب عن حركة نداء تونس، في محافظة سوسة، مصداقية تصريحات الإعلامي معز بن غربية الأخيرة وخطورة الصراع بين مختلف "اللوبيات" التي حذر الرجل الشعب التونسي منها. فهل محاولة الاغتيال الأخيرة رسالة مشفّرة إثر تصريحات بن غربية وتهديده بكشف حقائق حول الاغتيالات السياسية التي وقعت بعد الثورة وفساد بعض الشخصيات؟

عرف المشهد الإعلامي التونسي، بعد الثورة، طفرة تعود بالأساس إلى أذرع مالية وسياسية شوّهت مناخ الحريات

أعادت تصريحات الإعلامي معز بن غربية الجدل من جديد حول واقع المشهد الإعلامي في تونس وضرورة إصلاحه، وهو هدف لم يتحقق رغم مناداة الجميع به منذ انطلاق الثورة. يطرح فيديو بن غربية مرة أخرى وبقوة العلاقة بين الإعلام والسياسة في تونس في المرحلة الانتقالية وتوغّل "لوبيات" في مشهد إعلامي، عرف طفرة تعود بالأساس إلى أذرع مالية وسياسية، شوّهت مناخ الحريات السائد بعد الثورة، وهذا خطر يدركه الإعلاميون أنفسهم.

هدد بن غربية ، في الفيديو الذي نشره على صفحته بموقع "فيسبوك"، بكشف أسرار تمسّ ملفات شهداء سياسيين وأمنيين، وهو ما أحرج السلطة السياسية التي سارعت بفتح تحقيق خاصة في ظلّ نبرة التحدي التي حملها الفيديو لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومطالبتهما، كما جاء في نص الفيديو، "بمصارحة الشعب التونسي والكف عن الكذب".

لمّح الإعلامي معز بن غربية في كلامه إلى بعض الشخصيات، التي تنتمي إلى "لوبيات" معينة، واعتبرها متورطة في ملف الاغتيالات. وسرد بدقة تفاصيل موت السياسي طارق المكي منذ سنوات وأوضح أنه بصدد جمع خيوط طريقة اغتيال الشهيد محمد البراهمي والشهيد سقراط الشارني والمحامي فوزي بن مراد. لكن بعض الملاحظين يعتبرون أنّ تصريحات معز بن غربية تعكس معركة داخل مراكز نفوذ ومحاور تتحكّم في المشهد الإعلامي التونسي ليس أكثر، خاصة وأن بن غربية لم يذكر أسماء بعينها ولم يقدّم أدلّته إلى النيابة العمومية ممّا أثار حفيظة أرملة الشهيد محمد البراهمي التي طلبت منه كشف الحقيقة و"عدم إدراج ملف زوجها في لعبة محاور وتصفية حسابات".

ارتبكت الهيئة التعديلية للإعلام في تونس أمام الفوضى الإعلامية، واختراق بعض "بارونات" المال والسياسة للمشهد الإعلامي

تطرح تصريحات بن غربية أكثر من سؤال عجزت الدولة عن الإجابة عنه، مثلما عجزت عن وضع حدّ لتغلغل المال في المشهد السياسي التونسي. كما وجدت الهيئة التعديلية لإصلاح القطاع السمعي البصري نفسها مرتبكة أمام الفوضى الإعلامية واختراق بعض "بارونات" المال والسياسة للمشهد الإعلامي. وقد دفع هذا بالعديد من الملاحظين إلى إطلاق صيحة فزع محذّرين من أنّ كلام معز بن غربية يجب أن يضع الدولة وهيئاتها وجميع مكونات المجتمع المدني أمام ضرورة التصدي العاجل لهذه "اللوبيات"، التي باتت تفسد تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس وتهدد بوأدها وهي لا تزال في المهد، خاصة في ظلّ تراخي أجهزة الدولة وعجزها عن مقاومتها والتصدي لها.

وفي انتظار كلّ ذلك، يبدو أنّه ليس من الممكن بعد اليوم أن تسكت الدولة عن صراع هذه المحاور التي تداخل فيها المالي بالسياسي والإعلامي، والتي يبدو أنها استفادت من هشاشة الوضع السياسي ومناخ التجاذب الذي سيطر على تونس في الفترة الانتقالية للتغلغل في بعض مفاصل الساحة السياسية في غفلة من البعض وتواطؤ من آخرين، وظفوا هذه الشبكات المالية الفاسدة والأذرع الإعلامية في تصفية معارك سياسية، يعرف العديد من الملاحظين خطورتها على ديمقراطيتنا الناشئة. ولعل استقالة الوزير لزهر العكرمي وإشارته إلى غياب إرادة حقيقية لمواجهة الفساد دليل يكشف صعوبة مواجهة ظاهرة الفساد وتفشيها.

هل حان وقت كشف هذه الشبكات المالية والإعلامية وصراعاتها التي انتقلت من الغرف المظلمة إلى الساحات العامة؟ وهل محاولة اغتيال النائب رضا شرف الدين وتهديد الإعلامي معز بن غربية بالتصفية سيدفعان بالتسريع في حسم ملفات الاغتيال الحارقة التي طالت الشهداء من السياسيين والأمنيين؟ أسئلة تبقى معلقة في انتظار الإجابة، في ظلّ واقع سياسي راهن مهتزّ ومفتوح على جميع الاحتمالات.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"