"تونس لم تبرم وثيقة لترحيل التونسيين من أوروبا".. تصريح سعيّد يثير الجدل

إثر توجّهه صباح الأحد 6 أفريل/نيسان 2025، إلى مدينة المنستير بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة الرّئيس الحبيب بورقيبة، أثارت كلمة الرئيس التونسي قيس سعيّد التي ألقاها بالمناسبة، جدلًا كبيرًا، بعد تصريحه بأنّ "تونس لم تبرم وثيقة لترحيل التونسيين من الفضاء الأوروبي"، وهو الأمر الذي تلقّاه النشطاء السياسيون والحقوقيون باستنكار شديد، مذكّرين بمخرجات لقاءات الوزيرة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس.

هذا التصريح، قال القيادي بحزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، إنه "جرّنا إلى مربّع الجدل القانوني، اتفاقيّة أو مذكّرة تفاهم"، مؤكدًا أنّ هذا الجدل "لا معنى له سياسيًا! فصفحة رئاسة الجمهورية وتصريح قيس سعيّد في جويلية/يوليو 2023 أمام ميلوني وبعثة الاتحاد الأوروبي، دليل واضح ولا يرقى إليه الشك عن وجود تفاهم بين الطرفين حول التعاطي مع ملف الهجرة"، وفقه.

أما عن الأسئلة التي يجب طرحها وفق قوله، فهي "إذا كان قيس سعيّد ضد اتفاقيات 2008 و2011 ويعتبر أنّها كانت رضوخًا لإملاءات أجنبيّة، لماذا واصل في تنفيذها وفي قبول إعادة التونسيين غير النظاميّين المقيمين في أوروبا (بصفة طوعيّة أو غير طوعيّة)؟ لماذا قبل بعدم إعادة المهاجرين غير النظاميّين من جنوب الصحراء المقيمين في تونس إلاّ طوعيًّا؟ لماذا تلتزم تونس بكلّ هذا في مقابل فُتات لا يسمن ولا يُغني من جوع؟" وفق تعبيره.

هشام العجبوني: جرّنا إلى مربّع الجدل القانوني، اتفاقيّة أو مذكّرة تفاهم، لا معنى له سياسيًا! فصفحة رئاسة الجمهورية وتصريح سعيّد في جويلية 2023 أمام ميلوني وبعثة الاتحاد الأوروبي، دليل واضح ولا يرقى إليه الشك
 

أما الناطق باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، فقد دوّن من جانبه بخصوص هل هي "مذكرة تفاهم أم اتفاقية؟"، فقال إنّ "التلاعب بالألفاظ أصبح وسيلة للمحاججة والمكاشفة"، وأرفق تدوينته بصورة قال إنها نسخة من مذكرة التفاهم التي أمضاها قيس سعيّد مع الاتحاد الأوروبي، والتي تنص بوضوح على التعاون في ترحيل التونسيين المقيمين بطريقة غير قانونية في أوروبا، مستنكرًا أن "يخرج علينا اليوم الرئيس لينكر وجود أي اتفاقية لترحيلهم" وفقه.

وأضاف: "هذا التصريح ليس سوى مغالطة جديدة، حلقة أخرى في سلسلة من الخطاب المرتبك الذي يعتمد على اللعب بالكلمات لتضليل الرأي العام. وكأن الفرق بين (مذكرة تفاهم) و(اتفاقية) سيغيّر من واقع أن تونس قبلت رسميًا أن تلعب دور شرطي الهجرة لصالح أوروبا، وأن آلاف التونسيين يتم الآن ترحيلهم بشكل قسري، فهل ستقنعهم حجة أنها بموجب (مذكرة تفاهم) وليست (اتفاقية) عند وصولهم لمطار طبرقة؟" وفق تساؤله.

وذكّر الصغير في هذا السياق، بأنّ "السيادة لا تختزل في المصطلحات، بل تقاس بالأفعال والمواقف، وأنّ مغالطة الشعب لا يصنع هيبة، بل يفضح هشاشة الخطاب وازدواجية الموقف" وفق تعبيره.

وسام الصغير: تصريح قيس سعيّد ليس سوى مغالطة جديدة، وحلقة أخرى في سلسلة من الخطاب المرتبك الذي يعتمد على اللعب بالكلمات لتضليل الرأي العام

واعتبر جامعيون، بخصوص التسمية (مذكرة تفاهم أم اتفاقية) أنّه جاء بالمادة الثانية من اتفاقية فيينا الخاصة بالمعاهدات الدولية لسنة 1969 ما يلي: "يقصد بـ(المعاهدة) الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة"، قائلين إنّ "التسمية لا تؤثر على الطبيعة القانونية للعمل القانوني وهو في وضعية الحال اتفاقية دولية مكتملة العناصر (اتفاق بين دولتين، الصياغة المكتوبة..) ونتائجه".

أما الجامعي عادل اللطيفي، فقد دوّن من جهته، أنّ "هذا البروتوكول ومنذ توقيعه هو الأكثر حضورًا في تصريحات المسؤولين الأوروبيين وفي الإعلام الأوروبي عند الحديث عن الهجرة"، مؤكدًا وجود "مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي تم توقيعها بتاريخ يوم 16 جويلية/يوليو 2023 في قصر قرطاج والنص موجود على موقع المفوضية الأوروبية بأسماء الموقعين (وهذا الرابط)". 

مضيفًا: "صحيح عنوانها التعاون الاستراتيجي الشامل، لكن العنصر الأخير المتعلق بالهجرة هو الأهم من حيث مساحة النص والقرارات، وورد فيه حول ترحيل التونسيين من أوروبا:

(اتفق الطرفان على زيادة دعم عودة واستقبال المواطنين التونسيين الموجودين في وضع غير قانوني في الاتحاد الأوروبي، وذلك مع احترام القانون الدولي وكرامتهم والحقوق المكتسبة، ويتعهدان بالعمل معًا على إعادة إدماجهم الاقتصادي والاجتماعي في تونس..)"، وفقه.

أشرف العوادي: أكبر دليل على سقوط الاتفاقية الأخلاقي هي محاولة من وقّعها التملص منها.. الاتفاقية أصبحت محرجة لدرجة أنّ صاحبها ينظر للكاميرا ويقول إنه لا وجود لها

أما الناشط في المجتمع المدني أشرف العوادي، فقد نشر من جانبه أنّ "أكبر دليل على سقوط الاتفاقية الأخلاقي هي محاولة من وقّعها التملص منها.. الاتفاقية أصبحت محرجة لدرجة أنّ صاحبها ينظر للكاميرا ويقول إنه لا وجود لها. هناك حد أدنى لا يمكن النقاش بعده، وهي مرحلة إنكار الحقيقة.."، مذكّرًا في هذا الإطار، بخطاب سعيّد مع زعماء الاتحاد الأوروبي في قرطاج والتصريح بأنه تم إبرام اتفاق مع الجانب الأوروبي، والاتفاقية التي نشرها الاتحاد الأوروبي بفقرتها المتعلقة بالهجرة والتي تنص على التعاون على إعادة التونسيين الموجودين في الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني، وفق قوله.

 يذكر أنّ سعيّد في إجابته عن سؤال صحفي يتعلق بما راج مؤخرًا عن ترحيل تونسيين من إيطاليا، قال سعيّد: "ليس هناك أي وثيقة.. ولم تُبرم أي اتفاقية سوى في 2008 وأخرى في سنة 2011، أما الاتفاقيات التي قيلت إنها أبرمت، أين أبرمت وأين هي الوثيقة؟ كلها كذب وزور وبهتان.. الأمر لا يتعلق بإمضاء أي وثيقة مع أي كان باستثناء هذين الوثيقتين، ومعلوم من أمضاها واختار أن يأخذ بإملاءات عدد من الجهات الأجنبية" وفقه.

وقد أثار التصريح الرئاسي عديد الانتقادات، التي ذكّرت بمخرجات لقاءات الوزيرة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس، كما دوّن الناشط الحقوقي رمضان بن عمر، عبر حسابه جملة من التوضيحات، والاتفاقيات السابقة التي أشار إليها سعيّد، مؤكدًا أنه "منذ سنة 2011 أصبح الاعتماد أساسًا على محاضر الجلسات والتفاهمات غير المعلنة لتحديد عدد المرحلين والآلية وكيفية التنسيق وهذا مستمر إلى اليوم" وفق قوله.

جدير بالذكر أنه سبق وأن ندد نشطاء حقوقيون بما يتعرض له مهاجرون تونسيون غير نظاميين في إيطاليا من انتهاكات لحقوقهم، خاصة على مستوى مراكز الاحتجاز والإيقاف، فضلاً عن سوء المعاملة وتواصل عمليات الترحيل القسري لهم، وفقهم.