29-أبريل-2023
أنطونيو تاياني ونبيل عمار

من المرجح أنّ هناك ترددًا وليس رفضًا أوروبيًا للعرض الإيطالي (Andrew Medichini أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

رغم كل الضغط الإيطالي، اليومي تقريبًا، فإن الموقف الغربي لم يتغير. العرض الإيطالي يتمثل في أن يتم تعديل شروط اتفاق صندوق النقد الدولي مع تونس بما يمكن أن يسمح بصرف القسط الأول من القرض (من المفروض ربع قيمته الجملية المتمثلة في 1.9 مليار دولار) دون تفعيل شروط "اتفاق الخبراء" التي تم إعلانها في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خاصة تجميد رفض الدعم وأيضًا تعليق تنقيح قانون المؤسسات العمومية. غير أن اللوبيينغ الإيطالي الذي أصبح متسارعًا منذ شهر مارس/آذار الماضي لم ينجح في إقناع الأطراف الأوروبية الوازنة خاصة الألمانية والبريطانية ونسبيًا الفرنسية وأيضًا واشنطن. سنتعرض هنا إلى مؤشرات استمرار الرفض وأيضًا الأسباب الممكنة لذلك. 

اللوبيينغ الإيطالي الذي أصبح متسارعًا منذ مارس من أجل الدفع نحو تعديل شروط اتفاق صندوق النقد مع تونس لم ينجح في إقناع الأطراف الأوروبية الوازنة خاصة الألمانية والبريطانية ونسبيًا الفرنسية وأيضًا واشنطن

أصبحت تصريحات وزير الخارجية الإيطالي تاياني متشابهة، رغم أنها تتسم بطابع إنذاري قوي. آخرها هذا الأسبوع، إذ شملت التحذير الجيوسياسي: "إنه الخطأ الذي يجب ألا يرتكبه الغرب، وقد قلته أيضًا لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن؛ دعونا لا نترك تونس بين أيادٍ روسية أو صينية"، وأيضا الاقتصادي-المالي: "إيطاليا تفعل كل ما في وسعها من أجل تحرير تمويل لتونس من صندوق النقد الدولي لـ"تجنب أزمة مالية". دون الإشارة إلى التحذير الأمني من الهجرة غير النظامية فهو أهم المشاغل الإيطالية من كل ذلك. 

وجدد تاياني على هذا الأساس تقديم العرض الإيطالي: "الاقتراح الذي قدمناه، لكل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد والولايات المتحدة، هو تحرير قسط تمويل أول على الفور من  القرض المقدر بقيمة 1.9 مليار دولار" و"المضي قدمًا في القسطين الثاني والثالث بناءً على الإصلاحات التي سينفذها ذلك البلد".

 

 

أتت هذه التصريحات في سياق اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين هذا الأسبوع في بروكسل. ورغم أنه لم تصدر تصريحات رسمية إثر الاجتماع خاصة من بقية وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، فإنه لم يتم أيضًا إعلان دعم أوروبي للموقف الإيطالي ولا توفير تمويلات أوروبية قبل توقيع الاتفاق مثلما سعت روما. 

أصبحت تصريحات وزير الخارجية الإيطالي متشابهة رغم أنها تتسم بطابع إنذاري قوي آخرها التحذير الجيوسياسي من "ترك تونس بين أيادٍ روسية أو صينية"

صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية نقلت، في عددها الصادر بتاريخ 26 أفريل/نيسان الماضي، عن مصادر مطلعة أن الاجتماع تمخض عن رفض أي تمويل ثنائي قبل توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يعني رفضًا للعرض الإيطالي. وتبع ذلك إعلان تأجيل زيارة وزراء الداخلية الأوروبيين الثلاث (الإيطالي والفرنسي والألماني) التي كانت منتظرة آخر شهر أفريل/نيسان والاكتفاء بزيارة المفوضة الأوروبية للداخلية والتي لم يستقبلها الرئيس قيس سعيّد بالمناسبة. 

 

 

يجب التذكير أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعلن في 20 مارس/آذار 2023، أن الاتحاد يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها. وشدد على أن "الرئيس قيس سعيّد يجب أن يوقع اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي وينفذه، وإلا فإن الوضع سيكون خطيرًا للغاية بالنسبة إلى تونس". وأضاف أن "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي". ويبدو أن الموقف الغالب أوروبيًا يبقى هذا الموقف. 

في نفس السياق أتت إفادة جون هاريس نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول على الوضع في تونس في الخارجية الأمريكية، خلال جلسة الاستماع الخاصة بتونس يوم 26 أفريل/نيسان 2023. المداخلة الهامة، التي تم نشرها مكتوبة أيضًا، تستوجب التوقف فيها بعض الشيء نظرًا لأنها تعرض أكثر موقف مفصل ودقيق للإدارة الأمريكية في خصوص تونس. 

من المرجح أنّ هناك ترددًا وليس رفضًا أوروبيًا للعرض الإيطالي وهو ما يفسر تجنب بروكسل هذه المرة عبر مفوض الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل القيام بأي تصريحات علنية

حدد هاريس في البداية إحداثيات الموقف الأمريكي بالتركيز على أربعة عناصر: "في هذه البيئة المضطربة، لدى الولايات المتحدة مصالح هامة توجه دبلوماسيتنا: إحباط انهيار اقتصادي من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار الوضع في تونس وإقليميًا، بما في ذلك بالنسبة لحلفائنا في الناتو، وتعزيز الحكم الديمقراطي والدستوري القادر على صون سيادة القانون، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وتأمين الحريات الأساسية التي يعتز بها التونسيون، وتحدي المحاولات الخبيثة التي يقوم بها خصومنا لاستغلال الاضطرابات التي تشهدها البلاد ضد المصالح التونسية والأمريكية على السواء، والحفاظ على التعاون الحاسم مع الجيش التونسي، شريطة أن يظل غير سياسي ومهني، للضغط على الشبكات الإرهابية والحفاظ على قدرات الدعم لأنشطة الولايات المتحدة والحلفاء".

 


 

هكذا كانت المسائل الجيوسياسية الأمنية الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها هي العوامل المهيمنة في تحديد الرؤية الأمريكية لتونس. ولهذا فإن أسئلة النائب كريس مورفي خلال جلسة الاستماع وإلحاحه على سبب عدم تخفيض المساعدات الأمريكية للجيش التونسي مقابل تخفيضها في خصوص المجتمع المدني لم تلق إلا إجابات عامة، وتأكيدًا على أن العلاقة مع الجيش ما بقي "مهنيًا" (بما يعني أن الرأي الرسمي الأمريكي لا يزال يعتبره مهنيًا حتى الآن) فيجب أن تبقى. 

التردد الأوروبي ربما حفز أكثر الطرف الأمريكي لإعلان موقف يرفض أي اتفاق بدون إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد تبنيًا واضحًا للإصلاحات

في خصوص الاتفاق مع صندوق النقد كانت هناك إجابة ضمنية على المقترح الإيطالي بتأكيد أنه يجب التمسك بشروط اتفاق 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022 وأنه حتى توفير التمويلات الثنائية لن يسمح بتمرير الاتفاق مادام الرئيس يعرب علنًا عن معارضته لها: "حصلت هذه الخطة التونسية على دعم من صندوق النقد الدولي وبالتالي مكنت تونس من إبرام اتفاقية على مستوى الموظفين في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بشأن حزمة دعم بقيمة 1.9 مليار دولار. كما أشار الرئيس سعيّد علنًا، فقد قرر عدم المضي قدمًا في الإصلاحات الحاسمة، وبالتالي فإن البرنامج غير قادر على التقدم للحصول على موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، حتى مع تقدم الشركاء الدوليين بسخاء بأكثر من مليار دولار لتعزيز جهود الإصلاح في تونس. مع تعليق برنامج صندوق النقد الدولي هذا وما يرتبط به من التزامات المانحين، بذل المسؤولون الاقتصاديون التونسيون جهودًا للتخفيف من تأثير الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك من خلال التحسينات في تحصيل الضرائب وزيادة الاقتراض المحلي. ومع ذلك، لا يمكن لمثل هذه التدابير أن تحل محل برنامج إصلاح قوي وحل مستدام".

وأضاف: "إذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات، فإنها ستدير بشكل أفضل فاتورة الأجور العامة، وتضمن جدوى الشركات المملوكة للدولة، وتستهدف الإعانات لمن هم في أمس الحاجة إليها".

لماذا إذًا تم الاعتراض من قبل أغلب القوى الغربية المؤثرة حتى الآن على العرض الإيطالي؟

هناك عدد من الاحتمالات وهي كالتالي:

أولًا، إنه من المرجح أنّ هناك ترددًا وليس رفضًا أوروبيًا للعرض الإيطالي، وهو ما يفسر تجنب بروكسل هذه المرة عبر مفوض الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل القيام بأي تصريحات علنية مثلما فعل في 20 مارس/آذار. 

هناك قناعة غربية بأن تأجيل السلطات التونسية الإصلاحات مقابل الحصول على دفعة أولى من القرض قد يعقد المشكل من خلال منح قيس سعيّد فرصة للتمسك برفضه الإصلاحات التي يعتبرها "إملاءات"

هذا التردد الأوروبي القادم على الأرجح من قبل الثنائي الأقوى، أي برلين وباريس، يمكن أن يكون له تفسيرات مختلفة. التردد الألماني يرجع ربما إلى أنها ليست في معرض تهديد المهاجرين بنفس القدر الذي تواجهه روما وباريس، ومن ثمة ربما هم بانتظار تطورات الهجرة غير النظامية في شهر ماي/أيار لحسم موقفهم. التردد الفرنسي يمكن أن يعود إلى تبرم باريس من قيادة إيطاليا لجهود الوساطة واللوبيينغ بما يجعلها أقل تأثيرًا في محيط نفوذ تقليدي في شمال إفريقيا وفي محل منافسة إيطالية متزايدة. هذا التردد الأوروبي ربما حفز أكثر الطرف الأمريكي لإعلان موقف يرفض أي اتفاق بدون إعلان الرئيس تبنيًا واضحًا للإصلاحات. 

ثانيًا، إن هناك قناعة جدية لدى أغلب الأطراف الغربية بأن السلطات التونسية ستبقى في مواجهة تهديدات قوية للمالية العمومية وأيضًا إمكانية توتر اجتماعي (ومن ثمة انفلات الهجرة غير النظامية) إن لم تبدأ بسرعة في الإصلاحات، وإن تأجيلها مقابل الحصول على دفعة أولى من القرض مثلما تطلب روما لن يحل المشكل بل ربما يعقده من خلال منح الرئيس قيس سعيّد فرصة للتمسك والتشبث برفضه الإصلاحات المطلوبة والتي يعتبرها "إملاءات". 

ربما ترى هذه الأطراف أن الفرصة الحالية للإصلاحات لا يمكن أن تتكرر ومن ثمة من الضروري الضغط أكثر من أجل تمريرها. النائب كريس مورفي نقل تقريبًا هذا التوجه في حواره مع "معهد السلام" منذ أسبوعين، نقلًا عن الإدارة الأمريكية. وهذا يعني أننا لسنا بصدد تردد، بل رفض للعرض الإيطالي وبالتالي الضغط من أجل أن يلتزم الرئيس باتفاق 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"