29-مايو-2016

نساء في ماخور في العاصمة تونس(Getty)

في الأيام الماضية بدأت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في البرلمان التونسي بالتوصيت بصفة أولية على مشروع قانون متعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، ومن المتوقع أن يطال النقاش قضية الدعارة، وهو ما يرجح أن يفتح جدلًا جديدًا داخل المجتمع حول إلغاء أو الإبقاء على دور الدعارة العلنية التي تديرها الدولة. 

تعتبر تونس من الدول العربية القليلة التي شرعت الدعارة في مواخير تديرها السلطات

ومما قد يذكي النقاش ويحرّكه هو تزامنه مع صدور قانون فرنسي منذ أسابيع يجرّم الرجال الذين يترددون على بائعات الهوى في الشوارع الفرنسية.

اقرأ/ي أيضًا: الجسد والعمارة.. سجن الأنثى واستلاب الحرية
 
تعتبر تونس من الدول العربية القليلة التي شرعت الدعارة في مواخير تديرها السلطات، وتعتاش على دخلها، كما نظمت عمل المومسات بشكل قانوني، يعود تنظيم البغاء في تونس إلى عهد البايات زمن الحماية الفرنسية، وذلك بعد قرار وزير الداخلية المؤرخ في 30 نيسان/أبريل 1942، إثر هذا القرار خصص الماخور العلني عبد قش بالعاصمة تونس لتزاول عاملات الجنس نشاطهن في الدعارة العلنية، ومازال هذا القانون ساري المفعول إلى اليوم، وينظم قطاع الدعارة في تونس، وتلتزم العاملات في هذا القطاع بدفع ضرائب عن عملهن للدولة، كما يخضعن إلى المراقبة الطبية الدورية، لكنّ الأخطر أنّه يتم استرقاق هؤلاء الفتيات حيث تقوم المديرة، أو المسؤولة، على مجموعة العاملات هناك وتعرف باسم "البطرونة" باستقطاع نصف أو أكثر من النصف من ثمن العلاقة الجنسية الواحدة، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية التي تجرم الاتجار بالبشر.

يعرف ماخور المدينة العتيقة باسم عبد الله قش، وبعد الاستقلال حافظ الزعيم الحبيب بورقيبة على تواجد هذا الماخور، كذلك فعل زين العابدين بن علي بعد انقلابه على الزعيم الراحل، ورغم محاولات السلفيين بعد الثورة التونسية إغلاق هذا الماخور واقتحامه هو ومواخير أخرى بالجمهورية، إلاّ أنّ محاولاتهم باءت بالفشل. ولأول مرّة في التاريخ، خرجت المومسات في مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة للمطالبة بحقهن في العمل وعدم إغلاق مصدر دخلهن الوحيد.
 
عبد الله قش هو أحد الأولياء الصالحين بالعاصمة تونس، لكن ارتبط اسمه بالماخور المعروف، وعادة ما تنشأ المواخير بجانب أضرحة الأولياء الصالحين، وهو تقليد فرنسي، حيث تتواجد مثل هذه الأنشطة في شوارع تسمى بأسماء القديسين، وأبرزها شارع القديس سان دونيس بباريس.

عبد الله قش هو أحد الأولياء الصالحين بالعاصمة تونس، لكن ارتبط اسمه بالماخور المعروف

ومن المواخير التي جاورت أضرحة الأولياء الصالحين ماخور القيروان وسوسة وغيرها، ويطلق على المومس أو العاهرة في الطرق الصوفية لفظ "الصابرة"، وقد عرضت في الأشهر الماضية مسرحية الصابرات من ولاية القيروان، والتي تتناول حياة هؤلاء بعد طردهن من الماخور. 

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل هي عودة إلى الدكتاتورية؟

عادة ما يكون زبائن مثل هذه المواخير من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وذلك لانخفاض وشعبية الأسعار مقارنة بعاملات الجنس في الكباريهات والنزل والمقاهي الراقية، وهن نوع آخر من اللواتي يشتغلن في الدعارة دون ترخيص حكومي، وإن كانت بعض الأوساط الأمنية الفاسدة تحمي وترتزق من نشاطهن، نشير هنا إلى بعض أحياء العاصمة الراقية مثل حيّ النصر والمنار أصبح قبلة طالبي المتعة من دول مجاورة، ويحدث أن تؤجر الشقق المفروشة مع فتيات في الغرض.

وإن حدث وأن مسكت الشرطة إحدى عاملات الجنس في السوق السوداء، فإنّها تحال على القضاء بموجب الفصل 231 من المجلة الجزائية، والذي يعاقب كل من يتعاطى الخناء السرّي، أو يتشارك فيه بعقوبة تترواح بين 6 أشهر إلى سنتين سجنًا، وبخطية مالية ما بين عشرين ومئتي دينارًا . 

وربما يشتعل في الأيام القادمة نقاش داخل أروقة البرلمان والمجتمع حول هذه القضية، لكنّ اللافت في جولات النقاش السابقة هو دفاع المنظمات النسوية عن وجود مثل هذه المحلات التي يرى كثيرون أن كرامة المرأة تمتهن فيها، في حين يعيد بعض المراقبين هذا الموقف إلى العداء الإيديولوجي بين المجموعات النسوية وحركة النهضة الإسلامية، التي تقف وراء هذا المشروع، إذ تحولت مواقف بعض الأطراف في تونس إلى مجرّد فعل رافضة لكلّ ما تأتي به النهضة، بقطع النظر على صحة أو خطأ ما تقدمه من مقترحات قوانين جديدة.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر دولة الإتاوات والبيزنس

اقتل البغدادي وانكح إلهام شاهين