30-أبريل-2021

زيارة مهمة للوفد الحكومي إلى واشنطن وانعكاساتها تطال الوضع العام في البلاد (كارن بلاير/أ.ف.ب)

 

مقال رأي

 

أصدر البنك المركزي أرقامه الجديدة، وأكثر الأرقام التي ترسل إشارات ضوء أحمر هو "رصيد خزينة الدولة" التي لا تتحوّز إلا على 264 مليون دينار تونسي. يأتي ذلك قبل أيام قليلة من سفر وفد يمثل الحكومة (وزير المالية وبعض المستشارين والمكلفين بمهمة ومدير الديوان) إضافة إلى محافظ البنك المركزي إلى واشنطن للتفاوض مع ممثلي صندوق النقد حول إقراض جديد لتونس.

زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن للتفاوض مع ممثلي صندوق النقد ستكون حاسمة ليس فقط في وضع حكومة المشيشي بل أيضًا للوضع العام في البلاد

هذه الزيارة ستكون حاسمة ليس فقط في وضع حكومة هشام المشيشي المترنحة أصلاً ماليًا وسياسيًا بعد فضيحة تلقيح أعضائها خارج ترتيب الأولويات، بل أيضًا للوضع العام في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: "حكومة تصريف الأعمال" عاجزة عن تصريفها!

آمال المشيشي كانت كبيرة في زيارة واشنطن. كان يرغب في ترؤس الوفد ويبدو أنه أراد أيضًا أن تكون الزيارة نوعًا من الدعم السياسي له من خلال ترتيب زيارات مع المسؤولين الأمريكيين الكبار خاصة في البيت الأبيض، بايدن أو على الأقل نائبة الرئيس هاريس، لكن ما رشح أنه لم يكن من الممكن ترتيب تلك اللقاءات، وعلى الأرجح كانت هناك توصية من الخارجية الأمريكية أن "احتضان المشيشي" يمكن أن يُقرأ بشكل سلبي في قرطاج من الرئيس سعيّد.

آمال المشيشي كانت كبيرة في زيارة واشنطن. كان يرغب في ترؤس الوفد ويبدو أنه أراد أيضًا أن تكون الزيارة نوعًا من الدعم السياسي له لكن "احتضان المشيشي" كان سيُقرأ بشكل سلبي في قرطاج من الرئيس سعيّد

لكن من أسباب تراجع رئيس الحكومة أنه طلب من قيادات المنظمات الكبرى، خاصة اتحاد الشغل والأوتيكا مرافقته، لكن يبدو أن الاتحاد رفض الدعوة بعد تفكير ورأى فيها توريطًا له في التزامات وربما بعض الشروط غير المعلنة التي يمكن أن تمثل إجراءات لا شعبية.

مرد هذا التخوّف أن "البرنامج المفصل" الذي يعتزم الوفد تقديمه لمديرة صندوق النقد ليس أكثر من إعلان نوايا ولا يتضمن تفاصيل كثيرة ودقيقة باستثناء إجراءات هلامية عامة (مجلس أعلى للجباية مثلاً)، ورفع الدعم عن قوارير الغاز في شهر جويلية/ يوليو (والتي لن تكون مردوديتها الفعلية في تقليص عبء صندوق الدعم كبيرًا).

اقرأ/ي أيضًا: توفيق الراجحي: الحكومة لا تملك برنامجًا تذهب به إلى واشنطن بل مجرّد نوايا

أما وزير المالية فكان حذرًا في توصيف الهدف من الزيارة وقال إنها ستكون أساسًا "للنقاش مع صندوق النقد". ومن المفترض أنه يعلم أن البرنامج الذي سيقدمه سيكون مسودة تعيد كتابتها اللجنة الفنية للصندوق كأنها ورقة بيضاء لتضع شروطًا أوضح وأكثر دقة و"مردودية". من الطبيعي إذًا أن يكون الاتحاد متخوفًا من هكذا اجتماعات ولن يضع نفسه في شبهة "التواطؤ مع شروط صندوق النقد".

من أسباب تراجع رئيس الحكومة أنه طلب من قيادات المنظمات الكبرى مرافقته لكن يبدو أن الاتحاد رفض الدعوة خوفًا من التورط في إجراءات لا شعبية

يُذكر أنه على الحكومة أن توفر تقريبًا بحلول نهاية شهر جويلية/ يوليو ما يقرب عن 4 مليار دولار وصندوق النقد طبعًا لن يوفرها كلها. ستطلب الحكومة على الأكثر مليار ونصف دولار، ومن الممكن أن يبدي صندوق النقد "حسن النية" ويقرض تونس في مرحلة أولى فقط نصف المبلغ. لكن ذلك سيفتح الباب أمام تمويلات دولية أخرى ومنها قرضين من اليابان وقطر. ومن غير الواضح إن كان ذلك سيؤدي إلى تعبئة موارد الدولة في صيف سيكون حارًا سياسيًا، إذ أن تفعيل شروط يمكن أن تكون "لا شعبية" مع الأزمة السياسية الراهنة سيجعل الحكومة والبلاد في وضع اختناق.

المشكل ان الوفد الذي يمثل حكومة "إدارية" و"تقنية" لا يتضمن قيادات سياسية تؤدي نصف المهمة أي "اللوبيينغ" أو العرض السياسي الذي يؤطر الإمضاء على البرنامج الجديد. نحن إزاء وفد "بارد". وهذا الفراغ السياسي لن يتيح إمكانية تقوية قدرة الجانب التونسي على المحاججة والتفاوض للتقليص من أي شروط لا شعبية يمكن أن تزيد في تهديد الاستقرار السياسي المضطرب أساسًا. دون أن ننسى طبعاً موجات كورونا المتلاطمة في وضع صحي هش أصلاً، ومن غير المستبعد أنه بعد انتهاء الموجة الكارثية الحالية أننا سنكون إزاء موجة أخرى لسلالة جديدة في الصيف مثلًا.

يهيئ سعيّد أيضاً لزيارات إلى الخارج منتصف الصيف، ربما الأكثر بديهية هو زيارة فرنسا بمناسبة "قمة إفريقيا فرنسا 2021" في 8 جويلية القادم

في المقابل، يهيئ رئيس الجمهورية قيس سعيّد أيضاً لزيارات إلى الخارج منتصف الصيف. ربما الأكثر بديهية هو زيارة فرنسا بمناسبة "قمة إفريقيا فرنسا 2021" في 8 جويلية/ يوليو في مدينة مونبيلييه. وسيكون ذلك مناسبة للقاء آخر مع ماكرون.

للتذكير لم تكن الزيارة الأخيرة لفرنسا، رغم نجاحها البروتوكولي، ناجحة سياسيًا حيث جلبت لقيس سعيّد المشاكل خاصة تصريحاته التي لم يتقبلها حتى بعض أنصاره حول ما اعتبرها "حماية وليس استعمارًا فرنسيًا".

وللتذكير أيضًا فإن تونس (وتحديدًا جزيرة جربة) ستحتضن في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم القمة الفرنكفونية التي يجري التحضير لها بنسق سريع خاصة إزاء التأخير الذي حصل في البداية. ومن غير الواضح أي زيارات مفاجئة أخرى يمكن أن يقوم بها سعيّد. ما يحصل الآن ستكون آثاره منتصف الصيف أوضح. نحن إزاء غيوم متلبدة ونسق حار. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس تطلب رسميًا قرضًا من صندوق النقد الدولي

صندوق النقد يدعو السلطات التونسية إلى خفض كتلة الأجور والحد من دعم الطاقة