22-يوليو-2015

من مشروع "زوو" الجزائري/ الفرنسي لفن الشارع عن الثورة التونسية

هيفاء الفارسي وسمر المزغني نموذجان مميزان للنضوج المبكر في عالم الكتابة الأدبية في تونس. وبعيداً عن إثارة فوارق العمر أو الجنس في مجال الابداع، تخطت الفتاتان جميع الحواجز وبرهنتا على اقتدارهما في مجال القص. وليس من السهل دخول ميدان الكبار ومزاحمتهم على الأضواء بل وخطف الجوائز تحت أنظارهم وفي حقولهم.

كأنّ الأدب ينشأ على حافة اللعب والمرح

يبدو أن هذه الصورة هي تشبيه طريف لحالة الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي الذي كتب ديوان "أغاني الحياة" وهو ما يزال طفلاً، حسب قول أحد النقاد التونسيين. لكأنّ الأدب هنا ينشأ على حافة اللعب والمرح. أمرٌ مدهش أن تنخرطا في الكتابة منذ السابعة من عمرهما، لعب بالكلمات الجادة وتعلق مبكر بدخول عتبة الرجاحة والاكتمال.

جلبت سمر المزغني (1988) الأنظار إليها من خلال كتاباتها وقد صنفتها مجلة "أربيان بزنس" ضمن أقوى 100 امرأة عربية عام 2013. وكانت موسوعة غنيس للأرقام القياسية قد صنتفتها سنة 2000 أصغر كاتبة في العالم. ثم أنها ألفت أكثر من 14 كتاباً لحد الآن وهي كلها موجهة للطفل. ومن بين أعمالها يمكن ذكر رواية "دعوني أحلم"، ونص "آخر قطرة حبر"، ورواية "حفل زفاف" وهي باكورة أعمالها الإبداعية.

سمر المزغني
سمر المزغني

تقول سمر لـ"الترا صوت": "إن الإبداع رحلة بدأت منذ طفولتي، علمتني الأدب، والشجاعة واللغة والتجوال في الخيال، ولا تزال. هذه التجربة هي بوصلة حياتي". أما هيفاء الفارسي فقد بدأت الكتابة وهي في سن السابعة فتقول: "صدر لي في طفولتي كتابان: مجموعة قصصية بعنوان "أمواج"، ومسرحية بعنوان "الثلج الأسود". وأنوي بعد إتمام الدراسة التفرغ للترجمة والتخصص في الكتابة للطفل، لأن عالمه الخيالي يسحرني في انفتاحه على الخير والجمال".

وعملاً بالمثل القائل بأن كل فتاة بأبيها معجبة فإن سمر المزغني لا تتردد من ذكر دعم والدها المحامي لها، والشيء نفسه ينسحب على هيفاء أيضاً، فوالدها أديب له عديد المؤلفات وقد اشتغل قبل وفاته بسنوات ضمن الهيئة التحريرية لمجلة اتحاد كتاب افريقيا وآسيا "لوتس". 
وإن كان من الطبيعي أن تتعرض كل أديبة يافعة إلى الانتقاد والتشكيك، فإن سمر وهيفاء قد تجاوزتا العراقيل الكامنة أمامهما بالانصراف إلى التعمق في عالم التأليف الابداعي، فلا يبطل الشك إلا المضاء والإصرار. ولمزيد التحدي كانت هيفاء قد نشرت مجموعتها القصصية في  "دار شوقي"، الدار نفسها التي واضب والدها على إصدار أعماله. 

وتبدو في أقاصيصها متأثرة بما توفر في مكتبة والدها من أدب عالمي. ففي مجموعة "أمواج" تتبع البطل "أياشيما" الذي يجاهد إطلاق أسر والده الذي ابتلعه قصر مسحور. وفي ذلك إشارة صريحة لشخوص من الحضارة اليابانية.

تصطخب في حكايا الكاتبتين مناخات الخرافة والسحر والتشويق، وذلك تقيداً بذائقة قرائهما، لاسيما سمر المزغني التي أشارت في أحد تصريحاتها إلى أن "الأطفال هم الأكثر قدرة على التواصل مع الأطفال".

من خلال غزارة إنتاجهما الإبداعي يبدو أن سمر المزغني وهيفاء الفارسي تكتنفان على مقدرة هائلة من الموهبة، ستتدعم بالدربة والمراس، وبالتالي فهما تعدان من النماذج المبشرة بميلاد مبدعتين فذتين سيكون لهما شأن في عالم السرد. 

هيفاء الفارسي
هيفاء الفارسي

في حديثنا لهما أبدت الكاتبتان أنهما مصممتان على مواصلة الإبداع، ليس بالعربية فحسب، بل بلغات أخرى مثل الإنكليزية والإسبانية. وقد أكدت هيفاء الفارسي أنها تكتب مسرحيات بلغة شكسبير مباشرة، كما ستعكف قريباً على ترجمة كتاب والدها مصطفى الفارسي 1931 – 2008 "حركات"، وهو من من بين الكتب التي كان تأثير هام في مسار الأدب التونسي ما بعد الاستقلال.

ببروز هذه البراعم الجديدة يبدو الإبداع في تونس متصل الأجيال، اليافع يأخذ المشعل عن المكتهل، لتتواصل مسيرة لا تتخللها تقطّعات أو فترات وجوم وتصحر. ولعل الأدب المشبع بدماء جديدة هو خير رافد لمسار الثورة والبناء الحداثي والمواطنة. ولقد كانت المبادرة في ثورات الربيع العربي بالثورة التونسية، وفي الوقت ذاته تبقى هي المتعلق والنموذج الذي لا يقبل منه التعثر بل يرتجى منه النجاح والتفوق.