13-مارس-2017

احتجاجات سابقة للقضاة في تونس (صورة أرشيفية/محمد كريت/NurPhoto)

لا تزال ولادة المجلس الأعلى للقضاء تشهد تعسّرًا في تونس بعد 6 أشهر من انتخاب أعضائه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث لم يعقد بعد المجلس جلسته الأولى في ظل الأزمة حول شرعية نصابه بين القضاة.

قدّمت الحكومة في تونس مبادرة تشريعية لتعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يعتبره مراقبون مسّا من استقلالية السلطة القضائية

وبينما ظهرت بوادر لتجاوز الأزمة بصفة توافقية، قدّمت الحكومة قبل أيام مبادرة تشريعية لتعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يعتبره مراقبون مسّا من استقلالية السلطة القضائية، خاصة وأن الحكومة تُتهم بوقوفها وراء هذه الأزمة منذ البداية.

حيث انطلقت الأزمة مع تقاعد رئيس محكمة التعقيب، أعلى المحاكم بالبلاد، وهو كذلك رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي المكلف حصرًا بالدعوة لأولى جلسات المجلس الأعلى الجديد. وقد رشح رئيس الهيئة قبل تقاعده قاضية لخلافته إضافة لقضاة ساميين في مناصب قضائية عليا من المنتظر أن يلتحقوا بالمجلس الأعلى للقضاء بحكم صفتهم. غير أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفض الإمضاء على هذه الترشيحات قبل عقد انتخابات المجلس الأعلى للقضاء وبعدها. ليرفض تباعًا رئيس الهيئة الوقتية الدعوة للجلسة الأولى في الآجال المحدّدة بعد عدم مصادقة الحكومة على ترشيحاته.

اقرأ/ي أيضًا:  قراءة في نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء بتونس

وبعد شغور منصب رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، لم يعد من الممكن انعقاد الجلسة الأولى للمجلس الجديد. وقد صرّح رئيس الهيئة يوم إحالته على التقاعد أن وزير العدل أعلمه بالتمديد له قبل التراجع عن ذلك لرفض جهات في الدولة لذلك، وهو ما نفاه لاحقًا الوزير. وقد سبق واعتبر أمين عام حزب التيار الديمقراطي، معارض، بأن الأزمة مفتعلة وتهدف لوضع يد الأحزاب الحاكمة على السلطة القضائية.

ولتجاوز أزمة تركيز المجلس، قام ثلث أعضائه ممّن دعموا موقف الحكومة في عدم الإمضاء على الترشيحات السابقة، بالانعقاد معتبرين اجتماعهم هو أول جلسات المجلس. وهو ما رفضه بقية أعضاء المجلس الذين قدموا طعنًا لدى المحكمة الإدارية والتي أبطلت لاحقًا قرارات هذا الاجتماع.

وتعود التجاذبات حول تجاوز أزمة تركيز المجلس لصراعات بين تيارات القضاة الذين يمثلون ثلثي أعضاء المجلس. حيث تدعم جمعية القضاة موقف رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وتعتبر أن الحل الوحيد لتجاوز الأزمة هو إمضاء رئيس الحكومة على ترشيحاته. وفي المقابل، تدعم نقابة القضاة العدليين واتحاد القضاة الإداريين موقف الحكومة وتعتبر أن الهيئة السابقة قد فقدت شرعية وجودها بعد انتخاب المجلس الجديد. ويتصدر وزير العدل الحالي غازي الجريبي هذا التيار وهو الذي شغل منصب رئيس المحكمة الإدارية قبل الثورة.

تعود التجاذبات حول تجاوز أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء في تونس لصراعات بين تيارات القضاة الذين يمثلون ثلثي أعضاء المجلس

وكانت قد أسفرت انتخابات المجلس الأعلى للقضاء عن تواجد مختلف التيارات القضائية حيث حققت جمعية القضاة، التي قادت معركة استقلال القضاء في مواجهة بن علي، فوزًا في صفوف القضاة الشبان فيما استطاعت نقابة القضاة الفوز بمقاعد في صفوف القضاة الأعلى رتبة.

ويتكون المجلس الأعلى للقضاء من 45 عضوًا يتم تعيين ثلثهم بالصفة فيما وقع انتخاب البقية غير أنه لم يقع بالنهاية انتخاب عضو ممثل عن الأساتذة الجامعيين في المالية لانعدام الترشحات في هذا الاختصاص. وبالتالي ظلّ المجلس منذ البداية يعاني شغورًا وهو ما تعاظم بعد تقاعد عدد من القضاة المعينين بالصفة وعلى رأسهم رئيس محكمة التعقيب.

اقرأ/ي أيضًا:  في تونس.. رئيس الجمهورية يعطل أحكام القضاء!

وفي المجهودات لحل الأزمة، قدم ثلاثة قضاة ساميين، أعضاء في المجلس، هم رئيس المحكمة العقارية ورئيس المحكمة الإدارية والوكيل الأول لدائرة المحاسبات، مبادرة تهدف لفتح باب الحوار وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة. وهي مبادرة أعلن أصحابها أنها بدأت في تحقيق نتائج ملموسة، وقد لقيت دعمًا من جمعية القضاة.

وفي الأثناء خيّرت الحكومة اللجوء لخيار تشريعي يقضي بتعديل القانون لتجاوز الأزمة. حيث انطلق البرلمان قبل أيام في مناقشة مبادرة الحكومة التي تقضي بتخفيض النصاب لانعقاد المجلس من "النصف" إلى "الثلث"، كما توكل لرئيس مجلس نواب الشعب صلاحية الدعوة لانعقاد أولى جلسات المجلس. كما تدعو المبادرة إلى انتخاب رئيس ونائب رئيس وقتيين في المجلس ريثما يتم سد الشغور. وهي مبادرة ترفضها جمعية القضاة وتعتبرها تدخلًا من السلطتين التنفيذية والتشريعية في السلطة القضائية خاصة في ظل وجود مبادرة من داخل المجلس الأعلى للقضاء في طريقها لتحقيق حل توافقي بين أعضائه.

حيث من المنتظر أن يزيد مشروع قانون الحكومة في الشرخ بين القضاة وفي تعسير مسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء. ويعتبر مراقبون أن هذا المشروع يكشف عن دعم الحكومة لتيار محدد من القضاة، وهو ما يهدد استقلالية السلطة القضائية.

كما أعلن نواب من المعارضة نيتهم الطعن في المبادرة لدى هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين والتي من المرجح أن تقضي بعدم دستورية المشروع الحكومي وفق ما أعلنته جمعية القضاة. لتتواصل بذلك أزمة لا تزال لم تجد طريقها للحل، وهي أزمة عطلت استحقاقات أخرى وعلى رأسها إنشاء المحكمة الدستورية التي لم تر النور بعد.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. قانون جديد للقضاء على المجتمع المدني

القضاء والإخوان.. ثلاث سنوات كرّ وفرّ