16-يوليو-2019

تونسيون يلاحقون أحلامهم في بلاد العم سام (Getty)

 

دائمًا ما يهتم الإعلام حين يطرق ملف المهاجرين التونسيين بقصص النجاح المحقّقة، فهذا بدأ حياته بمطعم في إحدى ضواحي بباريس واليوم يمتلك سلسلة مطاعم، والآخر ذهب إلى بريطانيا في سن صغيرة لتنقلب حياته رأسًا على عقب بعد فتح محل صغير لبيع الأكلات التونسية، أو يسلط الإعلام الضوء، في الاتجاه المخالف، على معاناة المهاجرين مثل التمييز العنصري وقلة فرص العمل وصعوبة التأقلم.

نرصد في هذا التقرير تفاصيل بسيطة لتونسيين هاجروا إلى الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم في بداية الطريق وربما بعد سنوات يصبحون موضوع قصص نجاح تتسابق وسائل الإعلام على نشرها

في المقابل ونادرًا ما تتوجه الأقلام أو الكاميرا نحو المهاجرين التونسيين الذين يعيشون في مناطق أخرى من العالم وهم في بداية طريقهم، يعيشون روتين الحياة اليومي ويكابدون من أجل التأقلم وتحسين أوضاعهم، بعيدًا عن المعاناة القاتلة التي يصورها بعض الإعلام، وكذا بعيدًا عن قصص النجاح الحالمة.

نرصد في هذا التقرير، بمناسبة زيارتنا إلى واشنطن، تفاصيل بسيطة لتونسيين هاجروا نحو الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم في بداية الطريق ولعلهم بعد سنوات يصبحون موضوع قصص نجاح تتسابق وسائل الإعلام على نشرها.

سنية اليونسي.. إعلامية تونسية في واشنطن

سنية اليونسي، مقدمة أخبار تونسية في قناة أمريكية ناطقة باللغة العربية، التقيناها في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، تبادرنا بأن أكثر ما أثار انتباهها في هذا البلد هو حرص الدولة لتسهيل عيش المواطنين. تقول: "ما جلب انتباهي في هذا البلد أن كل شي ممكن، يمكنك الدراسة، وتغيير اختصاصك، والعمل، والدراسة وبعث مشروع، وكل ذلك مرتبط بمراحل بمجرد إنجازها ستفعل ما تريد".

عملت سنية قبل سفرها إلى الولايات المتحدة في تجارب إعلامية مختلفة في تونس، بدأت بتقديم النشرة الجوية ومرت بعدة محطات أهمها التمثيل ثم تقديم الأخبار، قبل أن تغريها التجربة مع إحدى القنوات العالمية ما دفعها إلى الانتقال إلى واشنطن قبل ما يقارب 9 أشهر.

سنية اليونسي: أشعر أنني أتطور في كل يوم ولكن في المقابل هناك ثمن يجب أن تدفعه وهو الغربة

اقرأ/ي أيضًا: هل تفضح مقابلات العمل سوق الشغل في تونس؟ (شهادات)

ترى الإعلامية التونسية أن الحياة في الولايات المتحدة تخضع لنظام معين يقوم على نقطة أساسية وهي التكنولوجيا، إذ بمجرد فهم هذا النظام والدخول صلبه تصبح الحياة سهلة وسلسة، وفق قولها. تعيش سنية روتينًا يوميًا يبدأ بالنهوض باكرًا ومتابعة الأخبار اليومية ومستجدات الساحة الإقليمية والعالمية قبل التنقل إلى مقر القناة لمتابعة إعداد الأخبار وإعداد الأسئلة لضيوفها.

وتقول سنية لـ"ألترا تونس" إنها تحرص أيضًا على ممارسة الرياضة التي هي جزء لا يتجزأ من الحياة في الولايات المتحدة وفق قولها.

تؤكد محدثتنا أنها تعيش تجربة رائعة "أشعر أنني أتطور في كل يوم ولكن في المقابل هناك ثمن يجب أن تدفعه وهو الغربة فمجرد أن تركب طائرة وتغادر بلدك فهذه أولى مراحل الغربة".

مغامرة دون وثائق قانونية

في اليوم الثاني من زيارتي لواشنطن، اتصل الصديق م. ك وكان قبل سنة يعمل في تونس في مؤسسة خاصة، وجاء إلى الولايات المتحدة من أجل إنجاز مجموعة تقارير عن تونسيين حققوا نجاحات في هذا البلد. يبادرنا بالمزاح قائلًا: "جئت إلى أمريكا من أجل إنجاز تقارير عن قصص نجاح التونسيين فأصبحت أنا بدوري موضوع تقرير".

عاش م.ك عددًا كبيرًا من التجارب المهنية في تونس، سنوات طويلة مرت ولم يتغير الوضع المادي ولا المهني، فقرر استغلال فرصة وجوده في الولايات المتحدة من أجل إيجاد عمل والبحث عن تسوية لوضعيته القانونية.

م.ك هو مهاجر تونسي في الولايات المتحدة يقيم دون وثائق قانونية وهو يعمل حاليًا في مطعم في انتظار تسوية وضعيته

اقرأ/ي أيضًا: "أي دوك" مشروع تونسي ينافس مواقع التواصل.. والدولة في سبات

يتحدث لـ"ألترا تونس" قائلًا: "مضى على وجودي في الولايات المتحدة أكثر من سنة عملت مع تونسي في مطعمه الخاص، ثم تنقلت للعمل مع أحد الأتراك واستقلت بعد فترة قصيرة، ثم عملت مع مصري أيضًا في مطعم، ثم إيطالي وآخر غاني و بعد ذلك عدت للعمل مع صديقي التونسي".

اختار لنا م.ك مقهى مطلًا على الشارع الرئيسي المؤدي إلى مبنى الكونغرس، جاء النادل وقد مازحه صديقي قليلًا وتناقشا حول الفروق بين طعم القهوة الإفريقية والأمريكية والبرازيلية.

مستوى متطوّر جدًا في إتقان اللغة الأنجليزية بلغه صديقي ما جعلني أبادره بالسؤال حول هذا التطور مجيبًا: "كانت اللغة أكبر عائق وجدته عند قدومي إلى الولايات المتحدة لكن صممت على مواجهته في أسرع وقت ممكن. ورغم مستواي المتدني في اللغة إلا أن الأمريكيين يقنعونك أنك جيد وهو ما زاد في ثقتي في نفسي. نعم تجاوزت اليوم عائق اللغة لكن بقي عائق اللهجة".

م.ك (مهاجر تونسي في الولايات المتحدة): كانت اللغة أكبر عائق وجدته عند قدومي إلى الولايات المتحدة وقد تجاوزته اليوم

سافر م.ك إلى الولايات المتحدة بطريقة قانونية وحصل على تأشيرة محددة في الزمن، لكنه بعد الوصول قرر المكوث في الولايات المتحدة من أجل خوض تجربة محاولة الوصول إلى الحلم كما فعل العديد من التونسيين قبله.

وهو يعرف نفسه الآن كمواطن تونسي يعيش في الولايات المتحدة دون وثائق قانونية بسبب تجاوزه للأجل المصرح به في المكوث والمحدد بـ 6 أشهر. وللخروج من هذه الوضعية، يخبرنا أنه لا يوجد إلا حلين إما الزواج أو طلب اللجوء "وكلاهما صعب فالزواج من أجل الحصول على وضعية قانونية يكلف الطرف الأخر السجن لمدة 5 سنوات وخطية مالية بقيمة 250 ألف دولار في حال اكتشفت السلطات عملية التحيل".

من طالب للعلم إلى سائق.. لكن الحلم متواصل

تختلف، في المقابل، وضعية صديق آخر م.م عن وضعية من سبقه، فهو يقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من 4 سنوات جاء إليها طالبًا للعلم، قضى سنوات في مقاعد الدراسة بنسق يعادل 9 ساعات يوميًا في تجربة يعتبرها مهمة في رصيده العلمي.

يعمل م .م حاليًا سائقًا في شركة نقل تعمل عبر التطبيقات الإلكترونية، يقضي يومه بين المنزل والعمل وقد أغرته تجربته في الولايات المتحدة للبقاء فيها. ولكن يخبرنا أنه يبحث عن عمل في مجال تخصصه منذ فترة "أعتقد أن الوضع ليس مناسبًا للعودة إلى تونس، كما أن تجربتي في الولايات المتحدة من حيث التأقلم وتكوين شبكة من العلاقات والاطلاع عن كثب عن حياة الأمريكيين تجعلني جميعها أبحث عن عمل من أجل البقاء هنا، لدي الكثير من الأحلام تنتظر التحقيق"، هكذا يتحدث لـ"ألترا تونس".

م.م (مهاجر تونسي): مشكلة كبيرة ستواجه كل تونسي يأتي إلى أمريكا وهي ضعف ثقافة العمل ما يتعارض مع نظام عيش الأمريكيين

ويرى محدثنا أن عامل الانفتاح ساعد التونسيين كثيرًا على التأقلم والعيش في الولايات المتحدة ولكن يستدرك بالقول: "ولكن لدينا مشكلة كبيرة ستواجه كل من يأتي إلى الولايات المتحدة وهي ضعف ثقافة العمل لدينا وهو ما يتعارض مع نظام عيش الأمريكيين".

التونسيون الثلاث الذين تحدثنا إليهم، أجمعوا في الأثناء، أن تونس تسير في طريق خاطئ، وفق تقديرهم، في ظل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأزمات السياسية المتتالية وهو ما يجعلهم يستبعدون فكرة العودة الحالية لتونس، ولكن يؤكدون، في المقابل، على أن حب بلدهم لا يزال مغروسًا في قلوبهم، والدليل أن إنجازاتهم وأحلامهم، حال تحقيقها، تؤدي إلى العودة إلى تونس في نهاية المطاف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رمضان.. شهر تحدّ للمغتربين وتعايش للأجانب في تونس

الهجرة الداخلية في تونس.. قصص البحث عن فرص شبه منعدمة!