14-أبريل-2020

المسؤولية كبيرة بخصوص قرار رفع الحجر الصحي أو تمديده (ناصر طلال/وكالة الأناضول)

مقال رأي

 

المعضلة الأساسية التي يجب أن تحسم فيها السلطة التنفيذية هذا الأسبوع هو قرار تمديد أو رفع الحجر الصحي أسبوعين آخرين إلى 3 ماي/آيار المقبل أو رفعه تدريجيًا نهاية هذا الأسبوع. لا يتناول هذا المقال التقدير الطبي أو الصحي لما يجب أن يحصل في تونس، فهو نقاش معنية به "اللجنة العلمية" التي تتابع الموضوع وعمومًا المحيطون بالمعطيات التقنية والإحصائية ومجمل لوحة المعلومات الطبية. لكن يتناول المقال التقدير السياسي أي مختلف المعطيات غير الطبية والتي تتجاوز التقني حول تمثلات التونسيين وإمكانية فشل الرفع أو التمديد حول وضع البلاد والحكومة.

المعضلة الأساسية التي يجب أن تحسم فيها السلطة التنفيذية هذا الأسبوع هو قرار تمديد أو رفع الحجر الصحي أسبوعين آخرين إلى 3 ماي/آيار المقبل أو رفعه تدريجيًا نهاية هذا الأسبوع

كان الأسبوع الأخير بالنسبة للحكومة يواجه ضغوطات جمة بالرغم من "تسطيح" المؤشرات الطبية وانخفاض عدد الإصابات واستقرارها يوميًا بين 5 و20 تقريبًا والوفيات بين حالة وحالتين تقريبًا، إلا أن حتى غير المختصين يعلمون أن غياب تحاليل مكثفة وواسعة يعني أننا لا نعلم مدى انتشار العدوى خاصة تلك الإصابات التي لا تظهر أعراضها. وأيضا حتى غير المختصين يعلمون أن أي رفع للحجر بدون تشخيص واسع للحالات وبدون توفر واسع للكمامات (يبدو أننا نحتاج حوالي 30 مليون كمامة في مرحلة أولى) وخاصة دون رفع قدرتنا في أسرة الإنعاش سيعني أن التحكم الذي تم سيكون مجرد مرحلة مؤقتة لتوسع خطير يتجاوز القدرة على استيعاب المستشفيات له. ويصيب الصف الأول اصلًا للتصدي للفيروس أي الإطار الطبي وشبه الطبي بما يعرض كل منظومة الدفاع إلى الخطر.

اقرأ/ي أيضًا: الحجر الصحي العام... إلى متى؟

الضغط القادم من الإطار الطبي واضح، بعض أعضاء اللجنة العلمية خرجوا للعلن للتحذير من الرفع التدريجي والأهم وزير الصحة عبد اللطيف المكي نفسه بصدد قيادة هذا التوجه أي الأولوية المطلقة للرأي الطبي والعلمي. المكي الذي أصبح تقريبًا عصب الحكومة، وواجهتها الإعلامية الأولى في زمن الكورونا والذي يُقال أنه ينهي اجتماعاته منتصف الليل ويبدأ مجددًا الثالثة صباحًا، وبينهما تواجد اعلامي وحتى فايسبوكي مكثف تتخلله أخطاء واضحة وملامح تعب أوضح، يواجه بدوره تحديات سياسية مختلفة سواء من قبل من ينظرون إلى هويته السياسية النهضوية ويعتبرون ذلك مشكلًا ويهاجمونه على ذلك الأساس بمعزل عن أدائه وكفاءته، وبين حتى من داخل حزبه في إطار التجاذبات التي كانت لديه مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ومن الطبيعي أن يبقى هذا التجاذب حيث أصبح مصير الحركة مرتبطًا أساسًا بمصير أحد قياداتها ووزرائها الأكثر بعدًا عن فؤاد رئيس الحركة. 

في الجهة الأخرى، يرى الفريق المقابل، داخل الحكومة وخارجها، أن المكي انغمس في المقاربة الطبية بشكل مطلق ونسي الصورة العامة. إننا نواجه خطر "الانفجار الاجتماعي" إذا تواصل الوضع كما هو عليه وهو ما سيعقد حتى جهد مواجهة الكورونا. المنظمة الشغيلة متخوفة من الآثار الاجتماعية وتعتبر أنها لا يمكن أن تتنصل كثيرًا من التزاماتها الاجتماعية والدفاع عن منظوريها خاصة إذا تواصلت الأزمة وأدت مثلًا إلى تخفيضات كبيرة في أجور الموظفين.

نواجه خطر "الانفجار الاجتماعي" إذا تواصل الوضع كما هو عليه وهو ما سيعقد حتى جهد مواجهة الكورونا

في المقابل، أصدرت منظمة الأعراف "دراسة" حول قدرة المؤسسات على دفع أجور موظفيها خلصت أن هذه القدرة حدها آخر شهر ماي/آيار أقل من 20 في المائة من مجمل المؤسسات النشطة. في الجهة الأخرى، يوجد جسم من الناشطين المهنيين واسع جدًا لكن خارج هذه الأطر المنظمة يتمثل خاصة في العمل الهش (في المقاهي والمطاعم والحلاقين وعمال البناء إلخ) الذين لا يمثلهم أحد في الجدال، ولا توجد حتى سجلات دقيقة لدى الدولة حولهم، وهم الآن في المنازل لا يعلمون من أين سيأتون بقوتهم، وذلك عدا وضع الأرياف والمشتغلين بشكل هش في الأراضي الفلاحية خاصة من النساء.

يقترب أيضًا وضع خاص ذو بعد نفسي يزيد خصوصية على زمن الكورونا أي شهر رمضان. كيف سيواجه الصائمون وضعًا لا يستطيعون فيه الاقتراب من المساجد وأداء التراويح؟

اقرأ/ي أيضًا: ما بعد الكورونا؟ توقعات متضادة

كل هذه الأسئلة والمشاغل الكبرى تجعل فريقًا في الحكومة وخارجها يضغط للرفع التدريجي بدءًا من نهاية الأسبوع وتمتيع بعض القطاعات خاصة الهشة منها بـ"التنفس" للتخفيف من الوطأة الاجتماعية. وفي ذات الوقت سيكون موضوع الأفق الزمني للحجر مرتبطًا بقوة بموضوع الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة التوزيع العادل للعبء، فالجميع سيقول اذهبوا للآخرين لتقديم تضحيات ولن يقبلوا بسهولة قبول القيام بتضحيات بأنفسهم. إدارة وسياسة التوزيع العادل للتضحيات هي المعضلة الأخرى الرئيسية، وهو موضوع المراسيم المتوقع أن تصدر تباعًا في الفترة القادمة.

هذا التلاطم بين التقدير الطبي الخالص والتقدير الاجتماعي الخالص سيحتاج حسمًا وتحكيمًا

هذا التلاطم بين التقدير الطبي الخالص والتقدير الاجتماعي الخالص سيحتاج حسمًا وتحكيمًا، فلا الفيروس ينتظر ولا الاحتياجات الاجتماعية تنتظر ولا رمضان ينتظر. القرار في نهاية الأمر لن يكون "علميًا" ولا يتعلق بـ"العلوم الصحيحة" ولا بالأرقام والإحصائيات. هو تقدير سياسي سيبحث عن التوازن، وبالتأكيد لا يمكن للحكومة ان تنفرد به، ستحتاج حزامًا واسعًا، سياسي خاصة حيث أن أنصار الأحزاب يهللون لوزراء أحزابهم أساسًا وليس للحكومة، وأيضا مؤسساتي يجمع رئاسة الجمهورية برئاسة الحكومة وأيضًا رئاسة البرلمان. وهو سيكون الموضوع الرئيسي لمجلس الامن القومي القادم.

بالنهاية، إن المسؤولية كبيرة، وهي مسؤولية أصعب وطأة من أي مسؤولية تحملها أي طرف حكم تونس منذ عقود طويلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"ذكورية الكورونا".. أو حين تحمل الأنثى وزر الأوبئة

ميتتان لموتى كورونا