30-سبتمبر-2021

المياه الصناعية القادمة أساسًا من مصانع المواد النسيجية تساهم في تلوث خليج المنستير (جمعية حماية البيئة بقصيبة المديوني)

 

يمتد خليج المنستير من محمية رأس المنستير وصولًا إلى رأس الديماس بالبقالطة. كان في الماضي مصدر ثروة سمكية هائلة ومصدر رزق للعشرات من العائلات في المدن والقرى المتاخمة للشريط الساحلي. عند مرورك تلاحظ رسو المراكب البحرية الصغيرة في المياه القصيرة (0.60 متر) والتي تمتد على مسافة مئات الأمتار ليبلغ العمق في الداخل خمسة أمتار.

وتقدر مساحة خليج المنستير بنحو17 ألف هكتار في مياه المتوسط. ويعتبر هذا الخليج حاضنة للعديد من الكائنات البحرية والأعشاب الحامية للتصحر البحري كانت طوال عقود في منأى عن مصادر التلوث إلى غاية السبعينات حين شهدت الجهة طفرة صناعية ونموًا سكنيًا هائلًا وتشييد منشآت صناعية ملوثة خاصة في المنستير وخنيس وقصيبة المديوني وصيادة ولمطة وبوحجر.

مدير المكتب الجهوي لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بالمنستير لـ"الترا تونس": انطلقت الوكالة سنة 2019 في إنجاز دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع تهيئة واستصلاح خليج المنستير التي تتواصل إلى حدود السنة الجارية

وقد تفاقمت مظاهر التلوث الذي تنوعت أسبابه مما أفقد خليج المنستير رونقه فتحول من حاضنة بيئية وحيوانية إلى مصدر من مصادر الروائح الكريهة وفضاء لنفوق الكائنات البحرية ونفور الطيور من الاستقرار فيه، كما تسبب في انتشار أمراض جلدية لدى الصيادين من أبناء الجهة.

استصلاح خليج المنستير كان محور جلسات متعددة جمعت السلط المركزية والجهوية والمحلية المتداخلة في الموضوع والذي تتكفل به وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي في الإشراف المباشر، بمشاركة مكونات المجتمع المدني، وقد تميز هذا الملف بالأولوية نظرًا لخطورته على صحة الإنسان وتأثيره الاستراتيجي على كامل المنطقة مما يدفع نحو المعالجة البيئية والتنموية برؤية اجتماعية بيئية.

وكشف مدير المكتب الجهوي لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بالمنستير حسين مبارك لـ"الترا تونس" عن المراحل الأساسية لتدخل الوكالة في الشريط الساحلي خلال لقاء ضمن ندوة جهوية مخصصة لتداول مسألة خليج المنستير.

بعض مظاهر التلوث بخليج المنستر (جمعية حماية البيئة بقصيبة المديوني)

فقد أفاد أن وكالة وتهيئة حماية الشريط الساحلي "أعدت بين سنتي 2008-2012 دراسة استراتيجية لاستصلاح خليج المنستير وإيجاد حلول مستعجلة لإزالة التلوث، ونفذت بين 2014 و2017 أشغال جهر لبعض المناطق من البحر لتحسين دوران المياه واستصلاح الشريط بين بلديتي خنيس وقصيبة المديوني على طول 18 كلم بكلفة جملية قدرها 20 مليون دينار على ميزانية الدولة وانطلقت الوكالة سنة 2019 في إنجاز دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع تهيئة واستصلاح خليج المنستير التي تتواصل إلى حدود السنة الجارية وهي بكلفة 800 ألف دينار مموّلة في شكل هبة من الصندوق الكويتي للتنمية العربية".

اقرأ/ي أيضًا: متساكنو الضاحية الجنوبية لتونس يحتجّون على حالة الشواطئ عبر تكوين سلسلة بشرية

كما قدم رفيق بن شرادة مدير مكتب الدراسات للمشروع ودراسة فرضيات استصلاح خليج المنستير الممتد من المنستير إلى صيادة وإزالة التلوث منه عرضًا حصلنا على نسخة منه أشار فيه إلى أنّ "الدراسة قد حدّدت مبدئيًا قيمة مشروع الاستصلاح وإحداث المنصة بما يناهز 300 مليون دينار والمتمثلة أساسًا الخط الساحلي على 13.5 كلم وعلى مساحة 1233 هكتار منها 81 هك أراض محدثة في إطار المرحلة الأولى الاستعجالية و678 هك أراض مبرمجة في استراتيجية الاستصلاح الشاملة و379 هك لخلق مسطحات مائية وبحيرات وقنوات و57 هك منطقة سبخة العقبة و38 هك أراض فلاحية يمكن إدماجها وإلحاقها بالمشروع (منطقة الفرينة والمنصورة).

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومسألة استصلاح خليج المنستير 

وفي تصريح خص به منير حسين عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، "الترا تونس"، قال: "لا تزال المشاكل في خليج المنستير موجودة ومتواصلة باعتبار أن مصادر التلوث بقيت كما هي بل بالعكس ربما زادت ولم يقع إيقافها، وهي مصادر للتلوث ناجمة عن مياه محطات المعالجة للمياه المنزلية وهي ثلاث محطات: محطة الفرينة، محطة بوحجر، محطة جمّال".

بعض مظاهر التلوث بخليج المنستر (جمعية حماية البيئة بقصيبة المديوني)

وأضاف منير حسين: "بالنسبة لمحطة الفرينة، لا تتجاوز طاقة المعالجة اليومية 13500 متر مكعب ولكن يصل إليها أكثر من 23 ألف متر مكعب، في حين أن محطة صيادة لمطة بوحجر طاقة استيعابها اليومية حوالي 1700 متر مكعب في حين يصلها أكثر من 9 آلاف متر مكعب يوميًا.. وهذا يعطينا فكرة عن هذه المحطات التي تلقي بمياهها المتعفنة وغير المعالجة في خليج المنستير". 

ويتمثل المصدر الثاني للتلوث في المياه الصناعية القادمة أساسًا من مصانع المواد النسيجية التي تلقي بمياهها عبر الأنهار أو عبر شبكات التطهير والتي تتسبب بمزيد من التلوث خاصة بالمعادن الثقيلة والمياه المملوءة بالمواد الكيميائية السامة خاصة في المنطقة الممتدة بين بحيرة المنستير حتى ميناء صيادة.

عضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الترا تونس": ثلاث محطات لمعالجة للمياه المنزلية هي مصادر للتلوث فهي تلقي بمياهها المتعفنة وغير المعالجة في خليج المنستير

وأشار منير حسين إلى أنه "وقع استصلاح جزئي للخليج عن طريق المشروع الذي انطلق سنة 2016 وأدى إلى ردم حوالي 70 هك بينهم 55 هك في شواطئ خنيس، وقد أشرفت عليها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي في إطار مشروع الاستصلاح الذي أرسته الحكومة سنة 2013، لكن عند خروج الصفقة كان من الواضح أن قيمتها الجملية 16 مليون دينار وهذه الاعتمادات لا تكفي كافة المنطقة مما دفع المجتمع المدني في قصيبة المديوني إلى الاحتجاج والاعتراض على المشروع غير أنه بعد مفاوضات عسيرة مع الجهات المسؤولة وقع فرض تهيئة ميناء قصيبة المديوني لحماية الميناء من مصادر المياه الملوثة المتأتية من محطة تطهير صيادة لمطة بوحجر".

اقرأ/ي أيضًا: ميناء المياه العميقة بالنفيضة: هل توفر الدولة ضمان التمويل؟

واعتبر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنهم طالبوا كمجتمع مدني بتلازم مسارين "مسار استصلاح الشريط الساحلي وأيضًا غلق المحطة وتحويلها إلى محطة ضخ مع تحويل منظومة المياه إلى القطب التكنولوجي بالساحلين، حيث إن هناك اتفاقًا على بعث محطة جديدة ستكون جامعة، فضلًا عن تهيئة محطة جمّال كي لا تسكب المياه الملوثة في مجاري الأنهار المؤدية للبحر، وقد تم توثيق ذلك في محاضر جلسات" وفقه.

ويضيف منير حسين أنّ "عملية نقل منظومة المياه المستعملة إلى القطب التكنولوجي جابهت العديد من المشاكل مع المجتمع المدني في مدينة خنيس وذلك برفض مسار عملية الربط بالأنابيب التي تمر عبر المدينة، وتم طرح نموذجين من الحلول وحاليًا هناك مقترح تمرير الأنابيب بجوار السكة الحديدية لتعود في اتجاه منطقة بوحجر وبنان وتنعرج في اتجاه السكة الحديدة لتتصل بالقطب التكنولوجي".

وأشار إلى أن "الديوان الوطني للتطهير يفترض جاهزية الصفقة في ظرف أربعة أشهر غير أننا نعتقد أن الإدارة التونسية تقدم الكثير من الوعود ولكن لا توجد إرادة حقيقية تعجّل بحل المسائل العالقة" على حد تعبيره.

عضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الترا تونس": الإدارة التونسية تقدم الكثير من الوعود ولكن لا توجد إرادة حقيقية تعجّل بحل المسائل العالقة

كما ذكر منير حسين أنه "في الأثناء، هناك دراسة جديدة تخص خليج المنستير وهي دراسة وقع تمويلها من دولة الكويت من أجل خلق قطب تنموي كبير في خليج المنستير من صيادة إلى جنوب مدينة المنستير أين توجد البحيرة، هذه الدراسة إثر تجهيزها، تم تقديمها للمجتمع المدني وعرضها في مقر ولاية المنستير وقد قدموها لنا في نموذج مدينة جديدة أطلقوا عليها "مدينة جديدة"، لكن تم رفض ذلك المشروع لأنها بالأساس مدينة مغلقة تمامًا ومنفصلة عن محيطها العمراني المتمثل في المدن المتجاورة على امتداد الشريط الساحلي لتصبح مدنًا تعيش على هامش المدينة الجديدة، وستضم هذه الأخيرة بناءات شاهقة ومرافق حديثة منعزلة عن المدن القديمة في المستقبل".

وأضاف حسين أنّ هذه المدينة الجديدة "لن تنعكس إيجابيًا على مستوى التنمية المحلية لأنها ستكون عبارة عن مناطق معزولة تمامًا ولا تمكننا من مردودية لأن الهدف من هذه المشاريع كما رأيناه في بحيرة تونس هو الرصيد العقاري، وهي بوجهة بعيدة عن واقع المنطقة وآفاقها، وهذه النماذج المقترحة تخلق صنفين من المناطق: منطقة متطورة جدًا وفيها استثمارات ضخمة تعكس قوة رأس المال، وقرى تعيش على هامش ذلك ويتم انتزاع البحر منها. ولذلك وقع رفض هذا النموذج مما دفع مكتب الدراسات والسلط إلى اقتراح نموذج جديد بعد مشاورات مع مكونات المجتمع المدني".

الصيادون بخليج قابس يشتكون نفوق الكائنات البحرية (فيسبوك)

كما تطرق منير حسين إلى أن"نماذج جديدة تم اقتراحها تتمثل في "مدينة جديدة متوسطية" ونموذج "مدينة بيئية خضراء". وبعد التشاور، تم قبول نموذج المدينة البيئية وهو نموذج يدمج المدن والقرى على طول الشريط الساحلي في خليج المنستير بالرصيد العقاري الجديد الذي سيقع إحداثه وسيكون لكل بلدية نصيب من الرصيد العقاري الجديد الذي سيقع إحداثه وتتوجه بالتالي نحو الاستثمار، ويكون البحر مفتوحًا على كامل المنطقة ومتساكنيها، وهذا المشروع سينجز على المدى البعيد 2040-2045".

وفي الأخير قال منير حسين إنّ "محطة التطهير لمعالجة المياه الصناعية المزمع إنجازها في القطب التكنولوجي بالمنستير تجابه بدورها تعطيلات كبرى أجبرت الدولة على طرح الصفقة السابقة وإعلان طلب عروض جديد بعد انسحاب المقاول الأول الذي رست عليه الصفقة الأولى. وقد طالبنا أن تكون محطة التطهير الجديدة ذات مسار مغلق ويعني تكرير المياه المستعملة وإعادة بيعها للصناعيين لاستعمالها خاصة تلك التي تركز وحدات صناعية في قطاع النسيج وغسل قماش "الدجينز" (السروال الواحد يستهلك 72 لتر) وبالتالي المحافظة على الثروة المائية التي تم استنزافها في السنوات الأخيرة تزامنًا مع النهضة الصناعية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حلق المنزل" في سوسة.. منطقة رطبة مهددة

هنشير النفيضة.. ثروة تنموية مهدورة عبر الزمن