17-سبتمبر-2015

تلاميذ تونس..بين ضغط النقابات وقرارات الوزير(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

"حماة الحمى يا حماة الحمى..هلموا هلموا لمجد الزمن"، بهذه الكلمات للنشيد الوطني التونسي، استهل حوالي مليوني تلميذ وتلميذة السنة الدراسية الجديدة، والتي وصفها وزير التربية التونسي بـ"سنة الإصلاحات الكبرى"، وذلك يوم 15 من أيلول/سبتمبر الجاري.

وقبل انطلاق السنة الدراسية بيوم واحد، أعلن ناجي جلول، وزير التربية والتعليم في تونس، عن قرارات جديدة، وقال إنها "تهدف إلى إرجاع المنظومة التربوية والتعليمية إلى مكانتها ورد الاعتبار للشهائد الوطنية، وفرض الانضباط في جميع المؤسسات التربوية، وبالتالي أن يعود للمدرسة بريقها التربوي وإشعاعها الاجتماعي".

ومن أبرز هذه القرارات، قرار ارتداء "الميدعة" بالنسبة لجميع التلاميذ ذكورًا وإناثًا، وهو اللباس الرسمي في المدارس والمعاهد التونسية، والذي صار منذ سنوات مقتصرًا على تلاميذ الابتدائي ثم على الفتيات فقط خلال التعليم الثانوي والإعدادي. ويرى جزء واسع من الشارع التونسي أن هذا القرار يندرج ضمن محاولات الوزارة فرض الانضباط داخل المؤسسات التربوية والتي تعمها منذ سنوات فوضى على مستويات مختلفة، حسب المدرسين والمتابعين للقطاع.

وأقرت وزارة التربية والتعليم تغيير "الزمن المدرسي" ونظام العطل إذ راج منذ سنوات أن زمن التدريس المعتمد في المدارس والمعاهد التونسية، والقاضي بالدراسة لمدة ثماني ساعات تقريبًا يوميًا، في حصة صباحية وأخرى مسائية، يتعارض مع ما أكدته الدراسات العلمية من مقتضيات للتنشئة السليمة. وسيتم تدريجيًا تطبيق نظام جديد يتمثل في التدريس صباحًا وتخصيص المساء للحصص الرياضية والأنشطة الثقافية.

كما أعلن وزير التربية والتعليم، مع انطلاق السنة الدراسية الجديدة، التوجه نحو عدم احتساب نسبة 20 في المئة من معدل سنة الباكالوريا/الثانوية العامة في معدل التلميذ النهائي المحدد لنجاحه أو رسوبه، في محاولة لاستعادة سمعة هذه الشهادة الوطنية وضمان استحقاق التلميذ نجاحه ومروره للجامعة. وفي هذا الإطار، يقول عادل الحداد، المدير العام للبرامج والتكوين المستمر بوزارة التربية: "هذه إصلاحات علاجية متأكدة، الغرض منها ليس الإصلاح الهيكلي، وإنما التدخل الموضعي في بعض المشاكل في المنظومة التربوية".

ومن المنتظر أن يصدر عن رئاسة الحكومة في تونس، خلال الأيام القادمة، مشروع قانون يمنع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية، وهي التي ميّزت الحياة المدرسية في تونس لسنوات عديدة ويعتبرها الكثيرون، من الأولياء والمختصين في الشأن التعليمي، قد ألحقت ضررًا بجودة تكوين التلميذ وهمشت دور المدرسة. ويفترض أن يتواصل ما يعرف بـ"دروس التدارك والدعم" داخل المدارس والمعاهد تحت إشراف إداري وبيداغوجي.

من المنتظر أن يصدر عن رئاسة الحكومة في تونس مشروع قانون يمنع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية

وانطلقت خلال الصائفة الأخيرة، جملة من الإصلاحات على مستوى البنية التحتية للمدارس والمعاهد التونسية، بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مع موفى السنة الدراسية الماضية، صور لمدارس مهملة ولا تتوفر فيها أبسط متطلبات الدراسة. أعلنت الوزارة إذًا عن إحداث 32 مدرسة ابتدائية جديدة و9 مؤسسات تربوية إعدادية وثانوية و8 مبيتات لسكن التلاميذ، وصيانة 1264 مؤسسة تربوية منها 800 مدرسة ابتدائية، والتوسيع وإحداث فضاءات جديدة من قاعات مراجعة ومجمعات صحية في 780 مؤسسة تربوية.

وتجدر الإشارة إلى إعلان وزير التربية، الانطلاق في إصلاحات وصفها بـ"الهيكلية" كالبدء في تجربة "المدرسة الرقمية" في بعض المؤسسات التربوية، تمهيدًا لانطلاقها فعليًا خلال السنة الدراسية 2016ـ2017 والتي سيتواصل تنفيذها على امتداد خمس سنوات. ومن الإصلاحات الهيكلية التي يتم تداولها مؤخرًا، إرساء منظومة جديدة لتكوين المدرسين.

ويرى جزء من الشارع التونسي أن هذه القرارات ليست إلا "حملات انتخابية" مبكرة لوزير التربية والتعليم، ناجي جلول، وهو أحد قيادات حزب نداء تونس الحاكم. ويبررون ما ذهبوا إليه بما راج في مواقع التواصل الاجتماعي من صور تُوضح توظيف شعارات الحزب في تنقلات الوزير الأخيرة في المدارس والمعاهد. ويتساءلون حول إمكانية تطبيق هذه القرارات على أرض الواقع خاصة مع تطور الخلاف بين وزارة التربية والتعليم ونقابة التعليم الأساسي وعجز الوزارة عن احتواء هذه الخلافات.

أعلن وزير التربية عن انطلاق تجربة "المدرسة الرقمية" في بعض المؤسسات التربوية التونسية

في المقابل استحسن جزء من التونسيين هذه القرارات، ويتضح ذلك من خلال تصدر وزير التربية قائمة الوزراء المتحصلين على أعلى نسبة رضا من الشعب التونسي بنسبة 17 في المئة، حسب نتائج استبيان لمؤسسة إحصاء خاصة في تونس خلال شهر أيلول/سبتمبر الجاري.

ومن المرجح أن يتطلب تطبيق هذه القرارات سلمًا اجتماعية وتوافقًا بين الوزارة والنقابات إلا أن آخر جلسات التفاوض، المنعقدة أول أيام العودة المدرسية، انتهت دون التوصل إلى اتفاق. وهو ما أدى إلى دخول أكثر من 60 ألف مدرس يومي 17 و18 أيلول/سبتمبر الجاري في إضراب دعت إليه النقابة العامة للتعليم الأساسي، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات في تونس وأعرقها. ويتواصل في الأثناء، اعتصام 8 من أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة داخل وزارة التربية والتعليم، منذ الأربعاء الماضي.

يرى جزء من الشارع التونسي أن قرارات وزير التربية والتعليم  ليست إلا "حملات انتخابية" مبكرة لصالح حزبه

والخلاف بين نقابة التعليم الأساسي والوزارة ليس وليد اليوم، فتحركات المعلمين انطلقت منذ شهر نيسان /أبريل الماضي ، ومن أهم مطالبهم توفير منح/علاوات مادية جديدة وتخفيض ساعات العمل وتفعيل الترقيات، إذ لم يتمتع بعض المعلمين بها رغم إمضاء اتفاق في الأمر، والمطالبة بتحسين ظروف العمل وبإصلاح البنية التحتية للمدارس.

في الأشهر الاخيرة الماضية تعددت تحركات نقابة المعلمين وشملت اعتصامات وأيام غضب ووقفات احتجاجية جوبه بعضها، حسب المدرسين، بتعنيف أمني لكن الأزمة لم تنفرج، وهو ما جعل جزءًا من الرأي العام التونسي يشكك في قرارات الوزارة "الإصلاحية" وخاصة إمكانية تطبيقها وتفعيلها خلال السنة الدراسية الحالية.

اقرأ أيضًا: نقابات التعليم.. لا عودة للمدارس في تونس