تكاثر الطحالب بخليج المنستير.. استغراب من ردّ وزارة الفلاحة وتحذيرات من التلوّث

عبّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن استغرابه من بلاغ وزارة الفلاحة التونسية، المتعلّق بتكاثر الطحالب المجهرية بخليج المنستير وتغير لون البحر ونفوق عديد من أنواع الكائنات البحرية. 

واعتبر المنتدى أن بلاغ الوزارة يتضمن محاولة للتقليل من حجم الكارثة واختزالها في عوامل طبيعية ظرفية مثل ارتفاع درجات الحرارة أو الأمطار الربيعية رغم أن الجميع يعلم ومنذ التسعينيات أن خليج المنستير يتعرض إلى تدمير ممنهج بسبب التلوث بالمياه الحضرية المتأتية من محطات التطهير (صيادة – لمطة - بوحجر والفرينة وجمال) ومن المياه الصناعية الملوثة التي تسكب يوميًا في الخليج". 

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الكارثة في خليج المنستير ليست معزولة ولا ظرفية، بل نتيجة سياسات وخيارات بيئية فاشلة وإدارة عشوائية للملف البيئي منذ أكثر من عقدين

كما أشار منتدى الحقوق إلى توفّر "عشرات من المحاضر والدراسات التي تؤكد مسؤولية الديوان الوطني للتطهير والشركات الصناعية في الكوارث البيئية المتتالية التي شهدها الخليج منذ سنة 1994 إلى اليوم، مذكرًا بأن "هذه الكارثة ليست معزولة ولا ظرفية، بل نتيجة سياسات وخيارات بيئية فاشلة وإدارة عشوائية للملف البيئي منذ أكثر من عقدين".

وأكد المنتدى في بيان له، أن "هذا البلاغ الوزاري يمثل محاولة تبييض للسياسات الفاشلة التي تنتهجها الدولة في خليج المنستير، الذي وصل إلى حافة انهيار المنظومة البيئية ومنظومة الصيد البحري بالخليج، عبر تبرير نفوق الكائنات البحرية بعوامل طبيعية، في تجاهل تام للأثر الكارثي للسكب المتواصل للمياه المنزلية والصناعية من قبل محطة التطهير صيادة-لمطة-بوحجر والشركات الصناعية".

وذكّر المنتدى بأن "تقرير وزارة الفلاحة الصادر إثر الكارثة البيئية في 12 سبتمبر/أيلول 2013 بخليج المنستير أكد أن الأسباب تعود إلى أن الخليج يتعرض إلى اعتداءات بيئية متنوعة مثل السكب المباشر وغير المباشر للمياه المستعملة وسكب المياه الصناعية والصرف العشوائي للمياه المنزلية من شبكات التطهير"، وفق المصدر نفسه. 

وأضاف أنها "في نفس التقرير طالبت بالإيقاف العاجل لأي سكب للمياه الحضرية (المنزلية والصناعية) المعالجة وغير المعالجة في الخليج"، كما اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "مثل هذه البلاغات من شأنها أن تزيد من حالة الاحتقان والتوتر الاجتماعي في المنطقة"، مضيفًا أن "كل محاولة لتغليف الحقائق أو توجيه الرأي العام نحو تفسيرات بيولوجية معزولة، تعد مشاركة في التواطؤ على الكارثة البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها متساكني الخليج".  

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: البلاغ الوزاري يمثل محاولة تبييض للسياسات الفاشلة التي تنتهجها الدولة في خليج المنستير، الذي وصل إلى حافة انهيار المنظومة البيئية ومنظومة الصيد البحري

وعبّر المنتدى مجددًا عن "تضامنه الكامل مع أهالي مدن خليج المنستير"، كما طالب مرة أخرى بإعلان "حالة طوارئ بيئية متبوعة بإجراءات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومات بيئية ومنظومات إنتاج في خليج المنستير". 

ودعا إلى عقد مجلس وزاري عاجل خاص بخليج المنستير واتخاذ القرارات المالية المناسبة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إصلاحات لإيقاف نزيف التلوث وإنقاذ ما تبقى من منظومات بيئية في الخليج"، مطالبًا "السلط المعنية بالشأن البيئي إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والتزاماتها في الاستجابة لمطالب سكان مدن الخليج وحقهم في بيئة سليمة".

ودعا المنتدى إلى "محاسبة كل الأطراف التي تسببت في هذه الكوارث البيئية نتيجة تمسكها بخيارات وسياسات بيئية فاشلة"، معتبرًا أن "غياب الإرادة السياسية في هذا الملف من شأنه أن يخلف توترًا واحتقانًا اجتماعيًا تتحمل مسؤوليته سلطة الإشراف"، حسب نص البيان.

بدوره قدّم المختص في الشأن البيئي والمناخي حمدي حشّاد قراءة علمية للظاهرة في خليج المنستير، وقال إنه تم "تسجيل تقلّص ملحوظ في مساحة ازدهار الطحالب البحرية (HAB) قبالة سواحل قصيبة المديوني، من 2.5 كلم مربع إلى 0.9 كلم مربع"، وذلك في متابعة للوضع البيئي لسواحل قصيبة المديوني من 18 إلى 23 جوان/يونيو 2025.

وبين أن "المساحة انخفضت بنسبة تفوق 64% في ظرف 5 أيام فقط"، معتبرًا أن "هذا التراجع ليس وليد صدفة، بل يرجِّح أنه يعود إلى عوامل بيئية متداخلة خفّضت من حدة الظاهرة وذلك على غرار:

• تحسّن حركة التيارات البحرية في المنطقة، مما ساهم في تفتيت كتل الطحالب ومنع تراكمها.
• زيادة نسبية في مستوى الأوكسجين الذائب، نتيجة تحسّن في التهوئة الطبيعية للمياه السطحية.
• استقرار درجات حرارة الطبقة العليا من البحر، الأمر الذي يحدّ من ظروف النمو المثالي للطحالب السامّة".

 مختص في الشأن البيئي والمناخي: الوضع البيئي في سواحل المنستير يبقى دقيقًا ويستحق متابعة مستمرّة رغم الانفراج الحالي، لأنه في غياب معالجة جذرية لمصادر التلوّث تكون عودة الازدهار الطحلبي للظهور مجددًا مسألة وقت 

واعتبر أن المهم في هذا التطور ليس فقط تقلّص المساحة، بل أيضًا مؤشرات العودة المؤقتة للتوازن الإيكولوجي الهشّ، مستدركًا بقوله: "لكن رغم هذا الانفراج، فإن الوضع البيئي في سواحل المنستير يبقى دقيقًا ويستحق متابعة مستمرّة. لأنه في غياب معالجة جذرية لمصادر التلوّث (صرف منزلي، زراعي، صناعي..)، تكون عودة الازدهار الطحلبي للظهور مجددًا مجرد مسألة وقت لتظهر، وبقوّة أكبر"، وشدد على أن "الحذر واجب، والتحرّك العلمي ضروري".

 يذكر أن شاطئ قصيبة المديوني يشهد ظاهرة تمثلت في تغير لون مياه البحر إلى "الأحمر"، وانبعاث روائح كريهة، مع نفوق عدد من الكائنات البحرية على غرار السلطعون، مما أثار مطالبة الأهالي ومختصين في المجال البيئي والمناخي السلطات المعنية بالتحرك سريعًا لمواجهة أي مخاطر على صحة المتساكنين.

ومن جهتها أكدت وزارة الفلاحة في بلاغ لها مساء الأحد، 22 جوان/يونيو الحالي، أن ظاهرة تكاثر الطحالب المجهرية blooms ونفوق بعض الكائنات البحرية في خليج المنستير خلال أيام 18 و19 و20 و21 جوان/يونيو 2025، شملت السواحل الواقعة جنوب شرق خليج المنستير، من قصيبة المديوني إلى منطقتي لمطة وصيادة. وقالت إن الاختبارات الأولية بينت أن هذه الظاهرة، على خلاف الظواهر البيئية السابقة التي كانت ناتجة غالبًا عن تكاثر بكتيريا مختزلة للكبريت، تعود أساسًا هذه السنة إلى تكاثر الطحالب المجهرية، وإن عدة عوامل بيئية ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة، من بينها: وفرة المغذيات في المياه نتيجة للأمطار الربيعية الغزيرة والتصريفات الحضرية، تلتها وفرة وتفكك كبير للطحالب الخضراء، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، وضعف تجدد الكتل المائية، وانعدام الرياح. 

وقالت الوزارة إن هذه العوامل أدت إلى انخفاض حاد في الأوكسجين الذائب في المياه، تخللته حالات من انعدام الأوكسجين (anoxia)، مما تسبب في نفوق الكائنات البحرية المتواجدة بالمنطقة، كما أكدت تركيز فريق مراقبة مستمرة تابع للمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحة بالمنستير، متكون من حرس صيد بحري وطبيب بيطري لضمان عدم تجميع وترويج الأسماك النافقة من طرف البحارة والمواطنين.